عندما نشرنا فى «المصرى اليوم» تقريرا عن تعيين 4 من خريجى كلية الحقوق دفعة 2007 بتقدير مقبول فى وظيفة معاون نيابة عامة، قامت الدنيا ولم تقعد، بسبب حساسية القضية التى تفتح جدلا واسعا حول تعيينات النيابة العامة، ومبدأ العدالة الاجتماعية الغائب. ورغم أننا نشرنا بالمستندات الرسمية فإن مجلس القضاء الأعلى تعامل مع ما نشرناه بهدوء باعتبار أن هؤلاء الخريجين تقدموا إليه بشهادات موثقة من جامعتهم بحصولهم على تقدير جيد بعد إضافة درجات الرأفة، تداعيات الأزمة لم تتوقف حتى الآن، لذلك ذهبنا إلى شيخ القضاة المستشار مقبل شاكر رئيس مجلس القضاء الأعلى، رئيس محكمة النقض، فى مكتبه بالمحكمة لإجراء حوار يجيب عن تساؤلات الرأى العام. بقى أن نعترف بأن بعض الكلام الذى قاله المستشار شاكر، فى هذا الحوار لن ينشر بناءً على طلب شيخ القضاة نفسه، باعتبار أن بعض الكلام يمس أشخاصاً بعينهم، وبعضه يفتح ملفات حساسة. وإلى نص الحوار.. ■ نشرنا أخبارا عن تعيين 4 خريجين فى وظيفة معاون نيابة عامة دفعة 2007 بتقدير مقبول، فما تعليقكم عليه؟ - هذا الأمر لم يحدث، ومجلس القضاء الأعلى لم يقم بتعيين أحد فى وظيفة معاون نيابة بأقل من تقدير «جيد» طبقا للقانون، ومن يملك الدليل على ذلك فليقدمه. ■ ولكن تحت يدى مستندات تثبت حدوث ذلك، وهناك حالة صارخة لخريج اسمه (...) بتقدير عام مقبول، تم إعطاؤه 10 درجات رأفة ليحصل على «جيد» بالمخالفة للائحة جامعته! (قدمت للمستشار نسخا من اللائحة) - يا سيدى عندى شهادات موثقة بذلك من الجامعة ذاتها عن ذلك الخريج الذى ذكرته بأنه حاصل على جيد، والجامعة هى التى تقول إنه حصل على جيد، أما عن كونه كيف حصل على هذا التقدير، فهذا شأن ليست لى علاقة به، إنه أمر يخص الجامعة ولا يخص مجلس القضاء الأعلى. ■ هل من صلاحيات مجلس القضاء الأعلى التحقق أو التأكد من الشهادات خصوصا بعد ما نشرناه ؟ - نتأكد من الشهادات الموثقة بمراجعتها من الجامعة، وندقق فى كل الأوراق المقدمة إلينا. ■ هل يمكن أن يتقدم خريج بشهادة جامعية «مضروبة» بتعديل الدرجات أو التقدير الكلى مثلا؟ - لا يمكن أن تكون الشهادة «مضروبة». ■ وهل تقبلون للتعيين فى النيابة، خريجا من الكلية دور ثان «دور أكتوبر»؟ - يمكن بالطبع بشرط أن يكون حاصلا على تقدير «جيد» سواء فى دور مايو أو دور أكتوبر، لا مخالفة فى ذلك، فيمكن أن يكون أحد الطلاب قد تعرض لعذر مرضى منعه من أداء الامتحانات فى دور مايو. ■ هل هناك حالات فى الدفعة الأخيرة؟ - نعم.. هناك حالات. ■ إذن تقدير «جيد» هو أول شرط؟ - ليس أول شرط، بل أحد الشروط. ■ وما هى بالتحديد الشروط التى تضعونها أمامكم فى المجلس عند اختيار معاونى النيابة الجدد؟ - شروط كثيرة ومتنوعة. ■ هل يمكن أن تذكرها؟ - لا. ■ لماذا؟ - لأنها ضوابط مجلس القضاء الأعلى. ■ لكن الواجب يحتم علينا جميعا الإجابة عن تساؤلات الرأى العام الذى يهمه أن يعرف؟ - لابد أن يكون تقدير المتقدم للتعيين «جيداً» كما ذكرت، ولابد أن يكون حسن السير والسلوك، وأن يكون مظهره «كويس»، وسمعته طيبة، كما يجب أن تكون عائلته من أصل طيب، وأن تكون تحرياته «ماشية»، بمعنى ألا يكون أحد فى عائلته «مسجل خطر»، أو عليه أحكام قضائية فى قضايا مشينة.. مخدرات، سرقة، نصب، قتل وغيرها. ■ ألا ترى أن كلمة «عائلته» مطاطة، يعنى شرطا واسعا للغاية؟ - لأ.. «مش مطاطة». ■ بمعنى..؟ - بمعنى أننا نقبل أبناء الشعب المصرى العادى قاطبة، ليس أبناء المستشارين فقط، ونسبة أبناء المستشارين قليلة. ■ لكن كم عدد أبناء المستشارين فى الحركة؟ - على فكرة أكبر نسبة من أبناء المستشارين فى أى حركة لا تزيد على 3 أو4%. ■ كم عددهم فى الدفعة الأخيرة 2007؟ - لا يزيدون على 15 فرداً. ■ كم عدد ضباط الشرطة الذين تم قبولهم فى حركة التعيينات الأخيرة؟ - 5 أو 6 على الأكثر. ■ وعدد المعينين فى حركة النيابة تقريباً؟ - على حسب الناجحين، لأنه يتقدم إلينا عدة آلاف كل سنة ونقوم بفحص أوراقهم، ونختار منهم 400 أو 500 الذين تتوافر فيهم الشروط. ■ نعود إلى ضوابط وشروط التعيين.. - (قاطعني): «بأقولك إيه.. أنا هنا أتعامل مع الأمر، وكأنى أختار زوجا لابنتى، مهم يكون أصله طيبا وسمعته حسنة، ومفيش أحكام قضائية على أحد من عائلته، أنا عندى واحد حاصل على جيد جدا تقديره مع مرتبة الشرف، الأول على دفعته، لكن عمه محكوم عليه فى قضية مخدرات». ■ وهل يختلف الوضع إذا كان المتقدم ابن مستشار؟ - على فكرة.. كلمة مستشار ليس لها محل اعتبار لدينا. ■ يعنى إذا تقدم إليكم ابن مستشار ألا تنظرون إليه بهذه الصفة؟ - «بنبص طبعا!».. لكن إذا تقدم إلينا ابن أرملة بسيطة مكافحة، تعمل معلمة فى مدرسة مثلا، ولديها 6 أبناء ربتهم بكفاحها وجهدها، منهم بكالوريوس طب وهندسة ومنهم ليسانس حقوق «جيد»، ومن أسرة طيبة، فإننا نضرب لها تعظيم سلام، وسنقبل ابنها فورا.. «أسرة من الطبقة المتوسطة فى مصر، هما دول اللى احنا عايزنهم». ■ لكن المتقدم خصوصا المتفوق يجب أن يُسأل فقط عن أفعاله، فهو ليس مسؤولا عن أفعال أحد من عائلته؟ - لا.. فإذا كان جده مثلا مسجلا خطرا، أو محكوما عليه فى قضية مخدرات أو قتل هل أقوم بتعيينه «علشان متفوق»، هذا من يتم استبعاده، يا أخى ماذا سيفعل إذا كان أحد أقاربه فى السجن وكيف سيتصرف، هل سيزوره؟ وأؤكد لك من يستبعد من التعيينات لديه «عوار» فى عائلته، لكننا لا نقول ذلك حفاظا على أسرار الناس. ■ سيادة المستشار.. ذكرت من قبل أن نوعية الأفعال والقضايا التى تستبعدون على أساسها المتقدم للتعيين فى النيابة هى الأحكام والقضايا المشينة.. مثل قضايا وأحكام المخدرات، السرقة، النصب، والقتل وغيرها.لكن ماذا بالنسبة لمن يتم استبعادهم بسبب أقاربهم فى قضايا شيكات وغيرها؟ - لا نستبعد أحدا بسبب هذا، سواء قضايا شيكات أو تبديد. ■ ولماذا لا يكون فحص الحالة الجنائية والاجتماعية لعائلة المتقدم على نطاق ضيق من الدرجة الأولى يشمل الأب والأم والإخوة فقط؟ - لا.. لأنه يجب أن يشمل الأعمام والأخوال.. ولن نقبل خريجا متفوقا عمه «واخد حكم فى جناية». ■ هل يشمل الفحص أزواج العمات والخالات وأبناءهم وخلافه؟ - لا. ■ ألا تتفق معى فى أن هناك غُصَّة بحلوق وصدور المتفوقين الحاصلين على «جيد» و»جيد جدا» بعد استبعادهم وتعيين من هم أقل منهم تفوقا.. لماذا لا ينظر إلى هؤلاء بعين الاعتبار؟ - من قال هذا.. نحن ننظر بعين الاعتبار لهم، لكن يجب أن يكونوا مستوفين لباقى الشروط حتى يتم تعيينهم. ■ لكن هناك العشرة الأوائل فى جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية لم تقبلوا منهم إلا أقل من 5 فقط تقريبا؟ - هذا غير صحيح.. من تقدم منهم وتوافرت فيه الشروط تم قبوله، إلا من لديه عوار، أو مشكلة معينة فتم استبعاده بسببها. ■ هناك اقتراح لعدد كبير من أساتذة القانون، وهو أن يتم تعيين العشرة الأوائل بالكليات فى النيابة العامة؟ - لا يمكن أن نطبق ذلك فعليا، لأنه يمكن أن يكون من العشرة الأوائل، وعمه أو خاله مثلما سبق أن أشرت- محكوم عليه فى قضية مخدرات، أو مسجل خطر، فلا يمكن أن أقبله. ■ ولكن هناك من تم استبعاده رغم استيفائه جميع الشروط القانونية؟ - سيتم قبوله فورا. ■ سيادة المستشار.. هناك حالات تحت يدى؟ - يا سيدى أنت ليس أمامك الأوراق حتى تحكم، نحن أمامنا جميع الأوراق، وأنا أمامى «c.v» للعائلة، ومرفق بها تحريات سرية لأربع جهات عليا، وعلى فكرة المستشار محمد عيد سالم الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى كان عنده حق عندما قال «كل واحد عارف عيبه»، «وأنا بأقول أى واحد متاخدش عارف كويس متاخدش ليه». ■ يبدو أننا نتحدث هنا عن المستشارين وأبنائهم، لكن ما أقصده هم أبناء الناس البسطاء العاديين، هؤلاء يؤكدون أنهم لم يقبلوا بسبب أنهم من أسر بسيطة لكنها محترمة؟ - لا.. فالنسبة الغالبة من المعينين فى النيابة العامة هم من أبناء الناس العاديين وليسوا من أبناء المستشارين. ■ لكن هناك قلقا حول حركة التعيينات وثارت حولها الأقاويل مؤخرا؟ - من يروج هذه الشائعات وتلك الأقاويل حول حركة تعيينات النيابة هم أشخاص مغرضون. ■ هل يعنى أن جميع الغاضبين من الحركة مغرضون؟ - لا بالتأكيد.. وهناك شعور طبيعى للذين لم يتم قبولهم، لكن بعضهم يعرفون وضعهم جيدا ويحاولون الدفاع عن أنفسهم بأى شكل، وبأى طريقة، وهؤلاء هم المغرضون، وهذا الأمر مثل الأحكام القضائية، فهناك مجموعة ضد الحكم، ومجموعة أخرى مع الحكم. ■ أليس من الطبيعى أن يشعر من ذاكر واجتهد وتفوق لمدة 4 سنوات بأنه يحصل على حقه فى النهاية؟ - نحن نمتحن ونختار من بين 5 آلاف متقدم، ونقبل منهم حوالى 400 فقط، ولا يمكن أن أقبلهم جميعا أو معظمهم، وطبيعة الأمور أن أنتقى الأصلح والأكفأ للعمل كوكيل نيابة وقاض. ■ ولماذا لا تكون المعايير التى تقبلون على أساسها معروفة؟ - المعايير واضحة بالنسبة للناس كافة. ■ ولماذا لا تكون المعايير معلنة بوضوح؟ - المعايير خاصة بنا ولا يمكن أن أقول إننى قبلت هذا بسبب كذا، واستبعدت ذلك بسبب كذا، والمعايير واضحة بالنسبة لنا، وخصوصا لأعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين يطبقونها. ■ لكن المعايير غير معلنة أو واضحة بالنسبة للمتقدمين لأنكم لا تقولون لهم لماذا لم يتم قبولهم وعلى أى أساس استبعدتموهم؟ - ليس من المفروض أن نعلنها ونحن غير ملزمين أصلا.. ومن يتم استبعاده يعرف لماذا استبعد، ولا يجوز أن نخوض فى ذلك، لأننا بذلك نخوض فى أعراض ومسائل تمس السمعة وغيرها ولا يجوز أصلا. ■ لكن نحن نتحدث بلسان الناس الذين تم رفضهم فيقولون لماذا؟ - بلسان أى ناس تقصد. ■ الناس البسطاء الذين لم يتم قبول أبنائهم فى حركة التعيينات الأخيرة والحركات السابقة؟ - أكرر مرة ثالثة، من لم يتم قبوله يعرف جيدا لماذا لم يقبل. ■ ولماذا لا يتم إبلاغهم بأسباب رفضهم أو استبعادهم؟ - غير متصور على الإطلاق أن أقول ل 4 أو 5 آلاف متقدم كل سنة لماذا لم يتم قبولهم، هذا عبث، ونحن ليس لدينا وقت لذلك، لأننا نعمل 20 ساعة فى اليوم الواحد، هل تعرف أن الحركة تستغرق وقتا يصل إلى سنة كاملة لإعدادها. ■ وماذا عن الهوى والمجاملات فى التعيينات؟ - إطلاقا.. لا يوجد مثل هذا الكلام فى حركة التعيينات. ■ سيادة المستشار: هل تتلقى اتصالات بخصوص التوصية فى التعيينات من مسؤولين بالدولة؟ - يتصل بى كثيرون فى الدولة. ■ وكيف تتعامل معهم؟ - ب «لا شىء».. أقول لهم: «هنشوف إن شاء الله» وينتهى الموضوع وخلاص، أنا مجرد قاض ولدىَّ صوت واحد بين أعضاء المجلس السبعة. ■ لكن ألا توجد أخطاء فى تعيينات معاونى النيابة؟ - إطلاقا.. لا توجد أخطاء بشرية فى حركة تعيينات النيابة العامة. ■ تقصد بالنسبة لحركة تعيينات 2007 أم فى التعيينات عموماً؟ - أنا هنا أتحدث عن الحركة الأخيرة وعن جميع الحركات فى السنوات الماضية بصفتى كنت عضوا بمجلس القضاء، والآن بصفتى الحالية كرئيس لمجلس القضاء.