منذ نشأته فى العصر الإغريقى، كانت القضايا السياسية هى الهم الأول للمسرح، وكانت عروضه من نبض الشارع المصرى والعربى، من خلال تركيزه على ظلم الحاكم ومشاكل المحكومين، وقد قدم مسرح الدولة العديد من العروض الناجحة التى اهتمت بالشأن السياسى، فبعد نكسة 1967 ناقش بشكل جرىء أسبابها، وبعدها قدم العديد من العروض عن القضية الفلسطينية وكشف فيها بشاعة العدوان الصهيونى وقذارة التخطيط الأمريكى فى السيطرة على الشرق الأوسط، وفى السنوات الأخيرة ابتعد تماماً عن كل القضايا التى تشغل الشارع المصرى والعربى، بل واغتيل العديد من المسرحيات التى تنتقد النظام الحاكم منها «اللجنة» و«الشعب لما يفلسع» و«بلقيس» و«بلاد فى المزاد»، وتجاهل المسرح أيضاً القضية الفلسطينية ومنع عرض جميع العروض التى تهاجم أمريكا وإسرائيل، منها «القتل فى جنيف» و«القضية 2007» و«الفلوجة» و«الحادثة بعد 11 سبتمبر»، وفى أحداث غزة الأخيرة رفضت إدارة البيت الفنى للمسرح برئاسة أشرف زكى تقديم أى عرض مسرحى يعبر عن هذه الأزمة، مثلما تجاهلت تقديم أى عروض حول الحرب الأمريكية على العراق. أكد المؤلف يسرى الجندى أن القائمين على مسرح الدولة يعتقدون أن النظام الحاكم يرفض إنتاج عروض عن القضية الفلسطينية أو أى قضية أخرى تمس المواطن المصرى على أساس عدم إثارة الرأى العام ضد النظام، واتهم الجندى كل مسؤولى مسرح الدولة بأنهم بعيدون عن الشارع العربى، وقال: كان يجب عليهم تقديم عرض ربوتوار يعبر عن تلك الأزمة، طالما لن ينتجوا عروضاً جديدة، بدلاً من أن يقفوا مكتوفى الأيدى، فالمسرح لا ينفصل عن السياسة فهو مرآة له، ولعب على وتر السياسة أزماناً طويلة، وبات يشكل اتجاهاً قوياً لخدمة بعض الحروب السياسية والعسكرية، وأضاف: لا أعرف سبب هذا التجاهل فى هذا التوقيت. وأكد الجندى أن إسرائيل قضت على كل ما يتعلق بقضية السلام وأصبحت خطراً على الجميع، وتساءل: لماذا تهمشون دور المثقفين ورجال المسرح فى قضية فلسطين، فلو كنا فى فترة الستينيات لقدمت المسارح العديد من العروض التى تهاجم العدوان الإسرئيلى فالفن يجب أن يؤدى واجبه تجاه هذه القضية، وتساءل أيضاً: لمصلحة من اغتيال مسرحية «القضية 2007» التى تكشف قبح اليهود؟ وقال: الغريب أن مسؤولى المسرح بيعملوا اعتبار للسفيرين الأمريكى والإسرائيلى فى القاهرة لان لهما عيونا فى كل مسرح ويعرفان من خلالها أى جملة فى أى مسرحية تهين أمريكا أو إسرائيل. وأرجع المؤلف أبوالعلا السلامونى ابتعاد مسرح الدولة عن القضايا السياسية الجادة التى تشغل الرأى العام إلى خوف مسؤوليه على مناصبهم، حيث اتجهوا إلى تقديم الأعمال التافهة حتى لا يجلبوا المشاكل لأنفسهم، فالجميع يعمل بمبدأ «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح». وقال السلامونى: مسؤولو المسرح لا يجرؤون على تقديم عروض عن المذابح التى تحدث فى فلسطين أو عن فساد النظام الداخلى، لكنهم يفرحون عندما يغلق مسرح لأى سبب، حتى لا يطالبهم أحد بتقديم أعمال مسرحية، فهناك الكثير من المسارح أغلقت ولا يتحرك أحد من مسؤولى وزارة الثقافة بل يقولون «بركة يا جامع». وقال السلامونى إنه كتب مسرحيات كثيرة تنتقد بشكل مباشر السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وتواجه مشاكل كبيرة مع المسؤولين فى عرضها، وقال: لا أعرف السبب وراء ذلك بالرغم من أن السينما والمسرح فى أمريكا يقدمان العديد من الأعمال التى تنتقد الحكومة الأمريكية. وأضاف: بعد أحداث غزة الأخيرة قدمت مسرحية «القتل فى جنيف» التى غيرت اسمها بعد ذلك إلى «القتل فى غزة» وطلبت من أشرف زكى، رئيس البيت الفنى، تقديمها تضامناً مع غزة، فرفض بحجة عدم توافر مسرح لعرضها، و«القتل فى غزة» لم يكن العرض الأول الذى تم رفضه فقد سبق أن رفض لى الكثير من المسرحيات الجادة بسبب جرأتها. وقال: شىء محزن أن تقدم جهات أخرى مثل الاتحاد العام للنقابات الفنية والمسرح الخاص عروضا عن أحداث غزة ويتجاهلها مسرح الدولة بسبب انشغاله بعروض تافهة. وانتقد السلامونى الوقفة الاحتجاجية التى نظمها أشرف زكى بنقابة الفنانين تضامناً مع غزة، وقال: دورنا هو توضيح موقفنا بعمل فنى نكشف من خلاله بشاعة الحرب وآثارها السيئة على المواطن العربى وليس بالتصريحات والوقفات لانه دور يفعله أى شخص عادى. المخرج فهمى الخولى أعرب عن غضبه من تجاهل عرض مسرحيته «لن تسقط القدس» لنور الشريف، والتى سبق تقديمها على المسرح القومى، وقال: كل أبطال العرض على استعداد تام لإعادة تقديمها مرة أخرى دون مقابل مادى، تضامناً مع غزة، ومع ذلك فإن إدارة مسرح الدولة لم تهتم بذلك، حتى القنوات العربية والتليفزيون المصرى لم يفكر فى عرضها ولا مرة منذ تصويرها وظلت حبيسة الأدراج، وأضاف: بعد كل ذلك أصبحت لا أعرف هل نحن مع القضية الفلسطينية أم ضدها؟ وطالب الخولى مسؤولى المسرح بعدم تجاهل العروض الجريئة التى تكشف بشاعة العدو الصهيونى، وقال: نحن كمسرحيين يجب أن نقوم بدورنا تجاه تلك القضية ولا نكون عاجزين، فيجب إعادة النظر مرة أخرى للموضوعات التى تشغل المواطن المصرى ومنها الاحتلال الأمريكى للعراق ودعم الولاياتالمتحدة غير المحدود للمجازر الإسرائيلية التى يتعرض لها الفلسطينيون. المؤلف محمود الطوخى أكد أن ما يقدمه المسرح الخاص حاليا أشرف بكثير مما يقدمه مسرح الدولة، فالقطاع الخاص يقدم حاليا مسرحيات سياسية مثل «بودى جارد» و«مرسى عايز كرسى» و«نظام الأراجوزات»، أما مسرح الدولة فيقدم عروضا لفيفى عبده ومحمد نجم، وتساءل: كيف تطلبون منه بعد ذلك أن يعبر عن أحداث غزة، كما أن مسرح الدولة يعكس رأى النظام الحاكم الذى يعتبر موقفه من القضية الفلسطينية غير واضح وبالتالى التزم مسرح الدولة الصمت تماماً مثل حكومته، وفضل تقديم عروض تافهة ستكون فى يوم من الأيام وصمة عار فى تاريخ المسرح المصرى أمام الأجيال القادمة. وقال: إن وزارتى الثقافة والإعلام سبب تدهور الذوق العام للجمهور وأصبحنا فى زمن شعبان عبدالرحيم المتحدث الرسمى للفنانين فى القضايا السياسية، وإدارة المسرح تنفذ سياسة وزير الثقافة. الناقد الدكتور أحمد سخسوخ أكد أن مسرح الدولة منقطع تماماً عن الواقع، ويرجع ذلك الى الرقابة التى لها دور كبير فى حجب الأعمال السياسية التى لها علاقة بالنظام الحاكم أو دول الجوار، فالرقابة مثل «الحرباء» تتعدد أشكالها، فبجانب رقابة المصنفات الفنية توجد رقابات أمن دولة وداخلية وأزهر وموظفى الحكم المحلى، وكلهم غير متخصصين فى المسرح فهم مجرد موظفين وكل ذلك قضى تماماً على العروض السياسية وبالتالى امتلأت خريطة المسارح بالعروض التافهة البعيدة تماماً عن السياسة. وأضاف سخسوخ أن قانون الرقابة وضع منذ أيام الخديو إسماعيل ولم يتم تغييره حتى الآن بالرغم من التغيرات السياسية والاقتصادية الكبيرة التى طرأت على العالم كله، فهذا القانون ينص على منع أى عرض يتعارض مع سياسة النظام الحاكم، مما جعل الرقيب يلغى أى عمل فيه شبهة تطاول على النظام أو إسرئيل أو أمريكا لتعارضه مع مصالح الدولة الداخلية والخارجية، وقال: لهذا افتقد المسرح هويته، وانفصل عن جمهوره فأصبح مثل الحكام العرب الذين انفصلوا عن الناس فانفضوا عنهم. المنتج فيصل ندا أكد أن مسؤولى مسرح الدولة ينفذون تعليمات الحكومة دون مناقشة، فهو دائماً نبض الحكومة وليس الجمهور وموقف الدولة تجاه القضية الفلسطينية معروف من البداية، وقال: أشرف زكى غير مسؤول عن ذلك فهو ملتزم بالتعليمات وبالخطة التى تلزمه بها الدولة، فليس له مطلق الحرية أن يقدم ما يشاء ولذلك لجأ إلى نقابة الممثلين ليعبر عن رأيه فيها من خلال وقفة احتجاجية. وأضاف ندا أن مسرح الدولة يحتاج إلى من يحل أزمته، ويخرجه من كبوته قبل أن يبحث عن حلول لأزمة غزة، فهو حالياً فى غرفة الإنعاش ويحتاج إلى عناية إلهية لإنقاذه. وأرجعت سميحة أيوب عدم تقديم عرض مسرحى عن أحداث غزة إلى عدم وجود نصوص جيدة، وقالت: حتى الآن لا يوجد نص يستحق التقديم، كل النصوص لا تقدم جديداً عما نشر فى وسائل الإعلام التى تتابع الحرب من بدايتها، فنحن فى حاجة إلى نص يعالج الأزمة بطريقة مختلفة. ومع ذلك كان يجب علينا ألا نتجاهل تلك الحرب وأن نقدم عرض ربوتوار نعبر من خلاله عن رأينا فيما يحدث لأهالينا فى غزة وأضافت: أنا مستعدة أن أعيد تقديم مسرحية «ليلة الحنة» التى تدور أحداثها عن فلسطين وهى من بطولتى وإخراجى. وأشارت سميحة إلى أن العالم العربى هو ضحية القهر السياسى من جانب أمريكا التى تعيد رسم خريطة العالم العربى بناء على رؤيتها بما يحمله ذلك من إذلال للمواطن العربى، والمسرح يجب أن يعبر عن ذلك بجرأة دون خوف. أكد أشرف زكى أنه لا يوجد أى جهة رقابية على مسرح الدولة لأنه سيد قراره، وقال: نحن لا نتلقى تعليمات من أحد بشأن العروض التى نقدمها ودائماً نقدم عروضاً جريئة آخرها «يمامة بيضا» و«سى على وتابعه قفه»، ونعد حالياً عرضاً مسرحياً عن أحداث غزة لمؤلف فلسطينى، وتم الاتفاق مع المخرج عصام السيد لإخراجه ولم يتحدد موعد ولا مسرح لعرضه. وبالاتصال هاتفياً بالمخرج عصام السيد نفى علمه بوجود تجهيز عرض عن غزة وقال: «لم أسمع عنه».