ماذا يمكن أن يحدث إذا جمعنا أربعة أشخاص داخل غرفة مغلقة بإحكام، أحدهم ينتمى للحزب الوطنى عضو فى أمانة السياسات وآخر ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين عضو مكتب الإرشاد، وثالثهم مثقف ينتمى لحزب معارض، والرابع مواطن مصرى عادى، وعلقنا مفتاح الغرفة فى سقفها بحيث يتطلب إحضاره أن يرفع اثنان الثالث للوصول إليه، وأخبرناهم أن هواء الغرفة سينفد فى غضون ساعات، وأن أول من يخرج سيكون رئيساً لمصر!! ماذا يمكن أن يحدث داخل الغرفة، وما الحوارات التى ستحدث بينهم؟ فى الساعة الأولى سيجلس كل واحد منهم فى ركن من الغرفة حتى يحسب حساباته، بعدها سيدعو المثقف الثلاثة الآخرين لإقامة حوار ودراسة كيفية الخروج من الأزمة، وأول ما سيفعلون هو استبعاد المواطن العادى من الاجتماع، وعندما يسأل عن السبب، سيرد «الوطنى»: لأنك غير مستعد بعد للديمقراطية، والإخوانى: إنك قليل العلم والخبرة بشؤون دينك ودنياك، فكيف للأعمى أن يقود البصير، وسيعقب المثقف: أنت غير مؤهل فكرياً وثقافياً لمثل هذا الحوار، فيعود المواطن إلى ركنه يائساً مهزوماً مثل عادته ليترك الحوار لأهله كما يدعون، ويبدأ الحوار وبعد الديباجة إياها والحديث عن الترفع عن المصالح الشخصية من أجل المصلحة العامة، وبعد أن يكون نفد نصف الهواء الموجود فى الغرفة، يبدأون فى طرح الحل، مَنْ منهم سيحمل مَنْ لإحضار المفتاح، وبالتبعية أن يكون أول من يخرج ليصل إلى الحكم، فيقول المثقف إنه من المستحيل أن أرفع الإخوانى لأننى ضد خلط الدين بالسياسة، كما أننى لن أنسى له هجومه على روايتى الأخيرة بدعوى إساءتها للإسلام، وبالطبع لن أحمل «الوطنى» لأنه إذا وصل للحكم فلن يتركه ولقد تجاهلنى وهمشنى كمثقف ومعارض طوال الثلاثين عاماً التى كان حزبه فى الحكم، بالإضافة إلى أن كليكما ضد الديمقراطية وضد تداول السلطة، ويرد «الوطنى»: وأنا لن أرفع الإخوانى لنفس أسباب المثقف، ولن أرفع المثقف لأنه إنسان حالم أضاع عمره فى ترديد شعارات جوفاء لا طائل منها، وأتهمه بنفس ما اتهمنى به من أنه إذا وصل للحكم فلن يتركه كما لم يترك رئاسة حزبه المعارض منذ ثلاثين عاماً هو الآخر، ويرد الإخوانى: وأنا لن أرفع علمانياً يؤلف روايات خارجة إلى الحكم، وبالتأكيد لن أرفع من اعتقلنى وزج بى فى السجون دون سبب سوى اختلافى معه فى الرأى، وبعد ساعات من تبادل الاتهامات والتجريح والتخوين والضرب فوق الحزام وتحت الحزام، وبعد أن يقترب الهواء من النفاد، يقرر ثلاثتهم أن يتوجهوا إلى المواطن لمحاولة استقطابه واستخدامه فى الوصول إلى مفتاح الحكم، ولكنهم يجدونه قد مات، نعم مات، لم يتحمل جسده النحيل الضعيف، المصاب بفيروسات الكبد وحصوات الكلى وحساسية الصدر، قلة الهواء، اختنق وهو يحلم بالحرية، يحلم بنسمة هواء نقى تملأ صدره بدلاً من جو الغرفة الخانق، لم يكن يهتم كثيراً بمن سيصل إلى المفتاح بقدر ما تمنى أن يعطيه من يصل حريته وحقه فى التنفس بحرية، لم يكن أبداً سلبياً ولكنهم استبعدوه وهمشوه من البداية، ولم يعودوا إليه إلا ليستخدموه كأداة لتحقيق مصالحهم، ولكن موته لم يشفع له عندهم، لم يغمضوا عينيه ويقرأوا له الفاتحة، لم يندموا على خطئهم فى حقه، بل تصارعوا على الجثة، كل يريد أن يصعد على الجثة أملاً فى أن ترفعه قليلاً ليصل إلى مبتغاه قبل أن ينفد الهواء، الكل يقفز فوق الجثة، والهواء ينفد، والأمل فى الحرية يبدو أنه قد مات مع المواطن. أحمد عبدالغنى