عرضت قناة «الجزيرة» مساء الخميس الماضى برنامجًا عن مذبحة سطيف التى قامت بها قوات الاحتلال الفرنسى للجزائر فى مايو عام 1945 وهو أحسن برنامج شاهدته فى التليفزيون عام 2008. لا أدرى إذا كان هذا البرنامج من إنتاج القناة أم أنها اشترت حقوق عرضه، وخاصة أن العناوين فى النهاية لم تكن باللغة العربية، ولا أعرف من هى مخرجة البرنامج ياسمين آدي، وهل هى جزائرية أم فرنسية، ولكن أيًا كانت جهة الإنتاج وأيًا كانت جنسية المخرج، فهذا برنامج من الطراز العالمى الرفيع، يكشف عن هذه الصفحة السوداء من تاريخ الإنسانية، التى لم تعتذر عنها فرنسا حتى اليوم. كان الجزائريون قد اشتركوا فى تحرير فرنسا من الاحتلال النازى من دون إرادتهم بالطبع، فلا ناقة لهم ولا جمل فى الحروب بين دول أوروبا، وعندما تحررت فرنسا وعادوا إلى بلادهم تصوروا أن من ذاق الاحتلال لن يستمر فى احتلال الآخرين، فعملت الأحزاب الوطنية التى تطالب بالاستقلال على استخدام اللحظة التاريخية ونظمت مظاهرات سلمية حاشدة فى سطيف وغيرها من مدن الجزائر، أثناء اجتماعات سان فرانسيسكو، لإنشاء الأممالمتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وربما كان فى ذهن فرحات عباس وغيره من زعماء الحركة الوطنية أن يتكرر فى الجزائر ما حدث فى مصر بعد الحرب العالمية الأولى، وإنشاء عصبة الأمم، حيث تحولت مظاهرات عام 1919 إلى ثورة أدت إلى إعلان الاستقلال عام 1922، وصدور دستور 1923، ولكن قوات الاحتلال الفرنسى واجهت المظاهرات بعنف وقتلت نحو 20 ألفًا من الجزائريين. يقدم البرنامج شهادات الذين لا يزالون على قيد الحياة من الذين عاصروا المذبحة، والتى ينطبق عليها بامتياز أنها حرب إبادة عنصرية، كاملة الشروط وجريمة حرب ضد الإنسانية، من القتل على الهوية وعدم التفرقة بين الرجال والنساء وبين الأطفال والشيوخ، إلى المقابر الجماعية، بل وحرق الجثث فى الأفران، لتجنب كشف المقابر الجماعية. ويتضمن البرنامج عشرات الوثائق السينمائية والصور الفوتوغرافية والأخبار والتقارير الصحفية، التى تؤكد صحة شهادات المعاصرين، ويكشف التواطؤ بين كل الدول المنتصرة فى الحرب بما فى ذلك الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة، بالصمت تجاه مذبحة سطيف، إذ لا يعقل كما يقول صحفى عظيم من «نيويورك تايمز» أن تجهل مخابرات كل هذه الدول حقيقة ما حدث فى «سطيف». ويؤيد هذا البرنامج وجهة نظرى السلبية إزاء الفيلم الفرنسى «بلديون» إخراج الجزائرى رشيد بوشارب، منذ أن شاهدته لأول مرة فى مهرجان كان 2006، فموضوع الفيلم هو الجزائريون الذين اشتركوا فى حرب تحرير فرنسا من النازى، وتصل الأحداث إلى مايو 1945، وما بعد هذا التاريخ، ولكن يتجاهل تمامًا مذبحة سطيف. وكما كان الثمن بخسًا، وهو قرار زيادة معاشات المحاربين القدماء من الجزائريين الذين يعيشون فى فرنسا. [email protected]