كيف يرانا العالم الآن؟ سمعنا أخبار الاتحاد الأوروبى الذى يرفض دعم مصر ماليا. الحقيقة أن المال نفسه ليس مهما، لكن خلاصة القول هنا أن مصر لم تعد بنفس الأهمية للعالم الخارجى. للأسف هذا الإدراك ليس أمرا جديدا تماما. فهكذا تُتداول إحدى الروايات عن «الشرق الأوسط»: «فى البداية كان ثقل الشرق الأوسط فى الدول العربية: مصر، العراق، سوريا. ثم انتقل هذا الثقل إلى الدول غير العربية: تركيا، إيران، إسرائيل. حدث هذا الانتقال تدريجيا. ثم جاءت (الثورات) العربية فانتبه العالم إلى إمكانية تأويل هذه الأحداث ببداية (تألق) جديد للدول العربية. دام هذا التصور لفترة، لكنه لم يستمر. وبالتالى توجه الخطاب فى العلاقات الخارجية لدول العالم ثانية إلى الاعتماد على الدول ذات الثقل الحقيقى». مصر لن يدعمها الاتحاد الأوروبى ولا الولاياتالمتحدة ولا غيرهما. وسترى المعارضة فى ذلك «خير دليل» على فقدان شرعية مرسى وحكومته. الحقيقة أيضا أن أمر «مرسى» هذا ثانوى للغاية. عندما قيل لمرسى «برافو» تلو الأخرى منذ الانتخاب، مرورا بإتمام الهدنة بين حماس وإسرائيل، تمهيدا لقرض صندوق النقد الدولى، كان المستفيدون كالآتى: هو شخصيا، حزبه، جماعته، لكن أيضا الوضع الاقتصادى العام فى مصر كلها. فنحن لا نعيش بمفردنا. الاستقرار السياسى شرط للتنمية الاقتصادية. ربما هذه كانت مغامرة أو ضريبة ظنت المعارضة المصرية أنها تستطيع أن تتخذها. قد يكون هذا صحيحا. لكن حتى يثبتوا ذلك، سيظل العالم الخارجى يتفرج دون حماس! ذلك لأن حكومات العالم تتعامل مبدئيا مع بعضها البعض. وبما أن النظرة المُصدرة خارجيا أن حكومة مصر فاشلة، فهذا أصبح معمما بأن مصر دولة فاشلة. وبما أن مصر تبدو الآن للعالم كله أنها ليست دولة كاملة الأهلية: حكومتها ضعيفة، أمنها منعدم، اقتصادها فى درجة انحدار، حيث لا يستطيع أحد أن ينقذه، فيبدو كأن النقاش حوله مؤجل، فإن هذه الإشارات تبعث للعالم عدة رسائل: أولا: مصر ليست بالقوة التى كانت. ثانيا: مصر ليست بالأهمية التى كانت. أذكر أثناء يناير 2011 أن أحد أساتذة العلاقات الدولية قال «مصر أكبر من أن تُترك لتفشل»، Too big to fail. لكن اليوم رأيه هو نفسه بدأ يتغير. أضف إلى هذا رواية منسوبة لأحد أعضاء الخارجية الأمريكية بعد زيارة لمصر، معقبا أنه استغرب من عدم الاكتراث العام بين المسؤولين من الوضع الاقتصادى المتدهور. فسأل: «ألستم قلقين؟!»، لكنه استغرب أكثر من الإجابة التى جاءته، بالإنجليزى طبعا، كالآتى «بص! لو الدنيا أزمت قوى يعنى، أمريكا حتتدخل وتنقذنا!». كانت صاعقته أنه قال: «أمريكا ليست نفس أمريكا التى عرفتموها! ليس لدينا أموال!!»، كان مصدر ذهوله هو كم الوهم لدى البعض فى الحكومة المصرية والمعارضة على حد سواء. أخيرا أشرككم، فى حديثى مع بعض الصوماليين هنا فى مدينة سياتل. قالوا لى: «نرى الصومال فى مصر!»، كم تعجبت أنهم متابعون جيدون لكل تفاصيل الأحداث، يدركون الصراع بين مرسى والمعارضة، يشاهدون القتلى وانعدام الأمن والقانون، ويرون الصومال فينا. قال لى أحدهم، وهو فى العشرينيات، بتأثر: «لا تتبعوا خطواتنا. نحن حدنا عن الصواب منذ زمن بعيد. أتعرفين، طيلة حياتى لم أر حكومة واحدة! رأيت حكومات فى كينيا، أوغاندا، تنزانيا، هنا فى الولاياتالمتحدة. ولكن لم أر حكومة واحدة فى بلدى! كم هو مؤلم ألا تكون للمرء حكومة!». بقى لى سؤال: «هل يحزنك فعلا أن ترى الصومال فى مصر؟ أم تقول ولو قليلا: وماله الدور عليهم مثلنا؟!».. رد على افتراضى القاسى: «هذا يكون حسدًا بينًا. أود لكم الخير فعلا. أفيقوا قبل أن تصبحوا (صومال). أنا أرى بدايات مأساة بلادى فى أحداثكم اليومية». [email protected]