صوت متقطع يدوى داخل أنحاء الغرفة، التى تصدرتها أجهزة كثيرة، يعقبه نداء صادر من جهاز اللاسلكى من أحد العاملين ببرج المراقبة لتبدأ اتصالات متبادلة بينه وبين سائق جرار القطار، الذى يظل طوال الرحلة ملتزماً مكانه بالجلوس على مقعد من أحد المقعدين اللذين تصدرا الجرار، والآخر خصص من أجل مساعد السائق الذى يلتزم طوال الرحلة التجول لمتابعة إشارات «السيمافورات» التى عن طريقها يحدد السائق سرعة الجرار المقررة. ووسط أسلاك كهربائية متشابكة وأجهزة تكاد تتشابه مع بعضها البعض لدرجة تفقدك القدرة على التمييز بينها، إلا أن سائق الجرار بشهادته المتوسطة وحده القادر على استخدام هذه الأجهزة فيظل طوال الرحلة التى قد تستغرق فى أقصاها 12ساعة ذهاباً وعودة، وإن قصرت الرحلة تصل إلى 6 ساعات. «المصرى اليوم» استقلت جراراً لمدة ساعتين، لاستكشاف تجربة السائق مع مواقف طارئة يتعرض لها خلال رحلته اليومية. التقينا أحدهم – لن نذكر اسمه حفاظا عليه - اصطحبنا فى جراره، حكى لنا تفاصيل فنية وإنسانية عن معادلة السائق وعامل المزلقان وبرج المراقبة، ولكن سنبدأها من شخصه. يخرج من بيته تاركاً وراءه أسرته فى انتظار عودته سالما، ولديه يقين بقاعدة يحملها هو وغيره من سائقى القطارات «أخرج من بيتى وشايل كفنى على أكتافى» هذا المبدأ الذى يحمله منذ بدئه العمل كسائق قطار يجعله على يقين يومى بحقيقة الموت، فهو الوحيد المسؤول عن حياة آلاف الأرواح التى تستقل القطار كل يوم. يتجه سائق القطار إلى الورشة قبل قيامه بالقطار بساعتين لفحص الجرار للتأكد من قدرته على القيام بالرحلة من عدمه، ولابد من المرور على دوائر الأمان فى الجرار الخاصة بتأمين الجرار وخزان المياه، الزيت والسولار، والكشافات، وسرينة الجرار، وجهاز الatc، وهو جهاز التحكم الآلى المسؤول عن ترجمة إشارات السيمافورات الضوئية المثبتة على السكة والأخرى المثبتة على عجلة القطار لإبلاغه بالسرعة المقرر السير بها أثناء الرحلة، إلى جانب «جهاز اللاسلكى» لتبادل الاتصالات بينه وبين عامل برج المراقبة طوال الرحلة، وفى حالة وجود عارض بالجرار يتم التأشير فى دفتر «إثبات العوارض» وتكليف الميكانيكى أو الكهربائى بالورشة بإصلاح العارض الموجود بالجرار الذى وحده يستطيع تحديد إمكانية إصلاح العطل من عدمه، وإذا أقر الميكانيكى عدم إمكانية إصلاح العطل يقوم بحجز الجرار ويسمح بخروج جرار آخر للقيام بالرحلة. يذكر لنا «أطلب برج المراقبة لتحديد موعد الخروج بالقطار من الورشة وأقوم بضم عربات القطار إلى الجرار، ويحضر البراد الخاص بالكشف على لقم فرامل القطار ويقوم بتغييرها إذا كانت مستهلكة وغير صالحة للقيام بالرحلة». أجهزة عديدة ومتشابهة داخل جرار القطار تقع أمام السائق وعلى يمينه ويساره، فعلى يمينه يقع مؤشر رباط القطار لإخبار السائق إذا كان الهواء كاملا فى القطار من عدمه، وفى منتصف الجرار يقع جهاز اللاسلكى وتحته يد السرعات الخاصة بتزويد السرعة، وبجواره جهاز الATC، وعلى يساره كشافات لإضاءة الكابينة، وأمامه تقع شاشة كمبيوتر كبيرة. يؤكد لنا أن سائق القطار لا يستطيع التعامل مع الجرار فى حالة حدوث أى عارض بالكمبيوتر. عدة خطوات لتشغيل جرار القطار يشرحها السائق قائلا :أقوم بتوصيل سكينة البطاريات الخاصة بالإنارة، وتغذية «المارشات» بكمية الكهرباء اللازمة لإدارة ماكينة الجرار بعدها أقوم بتشغيل الماكينة، وبعد تشغيلها لابد من المرور على عدة أجهزة بالجرار للتأكد من صلاحيتها مثل «فيشة الحريق» المسؤولة عن إيقاف الجرار فى حالة اشتعال حريق به، وفحص «صباع المنظم» وهو جهاز أمان على ماكينة الجرار. 30 كم/ الساعة هى السرعة المقررة لسائق القطار لدى بداية تحركه من المحطة، وبعدها يبدأ السائق فى زيادة سرعته حسب الإشارات الضوئية التى تعطيها السيمافورات على السكة وهى أربع ألوان اللون الأخضر، والأخضر المتقطع، والأصفر، والأحمر، 120 كم/ الساعة هى السرعة المقررة لسائق القطار فى حالة تلون السيمافورات باللون الأخضر، أما إذا تلونت الإشارات باللون الأخضر المتقطع فهى «منحنى لتخفيض السرعة» لتنبيه السائق بوجود عارض على السكة ولابد من تخفيض السرعة، أما إذا تلونت الإشارات باللون الأصفر فهى تنبيه للسائق باحتمالية الوقوف فى السيمافور القادم، وإذا تلونت باللون الأحمر فعلى السائق التوقف على الفور. وفى حالة حدوث عطل مفاجئ بالجرار، هناك خطوات لوقاية للقطار لابد من اتباعها أولها قيام «الكمسارى» بالقطار بوضع 3 كبسولات حماية، ترجع أهميتها الى إخبار القادم بوجود قطار عطلان أمامه ولابد من تقليل السرعة منعا للاصطدام، وتبلغ قوة الكبسولة الواحدة ربع مدفع، يتم وضع أول كبسولة على شريط السكة على مسافة 800 متر من القطار العطلان، والكبسولة الثانية والثالثة على مسافة 700 متر من الكبسولة الأولى، تبعد الكبسولة الثانية عن الثالثة مسافة 10 أمتار، وكبسولات الحماية هى عهدة لسائق القطار والكمسارى ولا يمكن تحرك سائق القطار بدونها، بعدها يقوم سائق القطار بإبلاغ مراقب حركة القطارات ببرج المراقبة من خلال جهاز اللاسلكى بتوقف الجرار وإرسال إمداد له لشد الجرار من على السكة وإرسال جرار آخر لاستكمال الرحلة. «مراقب حركة القطارات ببرج المراقبة له دور شديد الأهمية فى حماية القطارات ومنعها من الاصطدام» هذا ما أكده سائق القطار قائلا: بعد وضع كبسولات الحماية وإخبار مراقب الحركة بتوقف الجرار، على المراقب تشغيل السيمافور باللون الأحمر لإخبار سائق القطار القادم بتوقف قطار أمامه والتوقف بالقطار منعا لوقوع اصطدام وهو ما لم يفعله مراقب الحركة فى حادث تصادم قطارى «العياط» عندما ترك مراقب الحركة ببرج المراقبة إشارات السيمافورات باللون الأخضر، ولم يخبر سائق القطار القادم بوجود قطار عطلان أمامه فسار على سرعة 120 كم/ الساعة ولم يستطع التوقف فحدث الاصطدام. وأشار سائق القطار إلى أن إشارات السيمافورات بعضها يضاء أتوماتيكيا والآخر غير أتوماتيكى، أما الإشارات داخل «حوش المحطة» يتحكم فيها مراقب البرج فى عملية الفتح والغلق، أما ما بين المحطات فتعمل أتوماتيكياً حسب مسير القطارات على السكة، وهو ما حدث فى تصادم قطارى «العياط» عندما قام مراقب البرج بفتح السيمافورات أتوماتيكيا وغادر العمل. ومن الأسباب الأخرى التى تسببت فى وقوع الحادث أوضح سائق القطار قيام مراقب البرج بتشغيل نظام «التقاطر»، رغم أن الهيئة ألغت هذا النظام للتقليل من الحوادث، وأقرت بتشغيل نظام خلوات السكك بمعنى لا يمكن التصريح لقطار بالخروج إلا بعد وصول القطار السابق إلى المحطة.