«الري»: إجراءات لتعزيز التعاون المائي مع جنوب السودان ودول حوض النيل    صندوق الاستثمارات السعودي يعلن تسعيرا ناجحا لأول عرض سندات بالجنيه الإسترليني    محيي الدين: تغيرات المناخ أثرت سلبًا على الإنتاجية الزراعية ونقص المياه عالميًا    كوريا: تعاون مع الدول الإفريقية في مجال الشئون البحرية ومصايد الأسماك على هامش القمة الكورية الإفريقية    المالية: حققنا مراكز متقدمة في 3 مؤشرات دولية للموازنة تسهم في تحفيز وجذب الاستثمار    «البترول» و«الكهرباء» يعلنان عودة الأمور إلى طبيعتها وفقًا لنظام تخفيف الأحمال السابق    محافظ القليوبية يتفقد المجازر استعدادا لعيد الأضحى المبارك    وزير الخارجية اللبناني يؤكد التزام بلاده بحماية مقرات البعثات الدبلوماسية العاملة في بيروت    الحكومة الإسرائيلية تصوت اليوم على زيادة جنود الاحتياط    مسئول فلسطيني: مسيرة الأعلام الاستعمارية بالقدس ستؤجج الأوضاع    طارق قنديل: تصميم استاد الأهلي سيظهر للنور في شهر أكتوبر    صالح جمعة: كهربا أراد مغادرة الأهلي في يناير    حسين علي: الأهلي يسر وفقا لنظام إداري قوي.. والزمالك يعاني ماليا منذ سنوات    حجاج القرعة ل«المصري اليوم»: «أعضاء البعثة يعملون على خدمتنا وراحتنا طوال الوقت»    تحرير 8 محاضر لمخالفات المخابز بقلين في كفر الشيخ    مصرع طفلة غرقا بمصرف زراعي جنوب بورسعيد    استطلاع: أكثر من 60% من الألمان لم يستخدموا الذكاء الاصطناعي التوليدي مطلقا    بينها 14 عربية و46 أجنبية.. مشاركة 60 دولة في الدورة ال 31 ب «المسرح التجريبي»    هالة خليل تكشف سر تعاون «الكينج» معها في أول أفلامها دون مقابل    اختبارات غناء وتمثيل بالإسكندرية ضمن مشروع قصور الثقافة لاكتشاف المواهب    الخشت: حققنا قفزة كبيرة بتصنيف "كيو إس" بالتقدم 200 مركز خلال عامين بنسبة تطور 40%    الحكومة الجديدة، جمعة وشاكر وشكري والملا أكثر الوزراء المعمرين في الحكومة    يورو 2024، يويفا يستعرض تألق حراس المرمى في تاريخ البطولات    وزير التجارة يترأس لجنة الاختبارات للمتقدمين للعمل بوظيفة ملحق تجاري بالوزارة    الضرائب: عدم إصدار الفواتير الإلكترونية والإيصالات الالكترونية مخالفة للقانون    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 5-6-2024 في المنيا    وزير الصحة يطلق المرحلة الثانية لمبادرة الكشف المبكر عن الأورام ب 9 محافظات    الرقابة الصحية: 5 إصدارات جديدة لمعايير المستشفيات والخدمة الطبية لضمان جودتها    عبد الغفار يثمن تقرير الصحة العالمية عن أسباب نجاح مصر في القضاء على فيروس سي    مجلس النواب الأمريكى يوافق على تشريع جديد يعاقب المحكمة الجنائية الدولية    صدمة وبكاء لطلاب الثانوية الأزهرية من امتحان الجبر والهندسة الفراغية.. فيديو    بالمستند.. ننشر عدد الأسئلة وتوزيع الدرجات لمواد امتحانات الثانوية العامة 2024    تجديد حبس مسجل خطر ضبط بحوزته آر بى جى فى أطفيح بالجيزة 15 يوما    الجمعية الفلكية بجدة تكشف تفاصيل ميلاد ذى الحجة بالمملكة العربية السعودية    البرلمان العربى يثمن مصادقة برلمان سلوفينيا على قرار الاعتراف بدولة فلسطين    نبيل عماد يكشف دوره في انضمام أحمد حمدي للزمالك.. وكيف بكى قبل نهائي الكونفدرالية    الكشف عن موعد افتتاح الملعب الجديد للمصري البورسعيدي    ل رجل برج الجوزاء.. كيف يمكن أن تكون جوزائيًا وناجحًا؟    قصور الثقافة تفتح باب المشاركة في الدورة السادسة لملتقى أفلام المحاولة    300 عرض مسرحي تقدموا للمشاركة بمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    "تصفيات كأس العالم".. جدول مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة    تعرف على فضل العشر الأُوَل من ذي الحجة والأيام التي يُحرم فيها الصيام    ما هو السن الشرعي للأضحية وهل يجوز بالتضحية بالتي لم تبلغ السن المحدد؟    دار الإفتاء توضح أحكام ذبح الأضحية شرعا وشروطها    رئيس الوزراء الفرنسى يستقبل بايدن لدى وصوله مطار باريس أورلى    وزارة النقل: لم نلغ مشروع مد المترو لقليوب وندرس إنشاء ترام بالساحل الشمالى    التربية الإيجابية أساس بناء الإنسان    صحة الوادى الجديد: تنفيذ قافلة طبية مجانية بقرى الفرافرة ضمن مبادرة حياة كريمة    النائب طارق عبد العزيز ل"قصواء الخلالي": الرئيس السيسى ركز على مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى    خبير دولي: جهود مصر لدعم القضية الفلسطينية لم تنقطع لحظة واحدة    البابا تواضروس ل"الشاهد": بعض الأقباط طلبوا الهجرة أيام حكم مرسي    مصطفى الفقي: وزير التموين من أكفأ الوزراء في حكومة مدبولي    "لوموند": الهند تدخل حقبة من عدم الاستقرار السياسي بعد الانتخابات التشريعية    5 نصائح من «الصحة» ل«الحجاج».. اتبعوها للوقاية من العدوى    «الأهلي» يرد على عبدالله السعيد: لم نحزن على رحيلك    علماء الأزهر: صكوك الأضاحي لها قيمة كبيرة في تعظيم ثوابها والحفاظ على البيئة    البابا تواضروس يكشف كواليس لقائه الأول مع الرئيس السيسي    حظك اليوم برج الجدي الأربعاء 5-6-2024 مهنيا وعاطفيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سمير غطاس يكتب: ملفات التطبيع.. وسنينه «2 .. » الحركة الإسرائيلية لمقاومة التطبيع
نشر في المصري اليوم يوم 23 - 10 - 2009

.. ربما لم يسبق من قبل أن جرى فحص إشكالية التطبيع منظورا لها من الضفة الاخرى للنهر أو من الجانب الآخر للمتراس، أى منظورا لها من وجهة النظر الإسرائيلية. ويبدو هذا الأمر ضروريا لتكوين وجهة نظر مصرية جديدة أكثر شمولية وعقلانية فى التعامل مع إشكالية التطبيع، وهو ايضا أمر حيوى وضرورى لتصحيح طريقتنا فى التفكير وفى اتخاذ الكثير من المواقف والقرارات،
إذ يبدو أن هناك مشكلة عميقة ومزمنة فى رؤيتنا لكثير من القضايا بشكل أحادى الجانب ومن وجهة نظر واحدة، وينطبق هذا الوضع على مواقفنا من إشكالية التطبيع التى يجرى النظر لها من جانب واحد فقط ولا تأخذ بعين الاعتبار العديد من الابعاد الأخرى لهذه الاشكالية،
ولأنه فى السياسة كما فى العسكرية فإنه يلزم فى الحالتين دائما استطلاع الوضع خلف الحدود وفى عمق الاوضاع الداخلية للخصم أو الطرف الآخر، لأن المعرفة الدقيقة للاوضاع داخل إسرائيل هى التى ستقرر خياراتنا الاستراتيجية تجاه التعامل مع إشكالية التطبيع،
فهل لا يزال علينا مثلا أن نبقى طويلا فى خنادق الدفاع وان نبنى حولنا المزيد من التلال والحصون لصد الاختراقات القادمة من جبهة التطبيع، أم أنه يتوجب علينا الخروج من هذه الحالة السلبية والتحول إلى الدفاع النشط والهجوم المحدود والمحسوب، أو أن الوضع بات مناسبا للانتقال إلى الهجوم الاستراتيجى المعاكس واختراق خطوط الدفاع الإسرائيلية وصولا إلى أعماقه الداخلية للتأثير فى كل جبهاته السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وقد يكون من المناسب قبل الوقوف عن كثب على حقيقة الموقف الإسرائيلى من التطبيع إمعان النظر فى المسائل المهمة التالية:
أولا – أنه عند البحث فى حقيقة المواقف الإسرائيلية من التطبيع، كما فى كل المسائل الإسرائيلية الاخرى، نقترح الاهتداء بعبارة استرشادية مهمة تقول: «إنهم – أى الإسرائيليين – ليسوا ملائكة ولا شياطين.. إنهم مجرد بشر وقد يكون ذلك أسوأ ما يمكن أن تصفهم به».
ثانيا – أن الاجماع الوطنى فى إسرائيل ينعقد حصريا حول المبادىء التالية:
1- الحفاظ على دولة إسرائيل ووجودها وتطورها.
2- ضمان القدر الاكبر من الامن الشخصى والجماعى فى مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية كافة.
3- ضمان المحافظة على الاغلبية اليهودية فى الدولة.
4- صيانة العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الدولية العظمى.
5- ضمان التفوق الاستراتيجى على كل الدول العربية.
6- رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل.
7- رفض وجود أى جيش آخر غير جيش الدفاع الإسرائيلى بين نهر الاردن والبحر المتوسط. ثالثا – أنه عدا الاصطفاف الإسرائيلى خلف مبادئ الاجماع الوطنى هذه فإن القضايا الاخرى كافة، بما فى ذلك حتى الموقف من الدين اليهودى نفسه، وبالطبع قضية التطبيع كذلك، تبقى محل خلاف واختلاف مفتوح بين الإسرائيليين.
رابعا – أن إسرائيل تعيش وتتطور فى ظل لوحة واسعة من التعارضات الداخلية والتوترات شبه الدائمة والتى من ابرزها ما يلى :
1- التناقض القومى بين الاغلبية اليهودية التى تمثل 75% من السكان، والاقلية الفلسطينية العربية التى واصلت العيش على اراضيها داخل إسرائيل وتصل نسبتها إلى 20,2%. وهى نسبة مرشحة للزيادة باطراد وتهدد بتحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية.
2- التعارض الاثنى الطائفى بين اليهود من أصول غربية – الاشكيناز، واليهود من اصول شرقية – السفارديم، واليهود الروس القادمين من الاتحاد السوفيتى.
3- التعارضات السياسية بين الكتل الحزبية : كتلة اليمين القومى التى تضم حزب الليكود وإسرائيل بيتنا، وكتلة الوسط وتضم حزب كاديما، وكتلة اليسار وتضم حزب العمل وحزب ميريتس، وكتلة الاحزاب الدينية وتضم حزب شاس الذى يمثل اليهود المتدينين من أصل شرقى، والاحزاب الدينية لليهود الغربيين وتضم حزب يهوديت هتوراة وحزب إيحود لئومى، وكتلة الاحزاب العربية وتضم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والقائمة العربية الموحدة والحركة العربية للتغيير، والتجمع الوطنى الديمقراطى، فضلا عن عدد آخر من الاحزاب السياسية غير الممثلة فى الكنيست.
4- التناقض الحاد بين اليهود العلمانيين والمتدينين.
5- التعارضات بين الشرائح الاجتماعية بسبب اتساع الفجوات المعيشية والتفاوت الواسع فى الاجور والدخول.
6- أن الايديولوجية الصهيونية نفسها باتت محل خلاف واسع ليس فقط بسبب القوى الدينية التى ترفضها من الاساس، ولكن ايضا بسبب تعاظم القوى التى تتجاوزها إلى ما يسمى بتيارات ما بعد الصهيونية التى تعمق عملية تفكيك الهوية اليهودية الجمعية.
7- أن الخلاف فى إسرائيل امتد ليشمل الجيش نفسه الذى كان إحدى أبرز علامات الإجماع الوطنى، خاصة بعد التحول فى طابعه الاساسى من «جيش الشعب والامة» إلى جيش احترافى ولم تعد نسبة المجندين من الشباب تتجاوز 55% من كل فوج،
فضلا عن اتساع حالات التهرب من الخدمة، ومعارضة الحرب وتزايد حالات الاحتجاج والتمرد على الأوامر، وغيرها من قضايا الخلاف والتوتر الداخلى. 8- أن التناقضات والخلافات فى إسرائيل ليست كما يشاع مجرد مسرحية وتوزيع وتبادل للادوار، بل هى خلافات حقيقية ومحتدمة وبعضها تحول إلى مصادمات دموية،
ووصل الأمر إلى حد الاغتيال والتصفية الجسدية وكانت إسرائيل شهدت بالفعل خمس حالات اغتيال سياسى: اثنتان جريتا قبل إقامة الدولة، فيما وقعت الحالات الثلاث الأخرى بعدها وكان أشهرها عملية اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين على يد متطرف دينى فى عام 1995، وكانت القدس شهدت مؤخرا صدامات واسعة وعنيفة بين اليهود المتدينين المتطرفين والشرطة هناك لمجرد قرار البلدية بفتح مواقف السيارات للعمل يوم السبت!!
وتنسحب الخلافات القائمة فى إسرائيل على العديد من القضايا الداخلية الاخرى بما فى ذلك قضية التطبيع حيث لايوجد هناك موقف واحد منها بل تتعدد المواقف وتتباين، ففى مقابل المعسكر الإسرائيلى الذى يتبنى الدعوة للتطبيع مع العرب ينهض معسكر آخر، ربما اكبر وأكثر نفوذا يعارض الانفتاح الواسع على التطبيع،
وينبه بشدة إلى خطورة ذلك على اندماج إسرائيل فى محيطها الاقليمى وتحويلها إلى دولة شرق أوسطية عادية تفقد هويتها وميزاتها كدولة غربية، ويمكن مجازا الإشارة إلى وجود حركة إسرائيلية مهيمنة ومتنفذة لمقاومة الانفتاح على التطبيع بسبب تخوفها من الانعكاسات السلبية المحتملة لهذا التطبيع على العديد من مكونات الوضع الإسرائيلى الداخلى الذى يتسم بقدر غير قليل من التخلخل والتباين بما قد يسمح باختراقه ربما إلى الحد الذى يؤثر على أسس التماسك المجتمعى هناك.
وكانت هذه المسألة محل اهتمام المفكرين ومراكز الدراسات والبحث فى إسرائيل، وأسفرت هذه الدراسات عن نتائج مثيرة للانطباع سوف نتابعها لاحقا بقدر اكبر من التفصيل والتحليل، ومع اهمية الاطلاع على فحوى هذه النتائج فإن النخب المتنفذة هناك تعير الاهتمام الاكبر وربما الاخطر لاحتملات تأثير الانخراط الواسع فى التطبيع مع العرب فى بيئة الشرق الاوسط على الهوية الغربية لدولة إسرائيل ومكانتها المميزة فى العالم الغربى – الأمريكى،
حيث يعتبر الحفاظ على الطابع الغربى لهذه الهوية هو الاساس الموجب لإقامة دولة إسرائيل والعامل الضامن لبقائها واستمرارها، وتلعب النخب اليهودية من الأصل الغربى الدور الأساسى فى الحفاظ على هوية وانتماء الدولة الإسرائيلية للغرب والقيم الغربية،
وربما لهذا تتصدى للانفتاح الواسع على التطبيع الذى يقود إلى الاندماج فى النسيج الشرق أوسطى. ومن المفارقات اللافتة للنظر أن يصر اليهود من الاصل الغربى فى إسرائيل على تأكيد انتماء الدولة للغرب والالتزام بالقيم الثقافية الغربية رغم أن الحركة الصهيونية نفسها كانت بمعنى ما تعبيرا عن رفض أوروبا نفسها لليهود وانها لفظتهم بكل عنف خارجها، وان يهود إسرائيل من الاصل الغربى هم من رفضوا الاندماج فى دولهم الأوروبية وسعوا إلى إقامة دولة قومية لليهود خارج أوروبا فى قلب الشرق الاوسط،
وليس هناك من تفسير لهذه المفارقة سوى إدراك هذه النخب للمصالح العليا لدولة إسرائيل والضرورات التى تحتم عليهم التمسك بالانتماء للعالم الغربى ولقيمه وثقافته.
وقد تمكنت إسرائيل حتى الآن من مواصلة الاحتفاظ بمكانتها هذه بفضل الاستعداد الغربى والأمريكى لتبنى إسرائيل واعتمادها كامتداد عسكرى وسياسى وثقافى لها فى الشرق الاوسط، وقد لاحظ سياسى أمريكى بارز مثل وليم كوانت ما سماه الاستعداد الأمريكى المسبق للعمل لمصلحة إسرائيل انطلاقا من القواسم القيمية والثقافية المشتركة بينهما،
ويذهب مفكر آخر مثل مايكل هانت إلى القول بكل صراحة «إن الجانب الاكبر من الأمريكيين يرى الإسرائيليين كأوروربيين فى نزاع مع العرب السمر الملتحين المتعصبين ومتعددى الزوجات»، وربما لهذا تسعى النخب الإسرائيلية لصد الانفتاح الواسع على التطبيع للحفاظ على مثل هذه الصورة النمطية وتكريسها فى الوعى الأمريكى والغربى، وكان نتنياهو نفسه، الذى يعد واحدا من أبرز زعماء الحركة الإسرائيلية المقاومة للانفتاح على التطبيع، قد عبر بطريقته عن نفس هذا المعنى عندما أعلن فى الخطاب الذى ألقاه فى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24/9/2009 أن الصراع القائم فى الشرق الاوسط هو بين حضارة القرن الواحد والعشرين التى تنتمى لها إسرائيل وبين بربرية القرن التاسع التى ينتمى لها خصومها فى المنطقة،
ومن المعروف أن نتنياهو كان هو من قاد هجوما واسع النطاق على شيمون بيريز بسبب المشروع الذى طرحه للتطبيع مع العرب، والذى أصدره عام 1994 فى كتاب حمل عنوان: الشرق الأوسط الجديد،
وتعمد نتنياهو أن يحول هذا المشروع إلى مادة للتندر والسخرية، ورغم الضجة الشديدة التى أثارها نشر هذا الكتاب فى مصر فإنه بالمقابل لم يلق ترحيبا واسعا فى داخل إسرائيل نفسها، وعدا الدعم الذى تلقاه بيريز من بعض تلاميذه المتحمسين له من الجماعات اليسارية، فإن المشروع نفسه قد أهمل وجرى دشته فى أرشيف وهوامش الحياة السياسية الإسرائيلية. إن قرار النخب المهيمنة فى إسرائيل بصد الانفتاح على التطبيع للتأكيد على الانتماء الغربى للدولة يستهدف ايضا تحقيق عدة أهداف أخرى من أبرزها ما يلى:
1- الاستمرار فى وضع الغرب تحت التأثير العميق لمشاعر الذنب بسبب ما وقع للجاليات اليهودية من عسف واضطهاد على يد المانيا النازية، وبالتالى استمرار ابتزاز الدعم والاسناد الغربى لإسرائيل.
2- أن تماهى إسرائيل مع القيم الغربية يضمن ولاء اليهود فى أمريكا وأوروبا.
3- أن انفتاح إسرائيل على التطبيع مع العرب يفقدها دعم الملايين من أتباع الصهيونية المسيحية فى أمريكا وأوروبا الذين يؤمنون بأن إسرائيل تقوم بوظيفة خلاصية ويؤيدون بكل قوة فكرة إسرائيل الكبرى لأن بعث أرض إسرائيل التوراتية سيعجل بعودة المسيح وخلاص العالم.
4- أن النخب المتنفذة فى إسرائيل تدرك تماما أننا نعقد مقاربة بين إسرائيل والحملات الصليبية، وقد لا يعرف البعض مدى الاهتمام الإسرائيلى بهذه المقاربة التى وصلت إلى حد إنتاج عدد كبير من دراسات الماجستير والدكتوراه فى الجامعة العبرية التى تخصصت فى بحث ودراسة كل ما يتعلق بأسباب انحسار وهزيمة الحملات الصليبية فى فلسطين ومصر والمشرق العربى،
وقد خلصت نتائج هذه الدراسات إلى القول بأن توطين الصليبيين وتآكل صلاتهم بالممالك الأوروبية خلف البحر المتوسط كان من أهم أسباب هزيمة الصليبيين، وربما لهذا تحذر النخب الإسرائيلية من الانفتاح على التطبيع الذى يحولها إلى دولة شرق أوسطية مقطوعة الصلة بالحبل السرى الذى يربطها بالعالم الغربى والأمريكى، ولهذا أيضا تسعى هذه النخب إلى حصر التطبيع مع العرب فى اتجاه واحد.
نحن إذن أمام حالة إسرائيلية مركبة ومخاتلة، فقد عاد نتنياهو إلى تقمص دور شيمون بيريز الذى كان تهجم عليه فى السابق، ودعا العرب فى خطابه فى جامعة بار إيلان يوم 14/6/2009 إلى نسخة جديدة منقحة من مشروع الشرق الاوسط الجديد تحت مسمى السلام الاقتصادى، ولم يشعر نتنياهو بأى حرج أو تناقض بين هذه الدعوة وما قاله فى نفس الخطاب عن المستوطنين باعتبارهم «جمهور طلائعى وصهيونى وقيمى» حسب نص تعبيره.
إن الخطاب الإسرائيلى السياسى حول التطبيع يصدر من منطلقات دعائية وتكتيكية، لأن موقف التيار الغالب للنخب المتنفذة هناك لايزال يعارض الانفتاح الواسع على التطبيع تحسبا من أن يؤدى التطبيع إذا ما انفتح فى الاتجاهين إلى «تشرقن» إسرائيل،
وبالتالى المس بهويتها الغربية وإفقادها مكانتها المميزة كجزء عضوى من العالم الغربى– الأمريكى، وكامتداد طبيعى له فى المنطقة العربية، أو كما قال البروفيسور الإسرائيلى إسحاق سكنيل: إن إسرائيل تريد أن تبقى كجزء من العالم الأول حتى فى المرتبة الخامسة ولا تكون فى الموقع الاول فى العالم الثالث،
كما تتوجس هذه النخب الإسرائيلية من النتائج التى توصلت اليها الدراسات السياسية والاكاديمية هناك والتى رصدت بموضوعية النتائج السلبية المحتملة للانفتاح على التطبيع فى الاتجاهين على المكونات الرئيسية فى المجتمع الإسرائيلى بما فى ذلك انعكاساته على الجيش والاقتصاد والثقافة ونوعية الديمقراطية، وعلى العلاقات بين الفلسطينيين واليهود وعلى العلاقات بين اليهود العلمانيين والمتدينين، وعلى غيرها من الحالات التى سنعرض لها بالتحليل فيما تبقى من مقالات قادمة فى ملف «التطبيع.. وسنينه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.