نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    من الترويج للمثلية الجنسية إلى إشراف «التعليم».. القصة الكاملة لأزمة مدرسة «ران» الألمانية    الجنيه يواصل الارتفاع أمام الدولار في البنوك المصرية    محافظ الفيوم يبحث آليات إنشاء مدرسة صديقة للفتيات وعيادة للصحة الإنجابية للمرأة الريفية    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    البورصة المصرية تخسر 6.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    شروط صب السقف داخل وخارج الحيز العمراني (تعرف عليها)    نتنياهو: المقترح الأمريكي ليس دقيقا ولم نوافق على بند إنهاء الحرب في غزة    سلطنة عُمان ترحب بالمبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة    هل تعمد مدحت شلبي تجاهل إبراهيم فايق بسبب أفشة؟    التشكيل المثالي لدوري أبطال أوروبا موسم 2023/2024    الأرصاد: غداً طقس شديد الحرارة نهاراً مائل للحرارة ليلاً على أغلب الأنحاء    25 سبتمبر.. تأجيل محاكمة ميكانيكي وآخر بتهمة قتل شاب خلال مشاجرة بالقاهرة    ل الأبراج النارية والترابية.. الكثير من النقود والمكاسب خلال شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    محافظ المنيا يهنئ فريق بانوراما البرشا بالفوز بجائزة العين الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي    محافظ المنيا: تواصل استقبال القمح وتوريد 346 ألف طن منذ بدء الموسم    الرباط الصليبي يبعد مدافع أتالانتا من قائمة إيطاليا في يورو 2024    رئيس أتليتكو مدريد يكشف حقيقة مفاوضات صلاح.. ومونديال الأندية الجديد ومستقبل فيليكس    الدفاع الروسية: خسائر الجيش الأوكراني نحو 1.7 ألف جندي خلال يوم    صندوق الأغذية العالمي يعلن تقديم مساعدات إنسانية ل65 ألف متضرر من الفيضانات في أفغانستان    «نسك».. بطاقة ذكية تُسهل رحلة الحجاج وتُعزّز أمنهم خلال حج 2024    تأييد حكم حبس مدير حملة أحمد الطنطاوي    تخرج دفعة جديدة من ورشة «الدراسات السينمائية» بقصر السينما    مهرجان روتردام للفيلم العربي يسدل الستار عن دورته ال 24 بإعلان الجوائز    لإنتاج 6 مسكنات ومضادات حيوية.. وزير الصحة يشهد توقيع شراكة بين «الدواء» وشركة أمريكية    نقيب المعلمين: تقديم الدعم للأعضاء للاستفادة من بروتوكول المشروعات الصغيرة    عميد الكلية التكنولوحية بالقاهرة تتفقد سير أعمال الامتحانات    مقابلات للمتقدمين على 945 فرصة عمل من المدرسين والممرضات في 13 محافظة    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    القاهرة الإخبارية: 12 شهيدا جراء قصف إسرائيلى استهدف المحافظة الوسطى بغزة    عاشور: الجامعة الفرنسية تقدم برامج علمية مُتميزة تتوافق مع أعلى المعايير العالمية    السكة الحديد: تعديل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    وزير الصحة يستقبل مدير المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض لتعزيز التعاون في القطاع الصحي    "أسترازينيكا" تطلق حملة صحة القلب فى أفريقيا.. حاتم وردانى رئيس الشركة فى مصر: نستهدف الكشف المبكر لعلاج مليون مصرى من مرضى القلب والكلى.. ونساند جهود وزارة الصحة لتحسين نتائج العلاج والكشف المبكرة عن الحالات    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    رئيس «شباب النواب»: الموازنة تأتي في ظروف صعبة ولابد من إصلاح التشوهات وأوجه الخلل    منتخب إنجلترا يواجه البوسنة في البروفة الأولى قبل يورو 2024    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    28 يونيو الجاري .. جورج وسوف يقدم حفله الغنائي في دبي    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    رئيس جامعة المنوفية يشارك في اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    عمرو درويش: موازنة 2025 الأضخم في تاريخ الدولة المصرية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سمير غطاس يكتب: ملفات التطبيع.. وسنينه (1)
نشر في المصري اليوم يوم 16 - 10 - 2009

.. مرة أخرى، وليست أخيرة، يعود ملف التطبيع فيقفز إلى مقدمة اهتمامات شرائح ليست قليلة من النخبة المصرية كردة فعل على الزيارة التى أداها السفير الإسرائيلى لرئيسة تحرير إحدى مطبوعات مؤسسة «الأهرام»،
وكالعادة اتسم تناول هذه القضية المهمة بمزيد من الانفعال والعصبية، واشتعلت الساحة السياسية بالتراشق بالاتهامات المحرمة والمحظور استخدامها دولياً فى الحوارات المتحضرة والمدنية، ولما كان ملف التطبيع سيبقى حاضراً دائماً على جدول أعمال الحركة الثقافية والسياسية فى مصر، فإن الأمر يستلزم بالضرورة إعادة فتح ملفاته على نحو جاد ولكن هادئ وبشكل معمق ولكن موضوعى وليس على طريقة «سلالم النقابة» أو على طريقة: «أنا حرة» فى التطبيع، لأن مثل هذا الحوار العقلانى المتحضر،
فى هذا الموضوع الملغوم والشائك، هو وحده الذى يليق بما ندعيه من انتسابنا للحضارة الأعرق فى تاريخ البشرية. ومن أجل دفع هذا الحوار للأمام يمكن أن نبدأ بعرض عشر ملاحظات أولية تحمل قدراً غير قليل من الرؤى الخلافية المغايرة التى تستهدف تصويب عملية التفكير السياسى، قبل أن ننتقل بعدئذ، ربما لأول مرة، لعرض الموقف من التطبيع منظوراً له من الضفة الأخرى من النهر أو من الجانب الآخر للمتراس، أى منظوراً له من داخل إسرائيل.
وتتضمن ملاحظاتنا العشر ما يلى.. أولاً: أن موضوع التطبيع ومقاومته هو بكل أبعاده وتداعياته موضوع سياسى بامتياز، وينبغى لنا الالتزام بوضعه فى إطاره السياسى، هذا دون التورط فى نقله إلى الإطار الدينى، لأنه من حيث المبدأ لا يجب السماح بهذا الخلط والتداخل، ولأن السياسة تصدر أحكامها بالصواب أو الخطأ وليس بالتحليل أو التحريم، والسياسة لا تعرف الوصايا والجبر ولا تعرف النفى أو المصادرة،
وليس من صلاحيات المثقف والسياسى أن يعامل خصومه على طريقة ما يسمى بالحرمان الكنسى أو ما يسمى بحد الردة، ولأن إقحام الدين فى السياسة يفتح الباب على مصراعيه إمام المزيد من التدخل الفظ لكل من يعتقد - بغير أى وجه حق- أنه ظِلُّ الله على الأرض، أو أنه يحمل تفويضاً ربانياً بحكم الناس والتحكم فى حياتهم وأفكارهم ومعتقداتهم. واحتراماً لجلال الدين ومكانته فإنه لا يجوز الزج به فى المعتركات السياسية حتى لو كان الأمر يتعلق بقضايا خلافية حادة مثل التطبيع، لأن الاستثناء يتحول وقتها إلى قاعدة،
وسرعان ما يؤدى ذلك إلى المزيد من التدخل فى الحريات الشخصية ومصادرة الكتب وملاحقة المفكرين والمبدعين حتى يصل الأمر إلى التفتيش فى عقول الناس وتفكيرهم والتفريق بين المتزوجين شرعاً على سنة الله ورسوله، كما حدث فى حالة الدكتور نصر حامد أبوزيد واستصدار الحكم بتفريقه عن زوجته الدكتورة ابتهال.
ثانياً: أنه ربما علينا أن نعترف بشجاعة أنه رغم الصخب العالى والضجيج المدوى المصاحب عادة لكل الأزمات التى شهدها ملف التطبيع ومقاومته، فإن كل هذا الجدل يبقى محدوداً ومحصوراً فى شرائح معينة من المجتمع المصرى، بل من النخب الثقافية والسياسية فى مصر، ويكاد هذا الأمر يتحول إلى ظاهرة مقلقة لأنه لا يخص فقط حركة مقاومة التطبيع وإنما ينسحب أيضاً على كل حركات الاحتجاج السياسى التى تشهد مشاركة محدودة من الشرائح الاجتماعية، ورغم الإقرار بسطوة التعامل الأمنى للحكومة مع هذه الحركات فإن ذلك ليس له وحده أن يبرر ظاهرة انكماش ومحدودية الفئات والشرائح التى تنتظم فى المشاركة الفاعلة فى حركات الاحتجاج السياسى ومن بينها حركة مقاومة التطبيع.
ثالثاً: أنه على حركة مقاومة التطبيع أن تدرس بكل موضوعية العديد من الظواهر السياسية الواقعية فى المجتمع المصرى فى مجال قضية التطبيع، فنحن نواجه ظواهر انخراط فئات اجتماعية غير قليلة فيما يمكن أن نعتبره نشاطا تطبيعيا مع إسرائيل، ومعروف مسبقاً الدوافع الاقتصادية والمعيشية لها، ومع ذلك فإن تجاوز هذه الفئات لحواجز التطبيع وقفزها على أسواره هو من الأمور التى تحتاج لرؤية أكثر عمقاً، هناك ظواهر تخص فئات واسعة من الشباب العاملين فى قطاعات الخدمات السياحية التى تضطر للتعامل بأريحية مع الإسرائيليين،
فضلاً عن تنامى ظاهرة سفر ربما عشرات الآلاف من الشباب للعمل داخل إسرائيل، وانضمام مئات الآلاف من عمال قطاع النسيج للعمل تحت مظلة اتفاقية الكويز، بل مطالبة العمال الذين لم تشملهم هذه الاتفاقية بمدها إلى مصانعهم، وكل هذا وغيره يمكن أن يصنف على أنه انخراط فى نشاط تطبيعى مع إسرائيل ومع ذلك فإنه يندر أن يكون هذا النشاط قد انعكس سلباً على الموقف السياسى لأغلب هذه الفئات من إسرائيل، وقد يحتاج الأمر للاستناد إلى نتائج دراسات اجتماعية سياسية لا أعرف لماذا تقصر كل الجهات فى القيام بها،
ومع ذلك يمكن القول بقدر من الثقة الموضوعية بأن التأثير السياسى لهذا النشاط التطبيعى يبدو محدوداً للغاية إن لم يكن هامشياً تماماً أو غير ملحوظ البتة، إذ لم يلاحظ أبدا وجود أى تيار أو حتى بؤرة ثقافية أو سياسية فى مصر توافق أو تبرر لإسرائيل استمرار احتلالها الأراضى الفلسطينية أو لا تندد بالممارسات العدوانية لإسرائيل أو توافق على النشاط الاستيطانى وعمليات تهويد القدس واستهداف المسجد الأقصى والمقدسات الدينية المسيحية والإسلامية هناك، والاستنتاج الأساسى الذى ينبغى استخلاصه من هذه الظاهرة هو ضرورة استبعاد التعميم فيما يخص مسألة التطبيع ومقاومته،
أولا لأن التعميم هو إحدى أبرز وأخطر آفات وعيوب التفكير السياسى فى مصر، وثانياً لأن هذا التعميم يخرج كل هذه الفئات والشرائح الاجتماعية الشعبية من الحصانة الوطنية وهو أمر غير مقبول على الإطلاق وليس من صلاحية أحد فى مصر أن يقرر إخراج مواطن واحد من حصانته الوطنية،
ولهذا من الأهمية بمكان أن نميز بين الأنماط المختلفة والمتعددة لما يسمى بالنشاط التطبيعى، وأن نتوافق على تعريف سياسى واضح لما يمكن أن نعتبره تطبيعاً مع إسرائيل يستوجب المقاومة والمساءلة والحساب.
رابعاً: أنه على حركة مقاومة التطبيع فى مصر أن تتحلى بقدر أكبر من الشجاعة لمراجعة ونقد السلوك الانتهازى لعدد غير قليل من قياداتها ورموزها، فهذه القيادات التى تدين وتشجب بشدة أى اتصال فى مصر بالإسرائيليين من هيئات أو أشخاص رسميين أو صحفيين وباحثين أو مفكرين غير رسميين كانوا ابتلعوا ألسنتهم ولاذوا بالصمت المريب ولم تصدر عنهم كلمة واحدة تجاه التطبيع الشغال على قدم وساق بين زعامات وهيئات عربية مورطة لأذنيها فى علاقات تطبيعية سياسية وأمنية واقتصادية مع إسرائيل، ولم نسمع من بعض قيادات ورموز حركة مقاومة التطبيع فى مصر كلمة تدين مثلا الاتصالات واللقاءات العلنية التى يجريها حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطرى واستقبال أمير هذه البلاد لكبار الشخصيات الإسرائيلية التى نعمت بحفاوة الاستقبال العربى وكرم ضيافة الأشقاء،
والمثير حقاً للدهشة ألا يمتنع الأستاذ هيكل أو أى من تلاميذه ومريديه عن الظهور المستمر على شاشة الجزيرة ولو لمرة واحدة احتجاجا على الزيارة العلنية (الموجودة بالصوت والصورة على اليو تيوب) للسيدة تسيبى ليفنى زعيمة حزب كاديما ووزيرة خارجية إسرائيل فى حينها لقناة الجزيرة واجتماعها علناً بالسيد خنفر رئيس القناة وكبار العاملين بها، ولا يمكن تبرير هذا الموقف الذى يتسم بقدر كبير من الانتهازية والنفاق، وليس من المقبول من هؤلاء تحريم التطبيع فى مصر وتحليله فى قناة الجزيرة وغيرها من مصادر التمويل والانتشار والارتزاق.
خامساً: أن مقاومة التطبيع فى مصر لا يجب أن تنطلق من مواقع أو مواقف دونية، وكأنها تخشى دائماً من اغتصاب عفافها وعذريتها، إذ لا يجوز لهذه الحركة أن تستمر فى الصراخ فزعا مما تسميه الاختراق الثقافى والسياسى الإسرائيلى، ونحن نعرف حق المعرفة، وسنثبت ذلك لاحقا، أنه ليس لإسرائيل ولا للحركة الصهيونية بكل جبروتها ما يمكن أن تخترق به مصر أو عقول أبنائها لا ثقافياً ولا سياسياً، وهذا الصراخ المفزوع لا يصدر إلا عن جهل بالوضع الثقافى والسياسى فى إسرائيل أو عن عقلية دونية تعانى من العجز وتفرط فى احتقار نفسها أو بالاثنين معا،
ولا يجوز مطلقا الاستمرار فى تسريب مثل هذه المشاعر التى تنتقص من العزة الوطنية وتعطب الوجدان والوعى الوطنى حتى لو كان الأمر يتعلق بمقاومة التطبيع، بل حرى بإسرائيل نفسها أن تفزع من اختراقها ثقافيا وسياسيا إذا ما قررنا نحن مغادرة خنادق الدفاع السلبى وانتقلنا بثقة إلى استراتيجية الهجوم الثقافى السياسى المعاكس،
 فالمقاومة لا يصنعها العبيد ولا الأذلاء أو المرعوبون ولا يشرف أحدا فى مصر أن يتعامل بدونية مع إسرائيل سواء كان الأمر يتعلق بالتطبيع أو غيره وليس فى ذلك القول أى مكابرة أو عنجهية بل هو أمر مبدئى صادر عن معرفة حقة وتحليل موضوعى ورصين.
سادسا: أنه على حركة مقاومة التطبيع فى مصر توحيد المعايير ومنع أى تناقض أو تعارض بهذا الخصوص، ومن المعروف أن مقاومة التطبيع مع إسرائيل تنهض على أساس الدعوة لمقاومة أى من أشكال التطبيع طالما أن إسرائيل مستمرة فى احتلالها الأراضى الفلسطينية والعربية ولا تسلم بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة، ومن المفروض ألا تجرى أى استثناءات تحت أى ذرائع من تطبيق هذا المبدأ على أى دولة أخرى مثل إسرائيل،
وهذا الأمر يمكن أن ينسحب على تركيا، رغم إعجاب المصريين بمسلسلات مهند المدبلجة، لأن تركيا احتلت وضمت لواء الإسكندرونة العربى- السورى منذ عام 1939 أى قبل اغتصاب إسرائيل لفلسطين بأقل من عشر سنوات فقط، وتصل مساحة لواء الإسكندرونة إلى 12 ضعف مساحة قطاع غزة وأقل قليلا من مساحة الضفة الغربية، ولا يجب اسقاط هذا الاحتلال بالتقادم وحتى لو قام النظام السورى بإزالة هذا اللواء من الخرائط ومناهج التعليم هناك فإن الاحتلال يبقى احتلالاً، والأمر ذاته-
وربما أشد- ينطبق على الاحتلال الإيرانى للجزر العربية الإماراتية الثلاث التى احتلها شاه إيران عام 1971 ولا يزال نظام الثورة الإسلامية فى إيران يواصل احتلالها للآن، ورغم التبريرات الواهية التى ساقها الأستاذ هيكل لتبرير هذا الاحتلال الإيرانى فإنه لا فرق بين إسرائيل وإيران فى هذه القضية لأن الاحتلال يبقى احتلالا ومقاومة التطبيع تبقى واجبة وإن تعددت مسميات الدول وتغيرت ألوان أعلامها أو تنوعت انظمة الحكم فيها أكانت صهيونية أو إسلامية، مسيحية أو سنية أو شيعية.
سابعاً: أن مبادئ علم السياسة وفن وعلم حرب التحرير الشعبية ومنطق التفكير السديد تدعو جميعها إلى ضرورة العمل على تقسيم جبهة العدو الداخلية لكسب أى قسم منها وتحييد قسم آخر وعزل القسم الأكثر تطرفاً وعدوانية، هكذا انتصرت الثورة الجزائرية فى فرنسا قبل أن تنتصر فى جبال الجزائر،
وهكذا انتصرت الثورة الفيتنامية فى قلب أمريكا قبل أن تنتصر فى سايجون، ولا يجوز لنا أن نتعامل مع إسرائيل على طريقة «كلهم يهود» إذ ثمة تمايزات وتباينات داخلية مهمة، وأغلب كتاب مصر ينقلون معلوماتهم عن الاستيطان والسياسات العدوانية الإسرائيلية عن مصادر حركات:
السلام هناك وعن جمعية بتسليم وجنود ضد الصمت وحركة السلام والأمن وعن كتاب وصحفيين مثل جدعون ليفى وعميرة هس وعكيفا الدار وغيرهم ممن يكتبون أفضل من أغلب كتابنا ويفضحون السياسة الإسرائيلية، ولا يجوز أن نترك الساحة الداخلية هناك لتفترسها الدعاية العنصرية لليمين المتطرف،
ويتطلب هذا الأمر رسم استراتيجية واضحة ومسؤولة تحدد الأدوار والمهام ولا تترك هذا الأمر الخطير على الغارب لكل من يتبرع بإجراء الاتصالات أو يفتح مكاتبه لاستقبال السفير الإسرائيلى بدعوى أنه «شايل سيفه» فى مهمة وطنية لاختراق إسرائيل من الداخل.
ثامنا: أنه إذا كنا نعتبر أن إسرائيل تسعى بكل الوسائل لاختراق الوضع المصرى، وأنها تقيم المركز الثقافى الإسرائيلى فى قلب القاهرة كغطاء لنشاط الموساد لأغراض الإسقاط والتجنيد وغيرها، فكيف يمكن أن تكون وجهة النظر الإسرائيلية إذا أقامت مصر مركزاً ثقافياً فى القدس أو تل أبيب، هل سيعتبر ذلك تطبيعاً مصرياً يستوجب الإدانة أم سيعتبر اختراقاً مضاداً يستحق الإشادة؟
وبافتراض أن مصر بادرت إلى إقامة فرع لجامعة القاهرة فى الناصرة أو سخنين أو أم الفحم أو حتى فى تل أبيب لتعليم الطلاب من أبناء فلسطينيى 1948 وعددهم الآن يفوق 1.446000 مواطن ونسبتهم تصل إلى 20.2% من عدد سكان إسرائيل ولهم 11 عضوا فى الكنيست،
فكيف يمكن أيضاً تقويم هذا الأمر هنا وفى إسرائيل، هل يعتبر ذلك هنا تنازلاً جديداً للتطبيع مع إسرائيل أم سيعتبر هناك تحايلاً من المخابرات المصرية والمصريين لاختراق الوضع الإسرائيلى الداخلى، إنها ليست مجرد أسئلة وإنما دعوة لإعمال التفكير بالعقل وليس من الحناجر.
تاسعاً: أنه قد يكون على حركة مقاومة التطبيع أن تقدر بمعايير موضوعية كل حالة ولا يمكن فى هذا السياق المساواة بين واقعة استقبال السفير الإسرائيلى فى إطار أجندة الجهة الأمريكية الممولة لمجلة الديمقراطية،
وبين سعى الصحفيين المصريين لتغطية الأحداث مهنياً من قلب الأحداث، أو سعى نشطاء مصريين للتضامن العملى مع الفلسطينيين فى الضفة وغزة أو فى ال48، والقول الفصل فى هذا الأمر هو الموقف السياسى، حيث يعتبر كل فعل أو قول أو كتابة تناصر أو تؤيد أو تبرر الاحتلال وكل ما ينتج عنه من سياسات وتداعيات من الأمور التى تندرج فى إطار التطبيع الذى يستوجب المقاومة والمساءلة وربما الحساب.
عاشراً: أنه قد يكون علينا ونحن نقاوم التطبيع وحتى نتخلص من تلك الروح الدونية العاجزة، أن نلقى نظرة فاحصة على موقف إسرائيل نفسها من التطبيع، ونتعرف أكثر وعن كثب على القوى التى تدعو إلى التطبيع وإلى مخاوف القوى الأخرى ومقاومتها للتطبيع وعلى آراء الأكاديميين والخبراء فى انعكاسات التطبيع على أهم مناحى الحياة هناك من أول تأثيره على الجيش الإسرائيلى ومروراً بانعكاساته على الاقتصاد ونسيج العلاقات الاجتماعية الداخلية ووصولاً إلى تأثيراته على الهوية الثقافية اليهودية وغيرها مما سنحاول عرضه وتحليله بشكل تفصيلى فى المقالات القادمة، ربما نصل إلى توافق أفضل فى ملفات التطبيع.. وسنينه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.