18986 متقدمًا في أول أيام التقديم بمسابقة شغل وظائف معلم مساعد    «المشاط»: الاتحاد الأوروبي سيوفر 1.8 مليار يورو ضمانات لتشجيع استثمارات القطاع الخاص في مصر    البورصة المصرية تخسر 1.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    زراعة المنيا تناقش خطة مكافحة القوارض بعد حصاد القمح    الرئيس السيسي يتوجه للبحرين للمشاركة في الدورة 33 لمجلس جامعة الدول العربية    مصطفى مدبولي يترأس الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء ويطلع على عدد من الملفات الهامة    بلينكن: استعادة القدرة التشغيلية للجانب الفلسطيني من معبر رفح ضرورة ملحة    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    مانشستر يونايتد في اختبار صعب أمام نيوكاسل    الرئيس الإيطالي يستقبل لاعبي ومدربي يوفنتوس وأتالانتا قبل نهائي الكأس    سلامتك أولًا.. 10 نصائح للسيدات قبل ركوب "أوبر"    مصرع طفل دهسًا أسفل عجلات سيارة نقل أمام قرية الكوبانية بأسوان    قبل بدء موسم الحج 2024.. نصائح وإرشادات هامة لصحة الحجاج (تفاصيل)    جامعة أسيوط تتقدم 31 مستوى بتصنيف CWUR لعام 2024    «التضامن»: في مقدمة المخاطر والويلات التي تشهدها المنطقة الحرب الإسرائيلية على غزة (تفاصيل)    انطلاق الامتحانات العملية بجامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر.. صور    شكري: تحركنا نحو محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية في غزة    "التعاون الإسلامي" تؤكد دعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني    سامح شكري يطالب بإجراءات ملموسة لإلزام إسرائيل بوقف الحرب في غزة    العمل: إطلاق حملة "معاً نحو بيئة عمل آمنة" بمجمع إعلام بورسعيد    محافظ الجيزة يتابع خطة رصف طريق البراجيل أسفل محور 26 يوليو الجديد    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    جهاز تنمية مدينة الشروق: قرعة علنية للمساحات التي تم توفيق أوضاعها بمنطقة الرابية    «تعليم سوهاج» توضح حقيقة قيام «سباك» بالمُراقبة في إحدى لجان المدارس الثانوية    انهيار جزئي بمنزل دون إصابات بسوهاج    أول تعليق من سلمى أبو ضيف بعد إعلان خطبتها    الأحد المقبل.. مؤتمر صحفي لإعلان تفاصيل المهرجان الدولي للطبول ب«الأعلى للثقافة»    مدبولي: صرف تعويضات لأصحاب المنازل المجاورة لمساجد آل البيت والأضرحة    بينها «الجوزاء» و«الدلو».. 5 أبراج تحقق أهدافها في الأسبوع الثالث من مايو 2024    نسرين أمين: أحداث فيلم "ولاد رزق 3" مختلفة وأكثر تطورًا    الصورة الأولى لأمير المصري بدور نسيم حميد من فيلم "Giant"    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    وكيل «تعليم مطروح» يشارك تقييم مسابقة إنتاج الوسائل التعليمية المبتكرة بإدارة العلمين    محافظ الإسماعيلية يتابع أعمال القافلة الطبية المجانية بقرية «أبوصوير المحطة»    «حياة كريمة» تطلق قافلة تنموية شاملة إلى قرية شماس بمركز أبو النمرس    الداخلية: ضبط 25 كيلو مخدرات و132 قطعة سلاح بالدقهلية    رئيس استئناف القاهرة يفتتح قسم الترجمة بعد التطوير    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    كاتب صحفي: مصر تمتلك مميزات كثيرة تجعلها رائدة في سياحة اليخوت    «النقل» تكشف تفاصيل التشغيل التجريبي ل5 محطات مترو وتاكسي العاصمة الكهربائي    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    ضبط 14293 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    6 ميداليات لتعليم الإسكندرية في بطولة الجمهورية لألعاب القوى للتربية الفكرية والدمج    إنعام محمد علي.. ابنة الصعيد التي تبنت قضايا المرأة.. أخرجت 20 مسلسلا وخمسة أفلام و18 سهرة تلفزيونية.. حصلت على جوائز وأوسمة محلية وعربية.. وتحتفل اليوم بعيد ميلادها    97 % معدل إنجاز الري في حل مشكلات المواطنين خلال 3 سنوات    أيمن عاشور: نسعى لجعل بنك المعرفة منصة رائدة للتعليم العالي على مستوى العالم    ضبط 572 صنف سلع غذائية منتهية الصلاحية في الفيوم    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    «إكسترا نيوز»: قصف مدفعي إسرائيلي عنيف على عدة مناطق في رفح الفلسطينية    حكم طواف بطفل يرتدي «حفاضة»    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    علي معلول: سنعود بنتيجة إيجابية من تونس ونحقق اللقب في القاهرة    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حازم الببلاوى يكتب: ليس توريثاً؟
نشر في المصري اليوم يوم 19 - 10 - 2009

أعلن فى الصحافة أن سيف الإسلام نجل الزعيم الليبى معمر القذافى قد كلف رسمياً بمنصب «منسق القيادة الشعبية الاجتماعية» فى ليبيا، ليكون بذلك الرجل الثانى فى البلاد وليصبح بمثابة رئيس الدولة من الناحية الشكلية، وقد جاء هذا التكليف بمقتضى القرار رقم «1» الذى أصدره منسقو القيادات الشعبية خلال اجتماعهم الاستثنائى- والمغلق- فى طرابلس، وذلك تزكية لدعوة القذافى بمنح سيف الإسلام الذى لا يشغل أى موقع رسمى ما يمكنه من القيام بواجبه نظراً لأنه «رجل مخلص ويحب ليبيا»، ويواجه مشكلة كونه لا يشغل منصباً فى الدولة!
 وفى نفس الوقت تقريباً تم تنصيب على بنجو نجل الرئيس الجابونى الراحل عمر بونجو الذى توفى منذ عدة شهور بعد أن حكم البلاد لأكثر من أربعين عاماً، وذلك بعد فوز «الابن» فى الانتخابات الأخيرة التى أجريت لمنصب الرئاسة، كذلك كان أن تولى إلهامى ألييف ابن الرئيس السابق حيدر ألييف الحكم فى أذربيجان، حيث كان الأب أحد زعماء الاتحاد السوفيتى وعضواً باللجنة التنفيذية فى موسكو قبل أن يصبح رئيساً لبلاده عند انهيار الاتحاد السوفيتى، وبعد وفاة الأب فى 2003 خلفه ابنه إلهامى بعد أن «نجح» فى الانتخابات، أما كوريا الشمالية والتى ولدت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد رأسها الزعيم الشيوعى كيم إل سونج حتى وفاته فى 1994 وخلفه ابنه كيم إل جونج الذى اختار بدوره ابنه الأصغر خليفة له فى المستقبل.
وكان حديث التوريث قد ظهر مؤخراً فى المنطقة العربية على السطح بمناسبة وفاة الرئيس حافظ الأسد فى عام 2000، وكان الرئيس الراحل الأسد قد أعد ابنه الأكبر باسل لخلافته قبل وفاته فى حادث سيارة مما وفر الفرصة لابنه الثانى بشار، الذى تم تعديل الدستور من أجله فى اليوم الثانى لوفاة والده بحيث يسمح للابن أن يتقدم للترشيح، وبالفعل تم الترشيح وفقاً للتعديل الدستورى، وتم «انتخاب» الرئيس بشار إلى المنصب.
وكان الإعداد لخلافة الرئيس حافظ الأسد هو أول إشارة إلى ظهور مفهوم «الوراثة» فى الحكم بالنظم الجمهورية فى المنطقة العربية فى العصر الحديث، وذلك بعد الانقلابات السياسية والعسكرية التى اقتلعت عدداً من النظم الملكية التقليدية وتأسيس الجمهوريات على أنقاضها فى المنطقة، بدءاً بالثورة المصرية التى ألغت الملكية فى 1954، ثم فى تونس 1957، ثم فى العراق 1958، وفى اليمن 1963، وأخيرا فى ليبيا 1969فى هذه الأثناء تعرضت النظم العربية الملكية الأخرى للعديد من الضغوط والانقلابات الفاشلة سواء فى الأردن أو المغرب أو عمان أو حتى فى السعودية، ولكن النظم نجحت فى الوقوف أمام هذه المحاولات واستطاعت أن تدعم أركان حكمها الملكى.
ومن الطريف أن دمشق التى كانت سباقة فى إدخال مفهوم «الانقلابات العسكرية» فى قاموس السياسة العربية فى النصف الثانى من القرن العشرين، كان لها أيضاً فضل السبق فى إرساء تقليد جديد لخلافة الأبناء للآباء فى الحكم الجمهورى فى المنطقة العربية، وإذا كان هذا المفهوم لم يتحقق حتى الآن إلا فى سوريا، إلا أن إرهاصات الإعداد للخلافة بين الأبناء والآباء بدأت تبرز فى معظم الدول العربية «الجمهورية»، فابن القذافى - سيف الإسلام- لم يرث الحكم بعد ولكنه اختير فى منصب الرجل الثانى، وبموافقة من المؤسسات الرسمية الشعبية، وبالإجماع طبعاً،
 وقيل إن الرئيس السابق صدام حسين كان يعد أحد أبنائه- عدى أو قصى- لخلافته، وبطبيعة الأحوال، فإن الاحتلال العسكرى الأمريكى لم يساعد على تحقيق هذا المشروع، ويقال- والله أعلم- إن اليمن السعيد بصدد الإعداد لترتيب مماثل لنجل الرئيس عبدالله صالح، أما تونس فقد أعفاها الله- مؤقتاً- من هذا الاختبار لأن الرئيس التونسى زين العابدين بن على أنجب بنات ولم يسعد بإنجاب ذكر إلا منذ سنوات قليلة،
فالمشكلة مؤجلة لعقد أو عقدين، وبطبيعة الأحوال، فإن حديث المدينة فى مصر المحروسة هو عن الدور المتوقع للسيد جمال مبارك نجل الرئيس فى القضية المشهورة باسم قضية «التوريث».وتثور فى مصر الآن معركة لفظية حامية الوطيس، ليس مناطها خلافة الابن للأب، وإنما التساؤل حول المفهوم العلمى الدقيق لكلمة «توريث» فهل كل خلافة من الابن للأب تعتبر «توريثاً» حتى إن صاحبتها إجراءات دستورية مثل الترشيح فى انتخابات بين عدد من المرشحين والحصول على الأغلبية؟
 ألا تطهر هذه الإجراءات الدستورية عملية «التوريث» وتجعلها اختياراً دستورياً، وبذلك يقتصر «التوريث» بالمعنى اللفظى الدقيق- وفقاً لهذه الرؤية- على اكتساب المنصب بمجرد تقديم الإعلام الشرعى «من الورثة» ودون حاجة إلى اتباع الإجراءات الدستورية القائمة السليمة، هذا وحده هو التوريث بناء على هذه الرؤية الخاصة، ولذلك فإن كل ما يثار حول «التوريث» إنما هو ضجة بلا أساس، فالموضوع الرئيسى الجدير بالاعتبار- عند هذا الفريق- هو أن تتم عملية الخلافة بإجراءات دستورية سليمة، أما خلافة الابن للأب فإنها تفصيل غير مهم، ومجرد فرقعة كلامية لا لزوم لها، المهم هو الدستور واحترام أحكامه، فالمواطنون سواسية لهم كل الحقوق، والابن هو أحد المواطنين، فلماذا الجدل إذن؟
وإذا كانت دمشق سباقة فى أخذ المبادرات السياسية للمنطقة العربية فى العصر الحديث منذ بدء الانقلابات العسكرية، فإن لها تجربة تاريخية مهمة كان لها أكبر الأثر على التاريخ الإسلامى، فبعد وفاة الرسول -عليه السلام- احتار المسلمون، واستقر الرأى فى اجتماع السقيفة على اختيار أبى بكر من الصحابة والمهاجرين -خليفة للرسول- وذلك بالبيعة من أصحاب «الحل والعقد» من الأمة الإسلامية آنذاك. وهكذا أصبحت «البيعة» من أهل الحل والعقد من جمهور المسلمين هى أسلوب تنفيذ الأمر القرآنى «وأمرهم شورى بينهم»، وبهذا الشكل اختير الخلفاء الراشدون الأربعة، أبوبكر وعمر وعثمان وعلى.
وعندما جاء معاوية إلى السلطة بعد أن انقسمت الأمة الإسلامية، خاصة بعد مقتل على ابن أبى طالب -رضى الله عنه- أخذ «البيعة» لنفسه من أهل الشام ثم من مختلف الأمصار. وعندما اقتربت المنية منه لم «يورث» ابنه يزيد الخلافة، وإنما أخذ له «البيعة» من المسلمين، وبطبيعة الأحوال فقد كانت هذه «البيعة» تتم فى حضرة الخليفة -أو ولاته فى الأمصار- وسيفه إلى جواره وفى حراسة جنوده. وهكذا يتم اختيار الخليفة -من الناحية الشكلية- وفقاً للإجراءات المتبعة بعد وفاة الرسول.
 فما دامت «البيعة» قد تمت، وبصرف النظر عن الأجواء التى تمت فيها، فإنها تكون قد راعت العرف المستقر فى اختيار الخليفة «بالبيعة» وفقاً للتقاليد الإسلامية. وهكذا تشكل النمط الإسلامى فى اختيار الحكام وانتقال السلطة بوفاة الحاكم إلى أحد أبنائه. والخطير فى هذا الصدد ليس فى ولاية يزيد فى ذاته بعد معاوية، وإنما فى استقرار هذا «التقليد» للحكم الإسلامى خلال ثلاثة عشر قرناً بعد مبايعة يزيد.
فقد استمرت الخلافة الإسلامية بأشكالها المختلفة بعد ذلك تأخذ بهذا النموذج سواء مع العباسيين أو الفاطميين، مروراً بالخلافة فى الأندلس، وانتهاء بالخلافة العثمانية. لقد أصبحت الخلافة الإسلامية وراثية مع أخذ البيعة رضاء أو قهراً. وبطبيعة الأحوال، لم يفت الأمر على جمهور المسلمين، لقد استمرت الخلافة تأخذ بالبيعة شكلاً، ولكنها أصبحت فى نظر العامة «مُلكاً» بعد خلافة الراشدين. فعند جمهور المسلمين الخلافة الإسلامية الصحيحة هى وحدها خلافة أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، وما عداها فهو «مُلك» أشبه بملك الفرس والروم.
قد تكون المناقشات الجارية حالياً فى مصر حول خلافة الابن للأب وهل هى توريث أو غير توريث، جدلاً وسفسطة صوتية، ولكن من المفيد أن نتذكر أننا نختار الآن «نموذجاً» قد يستمر لأجيال قادمة، تماماً كما حدث مع نموذج معاوية عند أخذه «البيعة» لابنه يزيد، الأمر الذى استمر لأكثر من ألف عام بعد ذلك حتى نهاية الخلافة العثمانية. المشكلة ليست اليوم أو غداً، وإنما هى مستقبل الحكم لأجيال وأجيال.. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.