اليوم آخذكم إلى واحة خضراء لالتقاط الأنفاس، أصحبكم إلى منطقة ظليلة هادئة الألوان نتذكر فيها معا حقنا أن نستمتع بالجمال ونفتح أبواب الخيال، إنها واحة عدلى رزق الله الفنان التشكيلى الكبير الذى حلم بسلسلة من الكتب تقدم للشباب المصرى غير المتخصص فى الفن التشكيلى مبادئ قراءة هذا الفن، وقد صدر الكتاب الأول من السلسلة هذا العام عن «نهضة مصر». يقول رزق الله فى مقدمة كتابه «كيف ترى؟» (والذى شارك فى إخراجه تمر رزق الله) إن هدفه من هذا الكتاب هو نقل بعض خبراته ومعرفته الفنية إلى «الجيل الذى سيعطى حياتى معنى إذا انتقلت خبراتى إليكم وكانت دليلا لكم على طريق السعادة والمتعة». وتتبدى شخصية عدلى رزق الله من أول سطور الكتاب الذى يقدم فيها نفسه للقارئ بتواضع وبساطة ينفذان إلى القارئ حتى قبل أن يخطو إلى عالم اللوحة. وهذه هى أول رسالة (غير متعمدة) تصل إلى القارئ. فالفنان كبير القامة الذى صنع بلوحاته المائية طريقا متفردا وعلامة فارقة فى الفن المصرى يقدم نفسه لقارئه بتواضع الزهاد ك«فنان تشكيلى ورسام ومؤلف كتب أطفال منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما». بأسلوب بسيط يقدم رزق الله لنا مبادئ قراءة اللوحة مكتسحا فى طريقه تنظيرات بعض نقاد الفن التى تعوق قراءة اللوحة وتجعل منها شفرة صعبة الفهم بدلا من القيام بدور النقد الحقيقى كوسيط بين الفن والمتلقي. يبدأ بالحديث عن تكوين الشخصية السوية عن طريق القراءة والاطلاع وعن طريق السمع وعن طريق العين والطريق الأخير هو ما يرتكز عليه الكتاب. ينبهنا إلى أن العين ترى بشكل عابر ولكن «إذا اهتم الإنسان بالتأمل قليلا وأعطى لنفسه الوقت للتأمل- شمس الغروب مثلا أو شمس الشروق أو اهتزازات الضوء على سطح البحر أو تباين طبقات جبل مرتفع عال أو شكل معمارى جميل أبدعه لنا مهندس خلاق- فى هذا التأمل تكون المتعة للعين لنستمتع ونتعلم من تراث البشرية البصرى منذ أن أبدع فنان الكهوف الرسوم الأولى التى حفظها لنا التاريخ، مرورا بتاريخ طويل من الإبداع حتى نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادى والعشرين الذى نعيشه الآن». فى واحة عدلى رزق الله بإمكانك أن تتنفس بهدوء وأنت تنتقل بين الكلمات واللوحات. يمكنك أن تشعر بدفء اليد التى تحتضن كفك وتقودك من «زمن التلقي» إلى «سحر الفن» الذى لا يمكن تلقيه عن طريق العقل فقط ومنها إلى أهمية الأسطورة التى نعود معها إلى عقل الجماعات البشرية الأولى الذى حاول تفسير غضبة الطبيعة برعدها وبرقها وفيضاناتها وشراسة حيواناتها البرية ، حاول الإنسان أن يفهم فولدت الأسطورة. ومن الأسطورة إلى تاريخ الفنان مع الحرية وبعدها ندلف إلى عالم القيم الفنية، أى «الشروط التى يجب أن تتوافر فى اللوحة كى تصبح لها قيمة فنية تهبها الحياة»: التكوين والخط واللون وملمس السطح والإيقاع والظل والنور والمساحة. تكتسب تلك الجولة سحرها من حالة البطء الجميل التى يفرضها عليك إخراج الكتاب، فالعين تنتقل بشغف بين كلمات عدلى رزق الله ولوحات كبار الفنانين الممثلة للفكرة التى يقدمها. وعلى هوامش الصفحات العريضة لا يفوت عدلى رزق الله أن يكتب عن أهم المدارس التشكيلية كلمة تعريفية أساسية. هل بإمكاننا أن نحلم بيوم يعود فيه الطفل المصرى للقراءة بمزاجه ويكون الكتاب متاحا وسهلا وضروريا مثل رغيف الخبز؟ هل من حقنا أن نحلم بيوم يذهب فيه أطفالنا وشبابنا إلى معارض الفن التشكيلى لأنهم يريدون فنا جميلا وخيالا؟ هل من حقنا الحلم وسط كوارث وأزمات تتعلق جميعها بالبقاء أحياء فى مجتمع تزداد فيه صعوبة العيش يوما بعد يوم؟ أسئلة حزينة فجرها فى كتاب صغير الحجم كبير القامة للفنان الكبير عدلى رزق الله وأجاب عليها مؤكدا «من حقنا أن نحلم».