أفكر جدياً أن أنشئ موقعاً على الإنترنت يدعو ويشجع المصريين بكل طوائفهم وفئاتهم على العمل والتفكير والشعور الإيجابى. عندى اعتقاد يستند إلى حقائق علمية بأن الأفكار والمشاعر الإيجابية لثلاثين مليون مصرى - كبداية - كفيلة بأن تطيح بحكومة نظيف.. تستبعد طاقم وزرائه.. وتجهض خطط مهندسى توريث جمال مبارك عرش مصر، وتنجح فى استئصال سرطان الفساد الذى استشرى فى جسد الأمة. عندى اعتقاد قوى بأن الانهيار شبه الكامل لجميع صور الحياة فى مصر الآن سببه اثنان بالمائة فقط من تعداد السكان، يصفهم علم النفس بمرضى «البارانويا»، أو الشعور الفردى بالتفوق والعظمة، وهو المرض النفسى الذى سيطر على عقل ومشاعر القائد النازى أدولف هتلر، وبسببه اندلعت الحرب العالمية الثانية التى تم على إثرها تدمير أوروبا على نحو غير مسبوق. أما المرض الثانى لهذه الفئة الضئيلة من سكان هذا البلد فيوصف أصحابه بEgomaniac أى الهوس بعشق الذات، وأصحابه يسلكون طريق «أنا» ومن بعدى الطوفان. خبزهم اليومى يغمسونه فى طبق ميكافيلية الغايات التى تبرر الوسائل غير المشروعة مهما بلغت عفونتها وروائحها الكريهة. ومن بين أمراضهم الأخرى، خداع الذات وهلاوس العقل حينما يتصور أنه إنما يقتل الشاة لا ليأكلها ولكن ليحميها من خطر الذئاب. المشكلة هنا أن هؤلاء المرضى النفسيين غالبا ما ينجحون فى اقتناص مواقع صنع القرار على رأس المؤسسات الحيوية فى الدولة، لأسباب تعود إلى ضعف الدولة ذاتها، وغياب العدالة والتحايل على القانون والدستور، وهو الوضع الذى يصح معه وصف الدكتور جلال أمين بالدولة «الرخوة». تأكدت من ضرورة إنشاء هذا الموقع الإلكترونى ليجمع أكبر عدد من المصريين ليشجعهم على ترميم الصدع الغائر الذى أصاب الصحة النفسية لغالبية المواطنين وأصبح يتهددهم بأمراض اليأس والاكتئاب والعزلة النفسية. هذا الكلام أكد عليه الدكتور أحمد عكاشة فى المحاضرة التى ألقاها فى الكونجرس الاسكندنافى للطب النفسى، حيث دعا إلى ضرورة تمكين الشعوب والمؤسسات المدنية من تطبيق قواعد حقوق الإنسان على شعوب دول العالم الثالث، وأن تكون «كرامة» الفرد هى العنصر الأساسى للحياة الكريمة. هذا الكلام مع صحته أجده من حيث التطبيق العملى يحوى نوعاً من التداخل المعقد، بين إحساس الفرد بكرامته الإنسانية وبين فقره وبطالته وحاجته لسكن نظيف وعلاج جيد رخيص؟ هنا يصبح الأمر أشبه بمعضلة: البيضة الأول ولا الفرخة، الكرامة أم رغيف العيش، مين قبل مين؟! فى رأيى أن «الكرامة» تأتى أولاً لأنها تعبير عن الصحة النفسية للفرد. ولأن الشعور بعزة النفس وكرامتها تؤديان إلى رفض الظلم والتمرد على أشكال الاستغلال وتكشفان الأقنعة عن مرضى البارانويا الذين يترأسون مؤسساتنا الحيوية. الفرد الذى تتم تنمية شعوره بالكرامة يرفض أن يلقى بالقمامة إلى الشارع، لا يقبل أن يغش فى الامتحان، يحرص على نظافة اليد والبدن والخلق، يحترم قواعد المرور، يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ولا يرضى له ما يكرهه لنفسه. هذا الفرد هو الذى يجب أن تعمل على تربيته وتنميته المحطات الفضائية الخاصة والصحف المستقلة، وكُتاب القصة والرواية والمسرح والدراما التليفزيونية ومواقع الإنترنت. هذا النوع من المواطنين هو ما تحتاجه مصر اليوم.. لا غداً، ليخلصها من المستنقع الغارقة فيه ومن حراسه المتشددين. بناء «كرامة» الفرد هو خير وسيلة لبناء أمة عفية. aishaaboulnour.com