ذات صباح باغتنى صديق بسؤال صادم: «لو رسمت الموت ترسمه ازاى؟».. رددت بتلقائيتى المعهودة: أرسمه... أرسمه.. أرسمه وحش لابس أسود فى أسود!.. ضحك صديقى من إجابتى المتسرعة.. ومضى! الغريب أن هذا السؤال ظل يراودنى طوال اليوم.. هل فعلا لو رسمت الموت.. حارسمه وحش لابس أسود فى أسود؟؟؟ لو أنك سألت أى شخص هذا السؤال لكانت إجابته هى نفس إجابتى تماما.. إلا أننى وبعد قليل من التأمل وجدتنى كنت متسرعا جدا فى الإجابة. لقد كان الموت رحيما بوالدى وأنقذه من عذابات الأيام الأخيرة بعد سلسلة من الأخطاء الطبية الحمقاء التى لا أجد داعياً لذكرها الآن. وكان رحيما أيضا بجدى وجدتى وأنقذهما من الوحدة وآلام الشيخوخة.بل إن رحمته امتدت أيضا لتنقذ طفلا من عائلة زوجتى بعد تعرضه لحادث أليم. كان الموت رحيما جدا وذا نظرة صائبة.. بل و«حسيس» أيضا. وكان هذا هو قرارى النهائى.. لو رسمت الموت سأرسمه على هيئة ملاك رحيم. سأرسمه شيخا طيبا بدقن بيضاء، يتحرك على أطراف أصابعه برفق ويخرج حاملا فى صرته الروح التى جاء من أجلها بكل هدوء ورقة دون أن يزعج أحدا. فى مستشفى «الأنجلو» وفى قسم العناية المركزة وتحديدا فى الغرفة رقم «10» يرقد عمى «أحمد فؤاد سليم» الفنان التشكيلى الشهير فى غيبوبة تامة قاربت على الدخول فى أسبوعها الثانى. فى غياب تام من وزارة الثقافة بعد أن أفنى عمره فى خدمتها، وتدرج فى مناصبها، وحاز لمصر العديد من الجوائز والأوسمة والنياشين. أزوره كل يوم وأتذكر أنه أول من علمنى الرسم عندما فاجأنى بسبورة وعلبة من الطباشير الأبيض فى عيد ميلادى الرابع، ثم فتح العلبة ورسم على السبورة سيارة صغيرة يركبها طفل يشبهنى فى ملامحه.. وعندما لاحظ لمعان الفرحة فى عينىَّ ضحك ضحكته البريئة المعهودة ومضى. أراه كل يوم وألحظ الذبول التدريجى الذى يحدث له، لقامته الممشوقة وضحكته وشعره وابتسامته، وأتاكد تماما من أن إجابتى الأولى، كانت هى الإجابة الصائبة. الموت وحش شرس قاس يرتدى ملابس داكنة ويهم بخطف شخص عزيز جدا على نفسى.