تعددت الأمراض والسبب واحد، إنه الفيروس الميت الحى، تخيلوا حال العلماء قديما وهم يحاولون فك شفرة لغز هذه البللورة «دكتور جيكل ومستر هايد»، التى تظنها جثة تحت الميكروسكوب، فإذا بها أخطبوط بألف ذراع وألف مخلب، عندما تتسلل إلى الخلية الحية، الفيروس هو أكبر لغز فى التاريخ واجه العلم، السؤال كان عويصا ومستفزا، والإجابة كانت شبه مستحيلة. كان السؤال: ما هى العلاقة بين مرض الأنفلونزا وشلل الأطفال والكلب والحمى الصفراء والجدرى والتيفوس والحصبة، وفيروس (سى) فى الإنسان، والطاعون والبقر والخيل، والتهاب الجلد فى الماعز، والحمى القلاعية فى الماشية، ومرض تقزم الأرز واصفرار الخس، وتجعد البطاطس، وتبقع الفاصوليا وقصب السكر، وموت أطراف المانجو؟! كيف يستطيع هذا الشئ البللورى أن يتسبب فى كل هذه الأمراض، السمك لبن تمر هندى؟ وكيف تستطيع معدته هضم هذا الكوكتيل الجهنمى؟!. الفيروس ببساطة عبارة عن غلاف بروتينى بداخله الرنا أو الدنا، كما يفضل ترجمتها أستاذى د. مستجير، وال «دى. إن. إيه» أو »الدنا» هو سر الحياة وشفرتها الوراثية السحرية، وهو الذى يحتفظ بالفوتو كوبى، الذى يجعل الإنسان ينجب إنسانا، والضفدعة تنتج ضفادع، وهكذا، والفيروس لا يملك من حطام الدنيا إلا هذه الشفرة، لا يملك هورمونات، أو إنزيمات، أو أجهزة طاقة.. الخ، ولكنه ما أن يدخل الخلية حتى يخلع جلبابه البروتينى ويتسلل إلى مراكز القيادة والحكم، ويقتبس روح النواة، وكما يفعل أصحاب شركات توظيف الأموال، يقنع الفيروس النواة بأنه سيساعدها ويوظف بروتيناتها، وهو يعرف أن الأوامر فى الخلية تترجم إلى بروتينات بأشكال مختلفة، كل شكل بروتينى عبارة عن أمر، وعندما يستتب الأمر للفيروس يبدأ فى إصدار الأوامر لصالحه، ويتكاثر من واحد إلى آلاف وملايين، وكل واحد منها يبدأ نفس القصة، ويسرق روح الخلية وعقلها ليتركها جثة هامدة، ثم يقفز على أخرى، وهكذا تبدأ السلسلة الفيروسية الجهنمية. الحرب التى شنها الفيروس على البشر كانت عنيفة وضحاياها بالملايين، شلل الأطفال راح ضحيته فى وباء نيويورك عام 1916 ما يقرب من 9000 طفل، ثم 13000 ضحية فى وباء 1931، أما الإنفلونزا ففى وباء 1918 حصدت أرواح أكثر من 20 مليون مريض! وكان معظمهم من الشباب، ويقال إن الجدرى قتل ثلاثة أضعاف هذا العدد، أى ما يقرب من 60 مليون، والحصبة أصابت 49 ألف جندى أمريكى فى اجتياح مفاجىء، والحمى الصفراء قضت على أحلام نابليون والخمسة وعشرين ألف جندى فرنسى، عندما وقف الفيروس مع المستضعفين فى هايتى وقتل 22 ألف جندى فرنسى، وكذلك حطمت الحمى الصفراء آمال الفرنسى ديليسبس فى حفر قناة بنما، عندما انتشر الوباء بين عماله، وعندما قضت على 60 ألف إسبانى عام 1800، أما التيفوس فقد قتل 600 ألف إيرلندى وثلاثة ملايين روسى عن طريق القمل! لكن هل وقف العلماء مكتوفى الأيدى؟ إجابة السوال يوم الإثنين المقبل.