«كتير» منا تحت خط الفقر..هو شعار الحملة الإعلانية التى تتبناها إحدى المؤسسات التى تعمل فى مجال الخير وروجت لها على مدى شهر رمضان الكريم، لدفع الناس للانتباه لهذه الظاهرة ومن ثم تدعيم نشاطات المؤسسة لتقديم الخدمات المتنوعة لهؤلاء الفقراء..وهو أمر محمود ولا شك ولا اعتراض لنا عليه.. بيد أن الإعلان كان يستوقفنى فى كل مرة يذاع فيها أذيع آلاف المرات فيما أظن فبمجرد ما كان الصوت المصاحب للإعلان ينتهى من جملته الاستهلالية: «كتير منا تحت خط الفقر»،حتى كنت أجدنى أقول مباشرة وبشكل ميكانيكى فى كل مرة أشاهد فيها الإعلان «ليه؟».. لم تكن انطلاقة كلمة «ليه» على لسانى وفى أغلب الأحيان بصوت مسموع تستغرق أى وقت ما بين التفكير فى الأمر والتفوه بها. ■ وأقصد لماذا يوجد فقر فى مصر؟ ■ ولماذا «الكتير» منا تحت خط الفقر؟ (2) إن طرح أسئلة من هذا النوع بات أمرا ضروريا.. لأن عملية تفسير الظاهرة أى البحث وراء حدوثها وتناميها إلى حد غير مسبوق سوف يساعد على التعامل معها.. وفى نفس الوقت فإن طرح ملف الفقر للنقاش إنما يعنى تغير: ■ التصورات التى تتعاطى مع ظاهرة الفقر وكأنه قدر محتوم وأن الفقراء قد خلقوا فقراء وأنه مكتوب عليهم أن يظلوا هكذا، وأن وجود أغنياء وفقراء هو من حقائق الحياة التى لا يمكن تغييرها قط. ■ والنظريات التى سوق لها الليبراليون الجدد من دعاة السوق بأن الأفراد الفقراء هم المسؤولون عن فقرهم، وتحميلهم مسؤولية أوضاعهم. فلقد آن الأوان فيما أتصور بمراجعة كيفية فهم وإدراك وتفسير ظاهرة الفقر.. خاصة أن العالم الرأسمالى يراجع نفسه بشكل حاسم فى هذا المقام.. حيث تؤكد كثير من الدراسات الحديثة أن قوى هيكلية قائمة فى بنية المجتمع مثل الطبقة والمكانة والإثنية بالمعنى الواسع للمصطلح والمنزلة المهنية، تتحكم فى تنامى الفقر من خلال سوء توزيع الموارد وعدم إتاحة الفرص أمام الجميع وذلك لتحقيق المساواة. فالحرمان من الفرص يعنى تضييع فرصة الترقى.. فعلى سبيل المثال هناك من يقول إن الفقير لن يستطيع التعلم وإن التعليم سوف يكون عبئا، والرد ألا يمكن أن يكون التعليم متى أتيح للفقير أن يكون فرصة للترقى الاجتماعى. (3) مع احتدام الأزمة الاقتصادية العالمية وفشل الرؤية النيوليبرالية بما حملت من وصفة اعتبرتها سحرية لم نزل نحن نؤمن بها فى بلادنا وبالنتيجة اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.. بدأت الدول التى تنتمى إلى الغرب الرأسمالى فى أن تراجع نفسها.. فبحسب أنتونى جيدنز عالم الاجتماع الكبير وصاحب فكرة الطريق الثالث، حيث يقول :»ما العمل؟ هل بات لزاما علينا أن نستسلم لنظام اجتماعى نضع فيه كل آمالنا من أجل تحقيق المساواة، ثم يكون مصيره الإخفاق التام؟..كما تشير دراسة صدرت منذ عامين بعنوان:»منظور جديد للفقر والتفاوت» بأنه:..لا ينبغى ألا نقبل بسياسات توزيع تضع عبء مستويات المعيشة الأدنى والأطول مدى على عاتق الفقراء.. «وعليه يطرح الكتاب أهمية الدراسة المتعددة الأبعاد للفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعى». وعليه تدور مناقشات مهمة على مدى العامين الأخيرين (نتيجة إخفاق اقتصاد السوق من جهة، والأزمة الاقتصادية العالمية من جهة أخرى نتيجة الاقتصاد الذى أغدق فقرا على المجتمعات التى كانت تظن نفسها متقدمة بحسب المرجع الذى يحمل نفس الاسم فما بالنا بواقعنا الذى يجاهد من أجل النمو)، من أجل تجديد كل من: ■ سياسات التنمية، ■ والسياسات الاجتماعية، بشكل يراعى التوازن والمساواة وإتاحة الفرص أمام الجميع وتوفير الحد الأدنى من الرعاية والتأمين للجميع لمن يملك ومن لا يملك..أليس «الفقر» ملف جدير بأن نتضامن حوله ويأتى كأولوية على كثير من الموضوعات التى تستهلكنا وتستغرقنا.. فعل الخير ضرورة ولكن هل يكفى التوجه الخيرى لحل مشكلة الفقر التى تهدد مستقبلنا فى الصميم لأنها قد أصابت «كتير» من المصريين .. يا تٌرى «ليه» ؟