ميناء دمياط يستقبل 38 سفينة متنوعة خلال 24 ساعة    الإسكان: استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالى    تنفيذ 31 قرار غلق وتشميع لمحال وحضانات ومراكز دروس خصوصية مخالفة    فقدان 23 تونسيا بعد رحلة على متن زورق إلى سواحل إيطاليا    ترامب يطالب البيت الأبيض بالاعتذار عن محاكمة أموال الصمت.. اعرف السبب    آخر تطورات الحرب "الروسية- الأوكرانية".. موسكو تواصل التقدم على الأرض وكييف تستمر في طلب المساعدات المالية والعسكرية.. "زيلينسكي" يُدخل قانون التعبئة العسكرية حيذ التنفيذ.. والغرب ينتظر المنتصر في معركة خاركوف    ربيع ياسين: الأهلي والزمالك يرعبان أى فريق.. وميتخافش عليهم    حافلة بيراميدز تتوجه إلى الإسماعيلية لمواجهة الدراويش غدًا.. صور    خطوة تفصل نور الشربيني عن إنجاز تاريخي بعد التأهل لنهائي بطولة العالم للاسكوش    الحكم على سائق متهم بقتل جاره لسبه فى بولاق الدكرور 22 مايو    حبس متهمين بالنصب على مواطنين بتغيير العملات المحلية لأجنبية بحلوان 4 أيام    تعرف على متحف تل بسطا بالزقازيق أهم مزار سياحي في الشرقية.. صور    أكرم القصاص: التحركات المصرية أحبطت أى مخطط لتصفية القضية الفلسطينية    القاهرة الإخبارية: طيران الاحتلال يواصل شن غاراته على مخيم جباليا شمال غزة    وزارة الحج: دخول السعودية بتأشيرة عمرة لا تمكن حاملها من أداء الحج    بدون أدوية.. كيف تتحكم في ارتفاع ضغط الدم؟    موجة حارة حتى نهاية الأسبوع..هتعمل إيه لو ظهرت عليك أعراض ضربة الشمس؟.. احرص على التهوية الجيدة وتجنب الملابس الضيقة.. رطب جسمك بالكانتلوب والبطيخ والخيار..واجعل طفلك يشرب الكثير من الماء ويتناول الخضر والفاكهة    جامعة طنطا تعالج 6616 حالة بالقرى الأكثر احتياجا ضمن "حياة كريمة"    مطالبة برلمانية بكشف سبب نقص ألبان الأطفال    الشهابى: الشعب المصرى يقف خلف القيادة السياسية لدعم القضية الفلسطينية    كبير الأثريين: اكتشاف آثار النهر بجوار الأهرامات حل لغز كيفية نقل أحجارها    منتخب مصر للساق الواحدة يتعادل مع نيجيريا في افتتاح بطولة أمم إفريقيا    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    مرصد حقوقي يحذر من تفاقم الأوضاع الإنسانية بغزة جراء سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    تراجع كبير في أسعار السيارات بالسوق المحلية.. يصل ل500 ألف جنيه    قبل مناقشته ب«النواب».. «الأطباء» ترسل اعتراضاتها على تأجير المستشفيات لرئيس المجلس    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لاهتمامه بعمارة بيوت الله    أشرف زكي ومنير مكرم في عزاء زوجة أحمد عدوية    مدير «القاهرة للدراسات الاقتصادية»: الدولة تسعى لزيادة تمكين القطاع الخاص    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بالوادي الجديد    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024 في مصر.. ومواعيد الإجازات الرسمية يونيو 2024    تعديل مواعيد مترو الأنفاق.. بسبب مباراة الزمالك ونهضة بركان    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    خسر نصف البطولات.. الترجي يخوض نهائي دوري الأبطال بدون مدرب تونسي لأول مرة    مهاجم الترجي السابق يوضح ل "مصراوي" نقاط قوة وضعف الأهلي    منها تعديل الزي.. إجراءات وزارة الصحة لتحسين الصورة الذهنية عن التمريض    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    مصير تاليسكا من المشاركة ضد الهلال في نهائي كأس الملك    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    مطار ميونخ الألماني: إلغاء 60 رحلة بسبب احتجاجات مجموعة "الجيل الأخير"    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    هام لطلاب الثانوية العامة.. أجهزة إلكترونية ممنوع دخول لجان الامتحان بها    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنها لا تعمى الأبصار
نشر في المصري اليوم يوم 25 - 09 - 2009

هل تصدق أن يكون الكفيف طبيباً أو ضابط شرطة أو عالماً فى الرياضيات؟ هل تصدق أن يكون الكفيف لاعب تنس أو مهندس كمبيوتر أو رساماً؟ هل تصدق أن يكون الكفيف مثل غيره من بنى البشر، يعيش ويحلم ويحب، له ما لهم من حقوق، وعليه ما عليهم من واجبات؟ قد تستغرب كل هذه الأمور إذا نظرت إليها من نافذة واقعنا المهزوم المريض المعاق، لكنك لن تندهش أبداً، إذا وزنت الإنسان بعقله وقدراته وطاقاته، إذا فهمت أن الإبداع ليس حكراً على سليم أو معاق، أبيض أو أسود، عربى، أو أجنبى، وبإمكان كل الناس ممارسته إذا ابتعثت فيهم مكامن التميز.
كل البشر فى العالم له روح وجسد، له قلب ودماغ، يعيش فى مجتمعات يأكل ويشرب ويتزوج وينام، ومع ذلك هناك بشر ركب الفضاء، وبشر ركبته القمامة، هناك بشر وعى قيمة الإبداع، وبشر قتل المبدعين، وهذا معناه أن الناس متساوون فى مقومات الحياة، لكنهم مختلفون فى القدرة على توظيفها، وهكذا ندرك أن الكفيف متساوٍ مع غيره فى كل شىء، إلا فى فقدانه نور العينين، وتعطيل حاسة ليس معناه تحديد إقامة صاحبها، بل تعويض هذا النقص فى بقية الحواس الأخرى، وبذلك فما يستطيعه الآخرون لا يصعب عليه، وبإمكانه فعل كل شىء، طالما وثق بنفسه، ووثق به الآخرون، ووجد من يخرجه من ظلمة ليست باختياره لنور يرى به نفسه، ويراه به العالم من حوله.
فى الولايات المتحدة أم الحضارة المعاصرة يشعر الإنسان باحترامه لنفسه، ليقينه فى احترام الآخرين له، تفتح شهيته على الإبداع لأنه يعايشه فى كل لحظة، وطبيعى أن يفرز هذا المناخ، أسوياء متجاوزين عجزهم إلى درجة التحدى. (إسرف أرماجان) تركى يعيش فى أمريكا، أذهل العالم بعبقريته فى رسم لوحات رائعة بألوان منسجمة رغم أنه لم ير النور مطلقاً، المعجزة لا تخص الرجل وحده، بل تخص الشعب الذى فجر فيه الطاقات، وأعانه على عاهته. (نول برى) عاش أوائل القرن الماضى بفرانكفورت، ودرس فى جامعتها، ثم سافر إلى سويسرا ليحصل على درجة الدكتوراه فى علم الرياضيات، ليكون بذلك أول كفيف يفوز بهذه الدرجة المرموقة، فى هذا المجال الصعب.
يعتبر البعض أن تعيين الكفيف ضابط شرطة، فكاهة تستوجب الضحك، لكنها فى واقع الأمر ليست فكاهة، فقد أطلق مركز هولندى تابع لأكاديمية الشرطة هناك، مشروعاً لتوظيف المعاقين بصرياً فى العمل الشرطى، واستثمار حاسة السمع القوية عندهم فى التنصت على المكالمات الهاتفية للمجرمين والهاربين المشتبه بهم، وبالفعل تقدم للعمل كثيرون، وتمت الاستفادة من خبراتهم السمعية، ونجحت التجربة، واستطاع حوالى عشرين ضابطاً أن يبلوا بلاءً حسناً فى مجال مكافحة الجريمة،
وفى الصين أدركت السلطات أن عدد المكفوفين بلغ حوالى 8 ملايين شخص وهو عدد كبير لا يصح أن يتحول إلى عالة على المجتمع، ويجب أن تتضافر الجهود لإنقاذه من السقوط فى دوامة الفقر، وبعد تفكير وتأمل، اهتدى البعض إلى أن التبرعات والإعانات، لم ولن تحل المشكلة وستزيد البطالة والعطالة ولابد من العمل على إيجاد رزق دائم يحصل عليه هؤلاء بسهولة، من خلال جهد حقيقى يحبب إليهم الحياة، واستقر الرأى على أن أفضل الأعمال التى يمكن لهؤلاء ممارستها، تلك التى تعتمد على حاسة اللمس،
وكان التدليك أفضل وظيفة يمكن تدريبهم عليها، وخلال فترة محدودة نجح 90 ألف ضرير فى التدريب على هذه المهنة، وتحقيق شهرة لا بأس بها فى ممارستها داخل العاصمة بكين وغيرها من المدن الأخرى، والغريب أن هناك الآن كثيرين يفضلون الذهاب لأندية صحية بها مدلكون من المعاقين بصرياً، دون سواهم، لثقتهم بحساسيتهم الزائدة وقدرتهم على أداء هذا النوع من العمل.
فى عام 1973 كان هناك شاب بصير يسير بمفرده بأحد الشوارع الرئيسية فى طوكيو، ووسط انشغاله بهمه، وانشغال الناس عنه، سقطت قدماه فوق شريط المترو وفقد حياته، لم تبحث الحكومة وقتها عن مبررات لهذا الخطأ الفادح، وقررت الاعتذار بأن أخذت على عاتقها تأمين فاقدى البصر من أى أخطار قد تواجههم أثناء السير، وأعدت لهم خطاً أصفر موازياً للطرق العادية يسيرون عليه، ممهداً، بارزاً، ليسترشدوا به فى كل مكان، وكل الاتجاهات، كما أعدت لهم ملاعب تتناسب مع إمكانياتهم، ومكتبات بلغ عدد الكتب المطبوعة فيها بطريقة برايل 70 ألف كتاب.
هذه المجتمعات المتحضرة، كل همها دمج المعاق عموماً، والكفيف خصوصاً فى الحياة، وهو ما سبق أن دعا إليه ديننا الحنيف، أما فى مصر فلا تدريب لحاسة اللمس أو السمع، لا شوارع ولا ملاعب ولا مكتبات محترمة، والمصابون بالعمى يقودهم عميان، وتطاردهم قسوة الطريق قبل قسوة البشر، فمنهم من تعثر فى صخر أو سقط فى بالوعات وحفر، ولم يعتذر إليه أحد، منهم من سقط فوق شريط سكة حديد أو تحت عجلات المترو أو فى النيل، ولم يعتذر إليه أحد، منهم من استذكر واجتهد، وذاق الأمرين وحصل على أعلى الشهادات العلمية ورغم كل التضحيات لايزال حبيس جدران العاهة وسجن المجتمع وقسوة القلوب وتحجر العقول، ولم يعتذر إليه أحد.
العاهة يحرسها المجتمع المعاق، وتعين عليها المجتمعات المتحضرة، والطاقات والإبداعات يهدرها المجتمع المعاق، وتفجرها المجتمعات المتحضرة، وأن يكون الكفيف متسولاً أو مجرد قارئ للقرآن فى المقابر أو عاطلاً أو مهزوماً أو ميتاً حياً كلها أمور حاصلة فى المجتمع المعاق، أما أن يكون ضابطاً أو طبيباً أو رساماً أو مهندس كمبيوتر فهذا مستحيل تحقيقه إلا فى المجتمعات المتحضرة، المجتمعات التى تؤمن أكثر من المتدينين بالإسلام حالياً بقوله تعالى: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.