نجحت السوق العقارية المصرية فى مقاومة واستيعاب أسوأ أزمة مالية فى تاريخ العالم، ورغم انهيار أسواق عقارية عربية وعالمية، فإن السوق المصرية كانت من أقل الأسواق تأثراً بالأزمة، لأسباب مختلفة، منها أن الأسباب التى أدت إلى انهيار الأسواق العالمية لم تكن موجودة أساسا فى مصر، ومن ضمنها منظومة التمويل العقارى والائتمان على المكشوف والتى كان لضعفها فى مصر فائدة كبيرة، بالإضافة إلى قوة الطلب الفعلى على العقارات، وتقلص حجم الاستثمار والمضاربة على العقارات. نحاول فى هذا التحقيق أن نرصد، مع قرب مرور عام على الأزمة، ماذا حدث للسوق العقارية، وحجم التأثر، والتغيير، والإيجابيات والسلبيات، ومستقبل العقارات فى مصر خلال الفترة المقبلة. من جانبه قال أيمن الليثى، رئيس شركة ترينتا للتسويق العقارى: «الفترة الأخيرة شهدت هدوءا تاما فى حركة البيع والشراء نتيجة الخوف والحذر من انخفاض الأسعار، مما نتج عنه انخفاض طفيف فى الأسعار، وهبوط حاد فى المبيعات، أحدث أزمة فى السوق، ولكنها بدأت فى التراجع التدريجى مؤخرا، وكان الإسكان الفاخر هو أكثر القطاعات تأثرا بالأزمة، وفى المقابل لم يتأثر الإسكان الاقتصادى والشعبى لانخفاض هامش الربح فيه، وارتفاع حجم الطلب الحقيقى عليه. وأضاف: «السوق المحلية مقسمة إلى 40% طلباً بغرض السكن، و60% طلباً بهدف الاستثمار والاستفادة من إعادة البيع أو الإيجار، والذى حدث أن القطاع الحيوى والفعلى انخفضت نسبته وأحجم 60% منه عن الشراء، كما توقف الطلب من القسم الثانى الهادف إلى الاستثمار بشكل كبير، مما جعل الطلب فى السوق العقارية بمختلف شرائحها ينخفض بنسبة تصل إلى 70%. وأكد الليثى أن نسبة الطلب المحدودة، التى لا تتعدى 30 % خلال عام الأزمة ستتضاعف خلال الفترة المقبلة لتصل إلى 70%، وذلك بعد تصحيح السوق لنفسها وعودة التوازن فى الأسعار، وإن كانت المؤشرات تؤكد أن الأسعار سترتفع خلال الفترة المقبلة مع عودة الطلب، ورغبة الشركات والأفراد فى تعويض خسائر العام الماضى. وقال شادى شريف، مدير قسم البحوث بشركة كايرو كابيتال للاستشارات المالية: «السوق الثانوية (الشعبية) توقفت فيها حركة المبيعات بنسبة كبيرة، بسبب أزمة السيولة وعدم قدرة الأفراد على دفع المقابل المادى للوحدات السكنية (كاش)، كما انخفضت مبيعات الإسكان الفاخر بشدة بسبب تشبع السوق وتأثر دخول هذه الفئة بسبب الأزمة وانهيار البورصة، وتعثر عدد كبير من الحاجزين، مما أدى إلى إلغاء الحجوزات، ولكن فى المقابل لم تشهد مبيعات الوحدات السكنية المتوسطة والاقتصادية التابعة للشركات تأثرا كبيرا، وذلك بعد تعديل أنظمة الدفع وتقديم تسهيلات فى السداد تصل إلى 10 سنوات بدلا من 4 سنوات، بالإضافة إلى أن تخفيض الفائدة المتكرر ساهم فى مساعدة الشركات العقارية وإحداث توازن». واعتبر الإسكان المتوسط والاقتصادى هو قاطرة العقارات فى الفترة المقبلة، وسيساهم اتجاه الشركات إلى هذه الشريحة الكبيرة من الطلب فى انتعاش السوق العقارية. وأكد نهاد عادل، رئيس شركة كولديل بانكر مصر، أن تأثر السوق العقارية المحلية بالأزمة محدود جدا، وتعتبر مصر أقل دولة تأثرا فى محيطها العربى والإقليمى، ورغم انخفاض أسعار الوحدات العقارية الفاخرة بنسب تتراوح بين 25% و30%، عنها قبل الأزمة فإنها نسب جيدة إذا ما نظرنا إلى مدينة مثل دبى، التى بلغ فيها الانخفاض بين 50% و70%، كما أن الإسكان الاقتصادى والشعبى فى مصر لم يتأثر لا من حيث الطلب ولا الأسعار، والذى يعتمد فعلا على الطلب الحقيقى بعيدا عن المضاربات والاستثمار فى الوحدات السكنية. وأشار إلى أن السوق استطاعت استيعاب الأزمة والاستشفاء منها بشكل سريع، فبعد صدمة الشهور الأولى للأزمة وحالة الترقب والهدوء انتظارا لانخفاض الأسعار، عاد الطلب مجددا وشهد الربع الثانى من العام الجارى نشاطا ملحوظا، خاصة لهواة اقتناص الفرص، كما أن السوق فى مجملها خلال عام الأزمة لم تشهد ركودا وخمولا وإنما مرت بفترات تباطؤ فى المبيعات والطلب. وتابع نهاد: «قوة السوق تكمن فى تركيبة الطلب المتعارف وهى 5% للفاخر، و35% للمتوسط وفوق المتوسط، و60% للإسكان الاقتصادى والشعبى، وهى تركيبة متنوعة وتتضمن طلبا حقيقيا على العقار، خصوصا أن هناك أكثر من 500 ألف طلب سنوى من الشرائح المتنوعة على السكن، كما أن العقار فى مصر مازال هو الاستثمار الآمن. وأوضح أن حركة التصحيح السعرى التى شهدتها السوق بانخفاض الأسعار بين 25% و30%، خاصة فى المناطق الجديدة كمدينتى أكتوبر والتجمع الخامس، أعادت التوازن إلى السوق. وتوقع عادل أن يشهد عام 2010 موجة إقبال على العقارات، وانتعاشا فى المبيعات، بالإضافة إلى ضخ رؤوس أموال مصرية وعربية فى السوق العقارية باعتبارها مخزن القيمة والاستثمار الآمن، إلا أنه أكد أن الربع الأخير من العام الجارى لن يشهد انتعاشة كبيرة بسبب دخول شهر رمضان والمدارس، وإن كان سيمثل التمهيد للازدهار العقارى، مستدلا على ذلك بأن البورصة والتى وصلت إلى أدنى نزول لها مسجلة 3 آلاف نقطة، عوضت ذلك وبلغت حاليا 6 آلاف نقطة، مما يؤكد أن الانتعاش سيعود إلى الاقتصاد الوطنى وخاصة العقارات.