غربة المصريين (حراقة).. غربة الشباب تلسع الوجدان.. شاب فوجئت به وأنا أقف فى طابور الزائرين للصعود إلى تمثال العذراء الرائع فى جبل حريصة الذى أحرص على زيارة سيدة لبنان كلما زُرتُها فوجئت به يأخذ بيدى حيث عصاى عصتنى فجلست أنتظر دورى.. فوجئت بشلال لحنان يتدفق علىَّ وعلى صغيرتى.. ويغرينى بتقبيل يديه.. وليس وجنتيه فقط. - تعالى يا ماما نعم أنا أحد أبنائك.. أنا طبيب بيطرى من بورسعيد.. يعمل فى كافيتريا حريصة. ■ لماذا جئت؟ - لأعمل.. حيث لا عمل مُجدياً فى مصر الحبيبة؟ ■ حبيبة وهى لم تضمك بعمل مجز؟ - وسوف تظل حبيبة؟ ■ هل المرتب هُنا يُغنيك مادياً؟ - جداً ولكن الغربة تكوينى معنوياً؟ ■ هل اللبنانيون ليسوا عاطفيين؟ - أبداً إنهم فى غاية الحُب والذوق.. هنا يعطوننى أجراً أكثر من زملائى بل مثلهم مرة ونصف المرة ويقولون لى هذا ثمن غربة! ■ كيف لا تشعر بالأُلفة والسعادة؟ - لكى تعلمى حينما لمحتُكِ شممتُ رائحة أمى ونظرتها ويدها المعروقة الجميلة.. عرفتك من يدك التى منحتنى بها جائزة عام 1994، ونجحت وجبت مجموع ودخلت كلية الطب البيطرى وتمنيت أن أعمل فى المجزر الآلى وكان بينى وبين درجات تعيينى مُعيداً درجة ونصف الدرجة.. أُحبطتُ .. فسخت خطبتى بحُجة أننى مريض، فقد مر عليها عامان ولم أف بوعدى.. لا شقة ولا شبكة ولا مهر.. وأبى وأمى لديهما ثلاثة بعدى فى الجامعات.. آثرت السفر. ■ منذ متى أنت هُنا؟ - منذ أربعة أعوام؟ ■ لماذا لم تعد فى إجازة؟ - أخاف أن أجد حبيبتى تزوجت فشقيقتى تُراسلنى ولا تتكلم عنها أبداً. ■ يا ولدى قصة حُب وانتهت انزل وارتبط «تقليدى» وكوّن أسرة! - ما اقتصدته لا يكفى سوى شقة.. لا مهر ولا شبكة ولا عُرس.. ومصر تغيرت كيمياء الأهل فأصبح الزواج مذبحة للزوج. ■ كلامك صح.. نحن محتاجون لتغيير اجتماعى شامل.. زمان كنا نتزوج والبيت تنقصه حجرة السفرة وحجرة الصالون.. فقط حجرة النوم والمعيشة ومطبخ جميل.. لا أدرى لماذا لا نوصل هذه الرسائل للناس وجاء التليفريك ودفعنى إليه وظلت عينى عليه حتى وصلت لتمثال العذراء الوديع فى قمة جبل حريصة.. وقرأت آية الكرسى عشرين مرة ودعوت له عند قدمى العذراء سيدة لبنان بأن يعود ويجد حبيبته بانتظاره بحضن كبير حضن العمل.. حبيبته مصر. ■ متى تكون الأولوية فى العمل لجذب العاملين فى الخارج تعويضاً لبدل الغربة؟ ■ متى يفيق رجال الأعمال من تبرعاتهم المظهرية فى مشاريع مظهرية لا تدخل فى البنية الأساسية وينشئون مشاريع تخفف من البطالة؟ ■ متى يفيق رجال الأعمال ليخصصوا للشباب مبالغ لإعانة الزواج بشكل عقلانى - شقة - ليست مثل دُقوا المزاهر لأحمد عز ولكن شقق بكرامة وليست باعتراف بشهادات فقر على الملأ فى التليفزيون؟ ■ متى يُفكر مليارديرات مصر فى البلد الذى رفعهم من طبقة ضيقة إلى سحاب رأس المال المنهوب حتى يُفكروا فى الأخذ بيد الشباب بصرف النظر عن جمعية المستقبل ومشاريع (حضن الدولة) من أجل واو الوزارة.. نزلت بالتليفريك من حريصة.. وجدته ينتظرنى بكوب آيس كريم.. وخرزة زرقاء. - بلى ريقى وعلقى الخرز.. تمنع الحسد؟ - على إيه يا دكتور.. ورجلى عاصية.. فقط ألف وأدور من أجل حفيدتى مريم روحى التى تخرج من مصر لأول مرة.. - لأ.. من أجل مصر.. التى نحن محسودون عليها.. مصر الجميلة.. اللى وحشتنى عيونها من بورسعيد إلى أسوان..! ووضعت نظارتى السوداء - والله ما باكدب - لأدارى دمعة انحدرت ساخنة.. أداريها منه ومن حفيدتى التى لا أُحب أن ترى ضعفى. لقد انهرت من أجل الطبيب البيطرى، الذى نحتاج تراب رجلين علمه من أجل الثروة الحيوانية ويبيع ال«آيس كريم» فى أعلى قمم لبنان.. الذى أحييه لاحتضان مثل هذا الشاب وغيره من الشباب.. لبنان العمل والأمل.
