أود التذكير بما سبق أن نبهت إليه بأن ما أكتبه عن صراعات الأجنحة داخل النظام بين الحرس القديم والجديد.. وامتدادها إلى أفراد الجديد، ومدى سطوة رجال الأعمال فيه وما ظهر من صراع بين أقطابه، وتحفز قوى وأجهزة داخل النظام لمجموعة الحرس الجديد فى الحزب.. لا أسرار فيه، لأن كل معلوماته مُعلنة ومنشورة على لسان المشاركين فى هذه الخلافات، وبالتالى لا أجد سبباً لقيام البعض بنفيها ولأنها ظاهرة طبيعية داخل أى حزب ونظام.. وإلا لما حدث التطور والصراع وكنا قد توقفنا فى العدد قبل الماضى عند الحملة المفاجئة التى تعرض لها وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، فى صحيفة ومجلة حكوميتين اتهمتاه بالتطلع لرئاسة الوزارة والاستحواذ على اختصاصات وزراء الاستثمار والبترول والخارجية والتعاون الدولى، وعند اتهامات سابقة لرجل الأعمال المرحوم محمد نُصير بأن رشيد يتطلع لرئاسة الجمهورية، ويحاول أن يتقرب للناس بالتشبه ب«عبدالناصر». وقام الرئيس بوأد الحملة فى بدايتها واليوم نستكمل ونقول: لم يتوقف إظهار مبارك تأييده لرشيد على اصطحابه معه لزيارة مصنعى يونيفرسال وشمس فى مدينة السادات، واستبعاد محمود محيى الدين الذى حضر فى نفس اليوم اجتماع لجنة المرأة المتفرعة من المجلس الأعلى للسياسات برئاسة جمال مبارك، بل واصل دعمه له بأن اصطحبه معه إلى إيطاليا لحضور اجتماع المنتدى الاقتصادى لدول حوض البحر الأبيض المتوسط.. واستبعد محمود محيى الدين، وبحث رشيد تشجيع الاستثمارات فى مصر، بينما حضر محمود افتتاح أعمال المؤتمر الثالث للاستثمار فى مدينة السويس ثم توالت المعارك بين أجنحة النظام، وانفجرت علناً. فقد نشرت وزارة التربية والتعليم إعلاناً عن مناقصة لتأليف كتب وطبعها موجهة لمؤسسات مصرية وأجنبية.. وعلى الفور تعرض الوزير الدكتور يسرى الجمل لحملة عنيفة فى الصحف والمجلات الحكومية، اتهمته صراحة بمحاربتها بحرمانها من المورد الثانى لدخلها بعد الإعلانات، وهو طباعة كتب الوزارة وسرعان ما تطور الاتهام إلى مرحلة أخطر، بأن هناك خطة يتبناها وزراء لتحطيم المؤسسات الصحفية القديمة لحساب مصالح أخرى، وتركز الاتهام على وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالى، وإن لم يذكر رؤساء التحرير ومجالس الإدارات اسمه صراحة لكن بعضهم ذكر المنصب.. وهى الاتهامات التى وجهوها إليه منذ مدة عند بحث مشكلة تسوية ديون هذه المؤسسات. وهى معركة خاضها علناً صفوت الشريف ضد رئيس الوزراء ووزير المالية، ولقى دعماً من الرئيس، وكانت تهديداته واضحة بأن مخطط خصخصة المؤسسات الصحفية القومية لن يمر إلى أن فوجئ بما فعله وزير التربية من وراء ظهره، بحكم منصبه كأمين للحزب ورئيس للمجلس الأعلى للصحافة ولا يمكن ولو لثانية واحدة - تصور أن يقدم الوزير على ذلك دون موافقة رئيس الوزراء ولجنة التعليم بالمجلس الأعلى للسياسات. وكان هذا سبباً للعنف الذى رد به صفوت بأن هذا عمل لن يمر، وانطلقت حملة رؤساء تحرير الصحف القومية، التى أشرنا إليها، وبعضها ألمح إلى وجود مصالح خاصة.. وتم استدعاء الوزير للمثول أمام لجنة التعليم بمجلس الشورى، ورد بأن المناقصة هزيلة ولا تشكل تهديداً لموارد المؤسسات وانتهى الأمر بأن تنحصر عملية الطباعة فى المؤسسات، المصرية، وتكون المنافسة فى تأليف كتب المرحلة الابتدائية مفتوحة، وحتى يغلق صفوت هذه الثغرة أيضاً طلب من المؤسسات الصحفية التفكير فى الدخول بمجال وضع الكتب المدرسية، والمعركة الجديدة تدخل فيها الرئيس لدعم صفوت، وهو ما وضح من توجيه المجلس الأعلى للصحافة الشكر لسيادته.. أيضاً اندلعت معركة أخرى تسبب فيها وزير الموارد المائية والرى الدكتور محمد نصر الدين علام، عندما صرح بأنه تم صرف 12 ألف مليون جنيه على مدى خمس عشرة سنة على مشروعى توشكى وترعة السلام دون أى مردود، مما دفع بعض الصحفيين للتورط والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن إهدار هذه الأموال، وبعد ثلاثة أيام فوجئ الجميع بتصريحات مختلفة للوزير قال فيها إن توشكى من المشروعات القومية ويحظى بتأييد القيادة السياسية، وهى عبارة تنصرف للرئيس فقط، فما الذى حدث، وأدى لهذا التراجع؟ مع ملاحظة أن الوزير صديق لنظيف وهو الذى اختاره، مما يحمل شبهة التعبير عن رأى نظيف فى المشروع. ولم تكد هذه المعركة تنتهى حتى أشعل وزير الثقافة فاروق حسنى أخرى، عندما بادر بالتصدى لنظيف ووزير الزراعة وأحبط خطتهما لنقل حديقة الحيوان لمدينة السادس من أكتوبر وبيع أرضها للمستثمرين.. وهو ما تردد وكانت ضربته لهما قاتلة، فأثناء تفقده سير العمل فى المتحف الجديد، سأله أحد الصحفيين عن رأيه فى نقل الحديقة، فقال إنها وما فيها من حيوانات تعرضت لإهمال، وإنه لا يمكن نقلها لأنها ثانى حديقة حيوان فى العالم، ومر على إنشائها مائة عام وبالتالى تحولت إلى أثر تاريخى، ثم طلب من الدكتور زاهى حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، تسجيلها كأثر، وعلى الفور أرسل حواس لجنة أكدت أن فيها منشآت أثرية.. ونزلت الضربة كالصاعقة،على رئيس الوزراء ووزير الزراعة، الذى نفى وجود أى نية لنقل الحديقة، بينما كان قد أشار هو ورئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية الدكتور حامد سماحة فى مارس الماضى لوجود مشروع مقدم من مستثمرين لاستغلال حديقتى الحيوان والأورمان بنظام حق الانتفاع، لمدة خمس وعشرين سنة وشرح ماذا سيحدث من تطوير.. ومنه إقامة محال تجارية وترفيهية بطول أسوارهما، أى أن الخطة والاتفاق موجودان فعلاً. ويتم التسريب من وقت لآخر لتهيئة الرأى العام لتقبل الجريمة عندما تحدث.. ولا أعتقد أن نظيف الذى لم يظهر أيضاً فى صورة هذه المعركة، وكأن وزارة الزراعة جمهورية مستقلة عنه، لن ينسى هو ومن يتحفزون لشراء أرض الحديقتين، لفاروق حسنى، تلك الضربة التى سددها لهم، خاصة أن سؤال الصحفى له، ليكون مبرراً له، لكى يسدد ضربته، عملية مقصودة.. فإذا لم يكن هذا كله، وما سنشير إليه فى الأسبوع القادم صراعات بين أجنحة وقوى الحزب والنظام، فماذا يكون إذن؟