أتطلع حولى وأندهش، ما كل هذا الجمال والهدوء والنظافة والتناسق؟ جبال شاهقة تكسوها الخضرة وتتبعثر حولها فى انسجام البيوت ذات الأسطح الحمراء المائلة، لا يشذ بيت فيعلو على الأخرى ولا يتلون بغير ألوانها، ومن النوافذ والشرفات تتدلى صناديق تحمل أزهارا بلون البهجة وكأنها تكمل لوحة الفنان، طرقات فسيحة وميادين منسقة منمقة، وسائل مواصلات عامة نظيفة ومنتظمة ومركبات أخرى تسير فى هدوء لا تصدر صوتاً ولا تهاجم من يعبر الطريق، بل تتهادى وتتوقف حتى يمر، لا تحمل البلدة الصغيرة (كارلو فيفارى) فى جمهورية التشيك آثاراً للثراء أو الفخامة، وليس بها ما يبهر العين ويتحداها سوى المناظر الطبيعية الخلابة، لكنها تمنح السكينة والراحة لمن يذهب إليها كمنتجع سياحى وعلاجى فى آن واحد. ونصل إلى فكرة المنتجع السياحى العلاجى، والسياحة هنا لا تنفصل عن العلاج حتى ولو كان مجرد الاستشفاء والتخلص من آثار الضغوط العصبية والجسدية، أنظر حولى فى كارلو فيفارى فلا أجد شيئاً لا نقدر على عمله أو على الأقل تقليده.. عيون مياه معدنية هى ما تميز المكان فقط، أعطوا لكل منها رقماً ومكاناً فسيحاً ووصفوها علاجاً لأمراض بعينها أو تنشيطاً لأحد أجهزة الجسم كالكبد والكلى والمفاصل.. احتفاؤهم بعيون المياه الطبيعية يمثل قدر أهميتها لهذا المكان، الذى يعيش عليها ويرتزق من ورائها ثم ابتكروا حولها أساليب أخرى ووسائل للراحة والعلاج يمكن أن توجد فى أى مكان آخر من العالم تتم فى غرفة مغلقة، ويقوم بها إخصائيون مدربون. أنظر حولى من جديد وأتساءل: أين مصر من خريطة السياحة العلاجية فى العالم؟ ويجيب د.حمدى السيد، نقيب الأطباء وزميل الرحلة : إلى الآن مصر بعيدة عن خريطة السياحة العلاجية على الرغم من أننا نملك إمكانية أن نقدم مكوناً فريداً من السياحة والعلاج والثقافة فى آن واحد، إمكانياتنا السياحية الفرعونية والإسلامية والمسيحية متنوعة وغزيرة ونملك معها دفء الشتاء وسطوع الشمس طوال العام، البنية التحتية لإمكانياتنا الطبية التكنولوجية متقدمة ولدينا أطباء متميزون وعلى مستوى علمى رفيع، لدينا أيضاً قدرة فندقية يمكنها أن تستوعب القادمين بسهولة، بالإضافة إلى وفرة مناطقنا التى تصلح للسياحة العلاجية، منطقة البحر الأحمر مثلاً تملك المناخ وما يحويه الهواء والرمال وماء البحر من معادن ومكونات تعالج الكثير من الأمراض الجلدية والتنفسية وأمراض العظام ومنها الصدفية والروماتويد والروماتيزم، منطقة حلوان يمكنها بمياهها المعدنية التى طُمست وأُهملت أن تعود إلى سابق عهدها إذا ما أزيحت المصانع الملوثة للبيئة وعادت العيون الطبيعية وسط الحدائق. وأضيف: وهناك واحة سيوة، ومناطق العلاج بالرمال فى رأس البر وهى رمال مالحة مخلوطة بالطين عند مصب النهر، والعلاج فى أسوان بالرمل الأسوانى الثقيل.. مناطق كثيرة وأساليب شعبية ومتوارثة ذات فاعلية ونباتات عشبية فى كل مكان.. يقول د. حمدى السيد: هل تعلمين أن الأردن يحقق سنوياً مليارين من الدولارات من دخل العلاج بمستشفياته ومن الاستشفاء فى منتجعاته السياحية، جذب الليبيين والسودانيين واليمنيين وهم الأقرب مكاناً إلينا، السياحة العلاجية مصدر مهم للدخل القومى لو أردنا؟ وأسأل من جديد: وكيف نريد.. وكيف نستطيع؟ يجيب نقيب الأطباء: إذا استطعنا تنقية محيط السياحة العلاجية من النصابين واللصوص والوسطاء المتاجرين بالمرضى، وهذا يستدعى رقابة وإشرافاً صارماً ومشتركاً بين وزارتى الصحة والسياحة ونقابة الأطباء، يستدعى تكوين هيئة قوية تشرف وتراقب وتحدد تكاليف علاج معقولة للجميع لا فرق بين مصرى وغيره، تهيئ استقبالاً للضيف القادم من المطار وتوجيهاً ورعاية له حتى يعود إليها، تستدعى منحه تسهيلات وتيسيرات حتى يأتى ويبقى ويعود ويوصى أصحابه بالمجىء، لا يُترك نهباً لجشع صاحب مستشفى أو طمع طبيب أو دجال أو نصاب.. ويبقى السؤال: هل نستطيع؟ والإجابة: نعم نستطيع. والسؤال الثانى: وهل نريد؟ والإجابة: أشك ولا أعلم لماذا.. نقف مكاننا لا نتحرك والعالم يموج بالحركة من حولنا، ولدينا مصادر للثروة للوطن وللمواطنين نستهين بها ونبقى دائماً فى الظل. [email protected]