سقوط ضحايا ومصابين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    ضغوط جديدة على بايدن، أدلة تثبت انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي في غزة    سيد عبد الحفيظ: أتمنى الزمالك يكسب الكونفدرالية عشان نأخذ ثأر سوبر 94    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    تستمر يومين.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب مصر خلال ساعات    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب وحدث .. مصر.. دولة الموالد والتصوف والكرامات

كانت الصدمة قاسية وعنيفة للمريدين عندما قررت الدولة منع التجمعات فى مولد السيدة زينب.. فالإجراء غير المسبوق الذى حرم عشرات الآلاف من محبى آل البيت فى مصر من ممارسة عادتهم السنوية التى لم تنقطع منذ عصر الدولة الفاطمية، أضر أيضا بالمئات ممن يسترزقون فى مثل هذه المناسبات.
وانتقلت المخاوف تباعا إلى كل الصوفية التابعين لمختلف الطرق الصوفية إضافة إلى مرتادى الموالد المسيحية فى صعيد مصر من أن يطاولهم قرار المنع، وكشفت الأزمة الأخيرة عن حجم تأثير دولة الأولياء والقديسين وأصحاب الكرامات فى مصر وأثبتت صدق الصورة التى طرحها كتاب «الموالد والتصوف فى مصر» لنيكولاس بيخمان، والذى ترجمه الروائى رءوف مسعد، ونشر ضمن إصدارات المركز القومى للترجمة. يرسم المؤلف فى كتابه المثير تفاصيل رحلته فى موالد مصر من شمالها إلى جنوبها.. هو لا يدين ولا يسخر ولا يعترض، بل يكتفى بالرواية بلغة مشوقة عن عالم مترامى الأطراف ربما لا يعرف المصريون حقيقته..
الطرق الصوفية.. تحالف سرى مع الدولة ضد الجماعات الإسلامية
لا يرى الجميع فى حضور الموالد حكمة، «من الممكن أن يعيش الإنسان فى مصر دون أن يشاهد مولداً واحداً» وهو ما يلتقطه سفير هولندا السابق فى القاهرة نيكولاس بيخمان- مؤلف الكتاب- إذ يرى الموالد طقساً خاصاً قد يجذب الجميع، وقد ينفر منه البعض «ليس على المرء أن يكون صوفياً لكى يتوسل طلباً للعون.. من الجائز أن تكون صوفيا دون إيمان بكرامات الأولياء أو حتى الاحتفال بموالدهم».
فى كتابه يروى بيخمان حكايات «عجائبية»، ليبرز «التلاحم بين السمو الدينى والرفعة، وبين اليومى العادى»، أو كما يقول: «لم أبحث، ولكنى وجدت». الموالد ليست بحاجة لكتاب حتى تستمر، ولا تحتاج للقضاء على أنفلونزا الخنازير لتعود، وإنما دعوة القراء المصريين - كما يقول المؤلف فى مقدمة كتابه- إلى أن «يعمقوا اهتمامهم بهذه الحقيقة المتعلقة بثقافتهم التليدة، وليشعروا بأنهم محقون فى أن يفتخروا بها».
لعبت الطرق الصوفية دوراً خطيراً منذ السبعينيات حتى نهاية التسعينيات، من خلال تحالفها مع الحكومة ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة، بشكل غير معلن.
كان الطرفان مهددين -كما يشير الكتاب- من عدو واحد هدفه «الإطاحة بالحكومة وتأسيس دولة إسلامية». وكذا بإلغاء كل المظاهر التى تعتبرها هذه الجماعات «بدعا دخيلة على الإسلام»، وبالطبع كانت الموالد والممارسات الصوفية من هذه البدع حسبما رأت هذه الجماعات المتطرفة.
الاتفاق بين الطرفين لم يكن معلناً، لم يطالب النظام مشايخ الطرق بالانضمام للحزب الحاكم مثلا، لأن السياسة وأنشطة الاحزاب «تشغل المريد عن ذكر الله»، إلا أن النظام كان يقدر للطرق إسهامها» فى حفظ الاستقرار الداخلى»، حيث لا يسهل ضم مريد إلى جماعة متشددة.
وكانت الطرق الصوفية تنال اعترافاً رمزياً يتمثل فى حضور شخصيات بارزة فى الدولة للموالد الكبيرة، «نجد خيمة ينصبها الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم، ومرشحو مجلس الشعب، الذين يقومون بزيارة الموالد كجزء من دعايتهم الانتخابية».. هناك اعتراف آخر، لكنه رسمى وعلنى كذلك، يتمثل فى المجلس الأعلى للطرق الصوفية.. إذن نحن لا نتناول الكلام عن أضرحة ومقابر، قدر ما نرصد انحيازا شعبيا، يتمتع بمباركة رسمية. يشير المؤلف طوال كتابه إلى قوة وأهمية هذا الانحياز والتواجد الشعبيين، كاشفاً عن مصر الشعبية، التى لا تعرف الانقسام، ويظهر ذلك بوضوح فى فقرة من أحد الأناشيد الصوفية المكتوبة بالعامية والتى تلقى بمولد السيد البدوى فى طنطا:
تعالوا يا أهل البلا
نشكى لبعضنا حالنا
نقعد مع بعضنا
مادام حالكم وافق حالنا
يا رب ورينا الطريق
زفة الشيخ وسلطة الخليفة
تنطلق زفة الرفاعية من مسجد السيدة زينب، بقيادة نائب الطريقة، وعلى مدخل مسجد الرفاعى يستقبل الزفة «شيخ سجادة الطريقة»، وهو المسؤول عن الطريقة، وممثلها داخل مشيخة الطرق الصوفية، وهو منصب وراثى، ينتقل فى العائلة الواحدة. أما النائب فهو يساعد شيخ الطريقة فقط، والخليفة هو ممثل للشيخ فى المراكز والمحافظات.
الخليفة يتدخل فى حل المشاكل الواقعة بين مريدى الطريقة، التى تعتبر«دولة قائمة بذاتها»، لذا لا يسمح بأن يشكو مريد بالطريقة مريداً آخر فى المحاكم، وهكذا يباشر الخليفة مهام الدولة كلها فى الطريقة، بل إن الطرق الصوفية، والالتجاء للموالد والأضرحة، تمثل روحاً شعبية أو برلماناً شعبياً لا يوجد فيه تمييز بين الرجل والمرأة، حيث لا يوجد عزل بينهما، كما يتسم هذا «البرلمان» بكونه مفتوحاً للمصريين بوجه عام، رغم الطابع الدينى، «يزور الكثير من المسيحيين مقابر وأضرحة الأولياء المسلمين، كما يقوم الكثير من المسلمين بزيارة أضرحة القديسين المسيحيين».
فى الموالد ينتظر شيخ الطريقة الزفة عند ضريح الولى، صاحب المولد- لأن الشيخ هو أقرب الأشخاص من الضريح- وتلقى عليه الأموال والحلوى والحمص للتبرك، ويعتبر شيخ الطريقة الصوفية محوراً للمولد.
الزفة نقطة انطلاق المولد. فى الغالب تبدأ من مسجد إلى آخر، ويكون الأخير هو المسجد المقام به ضريح الولى صاحب المولد.. وتحمل الزفة اسماً آخر فى الصعيد، فتصبح «الدارة» أو«اللفة»، وتتم حول الضريح، وليس من نقطة إلى أخرى- أى من مسجد إلى آخر- مثل زفات الدلتا والقاهرة تحديداً. وفى الإسكندرية تكون الزفة بداية المولد، وتحمل نهايته أيضاً، حيث تنطلق الزفات بعد صلاة العشاء، لتبدأ بعدها الليلة الكبيرة.
أساطير الأولياء
الخرافة تتجلى فى موالد وأضرحة مصر، ولا نقصد هنا الاستهزاء بهذا الجانب الروحى من حياة المصريين، المسيحيين والمسلمين، بل نشير فى السطور القادمة إلى الطريقة التى تُصنع بها الأسطورة أو الخرافة.
فى حكايات وسير الأولياء، تروى عنهم حكايات وكرامات، لا يناقشها أحد، كأن الحكاية «تخلع» أو «تروى» عن الولى بما يتناسب مع احتياج الناس للخرافة والغرائبية، وبالطبع، للمعجزات الخارقة.. يسأل بيخمان حارس ضريح الشيخ سليم العريان «هل كان بالفعل عارياً؟» فأجابه الحارس:«بالطبع لا. لكننا أطلقنا عليه هذه الصفة»!
ولى يختبئ أسفل شجرة
خلف ضريح محمد العراقى توجد شجرة جميز عجوز، يقال إن الشجرة تصدر «أنيناً»، مثل البشر، لأن هناك وليا يعيش أسفل جذورها «دون ذراعين أو ساقين»، زوار الضريح المقام فى ميت أبو السباع يدقون المسامير فى جذع الشجرة للتبرك، والتوسط عبر أنينها لدى الولى، سواء أكان الولى المدفون فى الضريح أو الآخر المختبئ أسفل الشجرة.
وإلى جوار قبر الشيخ «أبى القاسم أبى على» فى أخميم (بالصعيد) توجد شجرة أخرى مقدسة، يدق زوار الضريح المسامير -أيضاً- فى جذعها، ولكن لسبب مختلف وهو التخلص من آلام الصداع. وللأشجار «المقدسة» استخدامات أخرى حيث «يعلق عليها الزوار قطعاً من ثياب الشخص الذى يطلب رعاية الولى من مرض».
فلق الحجر
تروى الأسطورة أن الشيخ هريدى فلق الحجر فى طريق هروبه من أعدائه، حيث يقع ضريحه على تلال ما بين أخميم وأسيوط. هريدى لا تقال عنه إلا حكاية هربه من الأعداء، (ويفترض مؤلف الكتاب أن الأعداء من المسيحيين)، كما فلق هريدى الحجر، ولتأكيد هذه الصفة بالولى الصعيدى يتردد أنه أول من عبر قناة السويس فى يوم العبور أكتوبر 1973.
الضريح تشرف عليه امرأة ضريرة، تجلب الماء للضريح ليلاً، وتسير فوق التل دون مرشد «ودون أن تتعثر»، يبدو أن الخادمة منحت بركة الشيخ هريدى فى الهرب. أمام الضريح، يستقر ضريح أصغر حجما، يخص ابنه «حسن»، ولا يعرف أحد حكايته، إلا أنه ربما يكون قد ورث الولاية من والده.
المفارقة الساخرة فى أضرحة مصر هى «مقام الشيخ منصور» المقام على صخرة فى قلب نيل أسوان، الضريح يأتيه المتزوجون حديثاً ليحصلوا على بركة الشيخ حتى ينجبوا الأطفال. الطريف أن الشيخ لم يتزوج فى حياته بل عاش متبتلاً، ويرفرف فوق الضريح علم أخضر، وهو نفسه علم مصر قبل قيام ثورة يوليو.
ويعتبر الشيخ موسى الولى الأقصرى، حالة نادرة فى عالم الأولياء، فقد صار ولياً، صاحب مولد، فى حياته، وكان يستقبل زواره، يُقبل الزائر يد الشيخ اليمنى، ويضع الأخير يده اليسرى على رأس الزائر.
لا يستمع الشيخ لطلب الزائر، بل ينقل إليه الطلب عبر ابن أخته، وإذا كانت إجابة الطلب رفضا يقول الشيخ: «افعل ما تريد»، وإذا كانت القبول يقول: «توكل على الله». يروى عن الشيخ موسى أنه عبر النيل فوق منديل، وكان يغادر غرفته ويتجول «بأشكال متعددة»، كما رضع اللبن فى صغره من إصبعه! وبعد وفاته تزايدت الحكايات عن طريقة دفنه ويقال «جثمانه قاد حاملى النعش ليعودوا به إلى غرفته ليدفنوه هناك»، بينما يقول البعض إن «الشيخ موسى دفن نفسه، وكان يعرف طريقه دون تردد».
العذراء ومارجرجس والشاذلى
التجلى والظهور ميزة يتمتع بها الولى المسيحى.. إذ يعتقد زوار مولد الست دميانة أنها تظهر على هيئة حمامات «تعرف من طريقة رفرفة الأجنحة». أما المسلمون فلديهم الأحلام والرؤى التى يحل فيها الأولياء، لكنهم «لا يظهرون للجماهير». أبرز مثال على التجلى فى الفهم الشعبى للدين المسيحى تجلى «السيدة العذراء فوق برج كنيسة قاهرية فى السبعينيات»، وهو ما يعلق عليه الروائى رءوف مسعد- مترجم الكتاب- بقوله «انتشرت شائعة قوية بظهور السيدة العذراء فوق برج كنيسة صغيرة فى ضاحية الزيتون القاهرية، وفسر البعض ظهورها بأنه رسالة دعم منها للشعب المصرى بعد هزيمة 1967».
ويتردد عن الكثير من الأولياء اختفاء رفاتهم، منهم مارجرجس (أو القديس جورج)، فيقال إنه دفن فى محلة رزق(القريبة من أخميم)، لكن ثمة رواية عنه تناقض هذه المعلومة إذ يقال إن رفاته وآثاره غير موجودة بمصر، وإنما تتواجد فى الولايات المتحدة. بالمثل يقال عن «أبى الحسن الشاذلى»، الذى يحكى عنه أنه شعر باقتراب وفاته فطلب من زوج ابنته «المرسى أبوالعباس» أن يسلم جثته لرجل ملثم «يمتطى صهوة جواده سوف يظهر له ساعتها»، واشترط على أبى العباس عدم اتباع الملثم، الذى سيقوم بغسل الجثمان ودفنه، لكن فضول «المرسى» تغلب على وصية الشاذلى فاتبع الملثم، «رأى وجهه، ولم يكن سوى وجه أبى الحسن نفسه»!
وتروى فى سيرة الأب عبدالمسيح المناهرى «خوارق» مماثلة ، فالولى المسيحى الذى دفن فى قرية المناهرة، بعد أن خدم كاهنا بها تحكى عنه حكايات «لها نكهة الفلاحين» ومنها أنه «أعاد الحياة إلى أوزة ماتت كانت تعود إلى امرأة فقيرة»!
الرفاعى يذوب فى إناء
يروى أن السيد أحمد الرفاعى فى إحدى حالات الوجد التى كان يمر بها «ذاب فى وعاء كبير من فرط حبه لله»، وحينما شاهدت ابنته الوعاء، ولم تكن تعرف ما حدث، ولم تتوقع أن يذوب أبوها «من الوجد»، لمحت فى الوعاء جسماً أسود اللون، فقامت بسحبه من الوعاء، لكن الجسم الأسود لم يكن إلا عين الرفاعى، لذا عندما عاد الولى إلى طبيعته البشرية «عاد بعين واحدة»!
وفى مولد الإمام الشافعى يتواجد فى حلقات الذكر شخص يدعى (على)، يقال إنه زار القدس أكثر من مرة، خلال حرب أكتوبر 1973، بطريقة «خارقة، وعجائبية»، لذا لُقّب، رغم كونه مسلماً، بالمقدس.
التحطيب عراك وهمى.. وسيوف الدوسة تقطع ألسنة الكاذبين
التحطيب فقرة ثابتة فى جميع موالد مصر،وتعرف نيكوس بيخمان لفن التحطيب بأنه: «استعراض لنزال وهمى بين رجلين، وهو استعراض فى غاية الأناقة والرقة، حيث لا تكاد العصا لواحد من المتحطبين، تلمس عصا الخصم أو جسده، بل تمسه مساً خفيفاً، وأحيانا لا تلمسه إطلاقاً» يعد التحطيب طقساً ترفيهياً، ربما لأنه لا يتسم بالتضحية الكافية، فهو على النقيض تماماً من طقس آخر ينتمى إلى المولد، وهو «الدوسة».
فى عام 1988 حلم قائد الشرطة المحلية فى قنا بالولى أبى القمصان، الذى قال له إن «كل شىء مباح فى مولده باستثناء المخدرات والخمور وضرب السلاح»، وبناء على هذه الرؤيا صار طقس «الدوسة» معتمداً، وحاضراً، فى المولد. الدوسة يقصد بها أن يخطو شيخ على حد سيف قصير، يسمى الدبوس، موضوع بين فكى مريد من مريدى الطريقة الرفاعية ويتراص المريدون جالسين على الأرض، واضعين السيوف بأفواهم ليخطو الشيخ فوقها.
يصاحب هذا الطقس الرقص بالدبابيس- السيوف القصيرة- على دقات الطبول. كما «يخزق» بعض المريدين وجناتهم بالدبابيس إلا أن التضحية تأخذ أبعاداً أخرى، كما يوضح المؤلف، لتصل إلى درجة اختبار الإيمان: «إذا لم يكن الدرويش مخلصاً فإن النتيجة تكون قطع لسانه بالسيف الموضوع فى الفم فوق اللسان»! لكن هذا الطقس فى طريقه للاندثار، حيث لا يشجع المشايخ الكبار للطرق الصوفية هذه الممارسات، بما فيها المشيخة الرفاعية، التى يتبعها مريدو أبى القمصان.!
حكومة ظل.. تتحرك حسب مواعيد الثانوية العامة وجنى القطن
القائمون على الموالد، يشكلون «حكومة ظل مصرية»، أو هى الصورة الفوضوية، لما تحمله كلمة المولد من دلالات فوضوية، لمصر الشعبية، التى تتكون من تنظيم على المستوى القومى يشمل 68 طريقة، تتفرع إلى مجموعات يترأسها «خليفة»، والأخير هو قائد زفة المولد، أى بدايته.
وتتمثل الفوضى فى اختلاف مواقيت الموالد من عام لآخر، إذ يتعلق موعد الإقامة بتفضيل أيام محددة من الأسبوع لتكون أيام الليلة الكبيرة، أى ليلة ختام المولد.. كما يرتبط الأمر باتباع بعض الموالد للتقويم الميلادى، وإمكانية تزامن المولد مع مولد النبى أو شهر رمضان حسب التقويم القمرى.
وعلى الرغم من ذلك «يصعب وجود يوم ما دون مولد لولى مسلم، فى مكان ما، فى مصر». الموالد القديمة تعتمد على التقويم الهجرى، أما الموالد الجديدة فتقام حسب التقويم الشمسى الميلادى.
ويرتبط الموعد بمواسم، فمثلا يقام مولد أبو الحجاج فى منطقة كنيسة «الدهرية» بعد موسم جنى القطن. وفى مدينة أبو تيج فى الصعيد يبدأ مولد «السلطان فرغل» بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة! أما مولد النبى صالح فى سيناء فيقام وفقاً لحركات تنقل القبائل بحثاً عن المياه الجوفية! لكن هناك موالد ثابتة فى موعدها مثل «السيدة زينب»، الذى يقام فى الثلاثاء الأخير من شهر رجب.
مولدا «سيدى عبد الرحيم القناوى»، و «أبو الحجاج»، المقامان فى الصعيد لهما موعدان ثابتان 13 و14 شعبان. إلا أن «التنظيم»- أى حركة الموالد- تخلى عن فوضويته فى الإسكندرية، حيث تقام الموالد الكبرى بالتوالى بعد أسبوع من بداية أولها، وأكبرها، «المرسى أبو العباس يتبعه بعد أسبوع من بدايته، مولد سيدى جابر، الذى يبدأ فى صباح اليوم التالى لليلة الكبيرة لأبى العباس، يتبعه مولد سيدى بشر، وسيدى كمال، وسيدى محمود الرحال».
كما أن هناك أشهر متخمة بالموالد، وبالتحديد منتصف شعبان، «للاعتقاد السائد بأن منتصف الشهر يكون مباركاً، لأنه يسبق شهر رمضان»، حيث تقام موالد وتنتهى مع «اكتمال بدر» شهر شعبان منها أبو اليزيد البسطامى (أسوان)، الشيخ عزب (بين القرنة وقنا)، الأمير غانم (أسفون- بالقرب من إسنا)، إلى جانب عدد من الموالد الصغيرة.
وشم ومعمودية فى الموالد المسيحية.. وفى الإسلامية طهور
يقام أكثر من مولد للقديس الواحد، وأبرز مثال على ذلك موالد السيدة العذراء و»مارجرجس» (الأخير يقام له مولد فى ميت دمسيس على فرع دمياط بالدلتا فى شهر أغسطس، وآخر فى نوفمبر بمحلة رزق قرب أخميم).
أما العذراء فتتعدد موالدها، وتقام فى شهر أغسطس، بين «جبل الطير» (القريبة من المنيا)، ومسطرد (القريبة من القاهرة)، ودير المحرق (أسيوط). اللافت أن موالد السيدة العذراء مرتبطة برحلة العائلة المقدسة فى مصر، والتى يفترض انتهاؤها بدير المحرق، لكن خريطة الموالد ضمت إلى الرحلة المقدسة موقعاً جديداً، بدير الدرنكة، الذى يحتوى على مغارة تسمى «مغارة العذراء»، يضع زوار المولد فى شقوقها تذكارات وشكاوى.
وفى حين تشهد الموالد الإسلامية طقس الطهور للصبية، ويوازيه فى الموالد المسيحية طقس «التعميد»، ففى مولد الست دميانة الذى يقام بالقرب من المنصورة تتراص الخيول التى يركبها الصبية بعد إتمام طقوس التعميد. تصطحب العائلات أولادها ليعمدوا، كما تذهب العائلات للموالد لأسباب أخرى، مثل «طرد الأرواح الشريرة»، ويقوم به «كهنة متخصصون فى الموالد».
يربط المؤلف بين الأولياء والقديسون، إذ يعرف كل ولى جميع الأولياء، ويتردد أن هناك قطبا واحدا يجمع جميع الأولياء من المسلمين، والأمر نفسه يحدث مع القديسين، لكن الجوالين منهم الذين وصلوا إلى درجة رفيعة من السمو الروحى تؤهلهم أن يتجولوا فى العالم كنساك ومتبتلين، القديس الجوال ينتقل بين الكنائس، ويعيش فى الصحراء، ولا يتحدد موضعه ومكانه بالخدمة فى كنيسة واحدة، بل هو «جوال» ويمكن له «أن يحضر الخدمة فى أية كنيسة دون أن يراه أحد».
يروى أن الأب بيشوى قابل فى كنيسته بالإسكندرية أحد الجوالين، فطار به فى الفضاء، حسبما يقول المؤلف، بل إن اللقاء لم يقتصر على ذلك حيث «كان بيشوى متشبثاً بثياب الرجل الآخر». «وصلا إلى حديقة يجلس فيها رجال مسنون»، بعد القليل من الوقت «وجد الأب بيشوى نفسه يجلس بمفرده فى سيارته على جانب الطريق الصحراوى».
الليلة الكبيرة.. مشهد الختام
يختتم المولد بالليلة الكبيرة، وفى الغالب يكون يومها عاملاً فى اختيار تاريخ المولد، حيث تفضل أيام محددة لكل مولد لتكون «ليلته الكبيرة». تختلف طقوس الليلة الكبيرة من مولد إلى آخر، ففى مولد «سيدى أبى زيد البسطامى»- على سبيل المثال- الذى يقام بمحلة الكوبانية، جنوب أسوان، يأتى النوبيون فى الليلة الكبيرة سيراً على الأقدام من قراهم.
يطوف الزوار 7 دورات حول الضريح، تليها 7 دورات أخرى لراكبى الجمال، وبعد الظهر يطوف الصبيان والفتيان راكبين الحمير. ويختتم الطواف بشيخ يركب جملا يتبعه جمل آخر يعلوه طبال يدق على طبلتين من النحاس، يلف محلة الكوبانية، ثم يختتم المولد بدوران الطبال حول الضريح 7 دورات.
ويورد المؤلف رأياً مهماً، فى محاولة منه لموازنة الكلام عن المعجزات، والعجائب والخرافات، حيث يعرض رأى شيخ السجادة الرفاعية الشيخ كمال محمود ياسين، الذى يحاول نفى ما يشوب الموالد من خرافات، ويقول: «كل ما يقال عن هذه الخوارق إنما هو لغو فارغ، وأحمد الرفاعى قام بكرامة معينة مرتبطة به.. حينما حاول أعداؤه فى السلطة قتله؛ بأن وضعوا ثعباناً ساماً بجواره بينما كان ساجداً يصلى، لكن الثعبان لم يلدغه»، ويتابع ياسين: «هذه كرامة مرتبطة بشخصه فقط، ولم يحزها خلفاؤه ومريدوه من بعده».
وفى النهاية تبقى الكلمات السحرية والغامضة للشيخ زاهر (القائم على ضريح جده الولى أبوزغلل المقام بكفر إبراهيم العايدى، فى بلبيس): إن الله أخفى خمسة أشياء كان آخرها «بين الناس أخفى أولياءه»!
الموالد والتصوف فى مصر
المؤلف: نيكولاس بيخمان
ترجمة وتقديم : رءوف مسعد
الناشر: المركز القومى للترجمة
الطبعة الأولى 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.