أفكر كثيرا فى حال سيدنا آدم فى الجنة، عندما كان يعيش وحيدًا دون حواء. آدم أول العالمين، يعيش حياة الوداعة والترف، منعما بكل متع الجنة الدانية له.. كل شىء متاح عند أطراف أصابعه دون جهد أو عناء. فهل شعر بالسعادة؟ أم بالوحشة؟ هل انطبق عليه المثل القائل: «الجنة من غير ناس ماتنداس». هل كان فخورًا بالعلم الذى أطلعه عليه الله وأخبر به الملائكة فبهرهم، أم كان بحاجة لآخر يستعرض علمه أمامه ويتواصل معه ويطلعه على خبيئة نفسه؟ وجاءت حواء لتكمل آدم وتؤنس وحشته، وحدهما عرفا معنى السعادة، لم يكن هناك أخرى تنافسها حبه، ولم يكن هناك آخر يغار منه، لم يكن هناك آخرون، فقط هما، كان تعلق كل منهما بالآخر يفوق الوصف، وكان حبهما هو سبب وقوعهما فى الغواية. الجنة بهما أصبح لها مذاق آخر، وتمنى كل منهما الخلود لينعما للأبد بتلك السعادة والسكينة، وهو مادفعهما للخطيئة الأولى والأكل من الشجرة المحرمة رغبة فى نيل الخلود. الخطيئة الأولى حققت مشيئة الرب: «إنى جاعل فى الأرض خليفة»، ونزل آدم وحواء للأرض خلفاء لله، يسعان لسعادة ذاقاها فى الجنة وتمنيا أن يعرفاها على الأرض. كم من قرون مضت على علاقة آدم وحواء.. أقدم وأجمل علاقة إنسانية فى التاريخ، كيف تحولت علاقة الود والرحمة والسكينة إلى علاقة الخشونة والعداء وعدم الثقة. عجز آدم وحواء القرن الواحد والعشرين أن يمدا بينهما جسور المحبة، ونادرًا مايتواصل زوجان ويزيد حبهما على مدى السنين، الطلاق والخلع والانفصال والخرس الزوجى والتربص أصبحت السمة الغالبة على علاقة آدم وحواء. أخذنى الخيال لأبينا آدم وأمنا حواء وكيف كانا، كما تخيلت زوجين معاصرين، تفشى وباء فى بلدهما وضربت حكومتهما حصارًا، لا تنقل ولا خروج من البيوت لمدة لم تحددها، وصاحب حذر التجول انقطاع فى كل وسائل الاتصال الحديثة، التليفزيون المحلى والفضائيات، التليفون والموبايل، الراديو والنت وبالطبع الإصدارت الصحفية و الكتب. ووجد الزوجان نفسهما وحدهما وجها لوجه، ماذا سيفعلان وهما لم يعتادا على حوار يتجاوز الدقائق وعادة مايكون فيما لايخصهما: احتياجات البيت، مشاكل العمل والأولاد، نميمة، السياسة ونقد الحكام، الكورة والنجوم.. الخ. لم يعد هناك مجال للحديث عما يدور حولهما، فقد تم تداول ذلك عدة مرات ولم يعد هناك جديد. انقطع صوت المؤثرات الخارجية ولم يعد هناك إلا صوت أنفاسهما. ماذا سيفعلان؟ فى بداية الخلق، أقدم آدم على خطيئة عصيان أمر الله لينعم مع حواء بالخلود، وفى عصرنا أيضا سيقدم آدم على الخطيئة ولكن هذه المرة ليتخلص من حواء، بقتلها بسكين المطبخ لتبتعد عنه، فقد اختنق من وجودها إلى جواره بضعة أيام.