بعد رفع سعر الخبز، مسئول سابق بالتموين يوجه رسالة قوية لرئيس الوزراء    البنك الأهلي يطلق خدمة إضافة الحوالات الواردة من الخارج لعملاء المصارف لحظيا    مؤيدون لفلسطين يرشقون الشرطة الألمانية بالحجارة خلال تظاهرة في برلين (فيديو)    ناد أمريكي يغازل راموس ب 12 مليون يورو    بداءً من اليوم، فتح باب التظلمات على نتائج الشهادة الإعدادية بالوادي الجديد    تحرير 13 محضرًا تموينيًا في بلطيم بكفر الشيخ    القليوبية تنهى استعدادات امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    اليوم، ياسمين رئيس تحتفل بزفافها على رجل الأعمال أحمد عبد العزيز    بوليتيكو: الاتحاد الأوروبي يعتزم "معاقبة" رئيس الوزراء المجري بسبب أوكرانيا    إغلاق 3 مراكز دروس خصوصية في الإسكندرية.. والحي يصادر الشاشات والتكييف- صور    أمين الفتوى: من يذبح الأضاحي في الشوارع ملعون    581 طالبا بكلية التمريض جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية يؤدون امتحان مقرر أمراض الباطنة    السيسي يصدر قرارين جمهوريين جديدين اليوم.. تفاصيل    الإمارات تدعو لضرورة إيجاد أفق لسلام عادل وشامل فى منطقة الشرق الأوسط    كوريا الشمالية تُطلق وابلا من الصواريخ البالستية القصيرة المدى    إعلام إسرائيلي: 10% من المطلوبين للخدمة العسكرية يدّعون الإصابة بأمراض عقلية    لافروف: اتفاق زيادة التعاون الدفاعى مع الصين ليس موجها ضد أى دول أخرى    نقابة الأطباء البيطريين: لا مساس بإعانات الأعضاء    كهربا: أنا أفضل من مرموش وتريزيجيه    شوقي غريب: رمضان صبحي يستحق المساندة في الأزمة الحالية    اليوم.. النطق بالحكم على حسين الشحات في واقعة محمد الشيبي    أسعار الذهب فى مصر اليوم الخميس 30 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد في مصر بداية تعاملات اليوم الخميس 30 مايو 2024    17.5 مليار جنيه إجمالي إيرادات المصرية للاتصالات خلال الربع الأول من 2024    المدارس تواصل تسليم طلاب الثانوية العامة 2024 أرقام الجلوس    «بسبب صورة على الهاتف».. فتاة تقفز من الطابق الثامن بالمرج    وفاه إحدى السيدتين ضحايا حادث تصادم الفنان عباس أبو الحسن    الاستماع لأقوال شهود عيان لكشف ملابسات مصرع طفل فى العياط    التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    اليوم.. حفل افتتاح الدورة 24 من مهرجان روتردام للفيلم العربي    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 30 مايو 2024: مكاسب مالية ل«الأسد» وأخبار سارة ل«الحمل»    مصر تُشارك في الاجتماع الأول للمؤسسة الأفريقية للتعلم مدى الحياة في المغرب    «المستقلين الجدد»: تكريم «القاهرة الإخبارية» يؤكد جدارتها وتميّزها    إندونيسى يكتشف زواجه من رجل بعد زفافه ب12 يوما وقصة حب لمدة عام.. صور    جامعة القاهرة تكرم 36 عالمًا بجوائز التميز لعام 2023    نائب وزير الإسكان يستقبل رئيس الاتحاد الأفريقي لمقاولي التشييد ومسؤولي «مشروعات الإسكان» بليبيا    اعرف شروط ومواصفات الأضحية السليمة من أكبر سوق مواشى بسوهاج    الناس اللى بتضحى بجمل.. اعرف المواصفات والعمر المناسب للأضحية.. فيديو    «الصحة»: افتتاح وتطوير 20 قسما للعلاج الطبيعي في المستشفيات والوحدات الطبية    نصائح هامة عند شراء النظارات الشمسية في فصل الصيف    4 حالات اختناق وسط جحيم مخزن بلاستيك بالبدرشين (صور)    مسؤولون باكستانيون: حرس الحدود الإيراني يطلق النار ويقتل 4 باكستانيين جنوب غربي البلاد    أحمد خالد صالح ينضم لفيلم الست مع مني زكي: دوري مفاجأة للجمهور    سعر الذهب يواصل انخفاضه عالميا.. ماذا ينتظر المعدن الأصفر في الأشهر المقبلة؟    عاجل:- قوات الاحتلال تقتحم مدن الضفة الغربية    علاج أول مريض سكري باستخدام الخلايا في سابقة فريدة علميا    السل الرئوي.. الأعراض والمخاطر والعلاج والوقاية    خالد أبو بكر يهاجم "المحافظين": "التشكيك بموقف مصر لو اتساب هتبقى زيطة"    هل تجوز الصدقة على الخالة؟ محمد الجندي يجيب    خالد مرتجي: إمام عاشور من أفضل صفقات الأهلي    تريزيجيه يتحدث عن مصيره بعد اعتزال كرة القدم    ميدو يطالب مجلس إدارة الزمالك بالرد على بيان بيراميدز    بيبو: التجديد ل معلول؟ كل مسؤولي الأهلي في إجازة    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    مع زيادة سعر الرغيف 4 أضعاف .. مواطنون: لصوص الانقلاب خلوا أكل العيش مر    أحمد عبد العزيز يكتب // الإدارة ب"العَكْنَنَة"!    بعد مراسم مماثلة ل"عبدالله رمضان" .. جنازة شعبية لشهيد رفح إسلام عبدالرزاق رغم نفي المتحدث العسكري    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الكيلو 4.5».. وادى المنسيين الشهير ب «عزبة الهجانة»

لوحة فسيفساء، يُكوّن تفاصيلها مليون و200 ألف روح بشرية. يجمعهم وهم القادمون من شتى بقاع أرض مصر، الحلم فى السكن، والعيش فى كرامة رغم ضيق ذات اليد، ورغم وجود منطقتهم الواقعة فى منتصف الطريق بين أرقى أحياء مصر الجديدة فى منطقة الجولف من جانب، ومدن المال والسلطة والنفوذ فى «الرحاب» و«مدينتى» من جانب آخر.
الحديث عن منطقة الكيلو 4.5 التى لا تصدق مدى فقرها وعشوائيتها ومعاناة أهلها، عند التوغل فى شوارعها التى يجمعها والناس هناك وصف واحد هو «البؤس»، بينما الطريق لها عبر شارع الثورة أحد أرقى وأغنى شوارع مصر الجديدة- يحدثك عما صار بين المصريين من فروق شاسعة فى الثروة والمعاناة، ففى الداخل لا وجود للدولة، ليكون لسان حال سكان تلك المنطقة وهم يمرون فى صباحهم وغُدوهم على شوارع «المحروسة» المبتهجة، ويشاهدون إعلانات المدن الجديدة بملامحها الفتيّة التى تنفى عنهم الفقر، لمن لا يعرفهم: «حسبنا الله ونعم الوكيل».
على مساحة ما يقرب من 750 فدانا، تقع منطقة الكيلو 4.5 على طريق القاهرة - السويس، أما سبب تسميتها فيعود إلى أن المسافة بينها وبين منطقة هليوبوليس آخر حدود مدينة القاهرة قبل عام 1963، كانت تقدر ب4.5 كم. اسم آخر يُطلق على تلك المنطقة التى يعود تاريخها إلى عام 1898، هو «عزبة الهجانة» وهم نفر من العساكر الذين كانوا يستعملون الجمال، ويقصّون الأثر وكانوا يقومون بحراسة الحدود فى ذلك الوقت، وكانوا أول من سكن تلك المنطقة، مع أسرهم وبنوا فيها بيوتاً أشبه بمنازل الفلاحين المبنية من الطوب اللبن.
أما حدودها الحالية فتتحدد بأربعة مداخل هى: شارع الورشة، وطريق السويس، والحى العاشر فى مدينة نصر، ومدينة الشروق. وكما تتعدد مداخل تلك المنطقة، تتنوع هموم ناسها، كندرة المياه، والكهرباء، ومحطات الضغط العالى، وهناك البطالة، والجريمة، وبشر باتوا يحملون عشوائية المكان وبؤسه، فانطبعت عليهم عشوائية الطرق ووعورتها، وانتشار القمامة بها، رغم أن غالبيتهم يعملون فى جمع القمامة من شتى مناطق القاهرة!
وفوق كل هذا، تتناثر بين الحين والآخر شائعات عن وجود نشاط تنصيرى للكنيسة الكبيرة فى المنطقة، بشكل يهدد أحياناً بكارثة طائفية، يعززها وجود عشرة آلاف لاجئ أفريقى معظمهم من السودانيين، الذين يلقى بهم مكتب اللاجئين التابع للأمم المتحدة فى القاهرة، فى ذلك المكان لحين توفير فرصة إعادة توطين لهم فى الخارج، وهى فترة قد تطول لسنوات.
«المنطقة كلها وضع يد، جئنا هنا منذ الستينيات واشترينا الأرض من البدو، وكان البيع بخطوة القدم، فاشتريت الأرض التى بنيت عليها منزلى بخمسة وعشرين جنيها».. هكذا تحدث عم محمد، صاحب ورشة لإصلاح إطارات السيارات فى مدخل المنطقة من طريق السويس،
وأضاف: «المدخل الرئيسى للمنطقة هو الموجود على طريق السويس، فى منتصف السبعينيات تغير الحال، وبدأت سكينة السادات شقيقة الرئيس الراحل وزوجها فى تفويض سماسرة لبيع الأرض فى تلك المنطقة، فغلت الأسعار وباتت تباع بالفدان، فوصل سعره ل400 جنيه.
زاد السكان وبات كل واحد يبنى كما يحلو له، فى الوقت الذى لم يكن يوجد فيه بالمنطقة كهرباء ومياه شرب وصرف صحى، وحتى مطلع عام 2000 كنا نحيا على مولدات الديزل، والخطوط المسروقة، وبراميل المياه التى نشتريها بستة جنيهات للبرميل، وخزانات الصرف الصحى».
وتتوزع دماء أهل المنطقة وذنوبهم فيما بين حى مصر الجديدة الذى تتبع له منطقة الكيلو 4.5 إدارياً، بينما يتحمل حى مدينة نصر وزر المياه والكهرباء والصرف الصحى، ولا يعلم أهالى الكيلو 4.5 هل كان من حسن طالعهم أن يصدر قرار جمهورى بتطوير المنطقة وتزويدها بجميع الخدمات فى عام 2000،
وهو ما جعلهم يخرجون من قائمة العشوائيات؟ أم أنه كان من سوء حظهم حيث لم ينته المشروع حتى يومنا هذا رغم مرور تسع سنوات على صدوره، ليصبحوا كمن رقص على السلم، لا هم من العشوائيات ولا هم من سكان المناطق الآدمية!
«سمير نوار» مواطن من سكان المنطقة، يتعامل معه سكان الكيلو 4.5 من منطلق أنه الكبير والمتحدث الرسمى باسمهم، يطلقون عليه «مسؤول المجلس المحلى»، وهو لم ينل هذا الشرف بعد، يترأس جمعية خيرية أقيمت بالجهود الذاتية يطلق عليها اسم «المعز»، يمسك العصا من المنتصف، فهو المسؤول الذى تربطه علاقة بالمسؤولين وأعضاء مجلس الشعب الذين تتبعهم المنطقة، وعلى رأسهم مصطفى السلاب من ناحية،
كما تربطه علاقة وطيدة بالأهالى من ناحية أخرى، يجتمع الأهالى فى مكتبه يبثونه همومهم، التى تأتى فى مقدمتها مشكلة المياه، لا تعرف بأى لسان يتحدث، بلغة الموظفين التابعين للدولة، أم بلسان حال المكتوين بنار التجاهل؟
بدأ حديثه معنا مقاطعاً كل من جاء للشكوى بالقول: «مع صدور قرار تطوير المنطقة فى عام 2000 تم الانتهاء من 90% من مشروع الصرف الصحى، وبات لدينا محطتان، أما المياه فقد تم التخطيط لها على خمس مراحل، لم ننته حتى الآن إلا من المرحلة الأولى ونصف المرحلة الثانية فقط! المياه ضعيفة ولكنها موجودة».. تقاطعه الحاجة فاطمة غاضبة وهى تقسم أن المياه لم تدخل بيتها منذ ثلاثة أيام،
وأضافت: «نحن فقراء ولكن شرفاء لا نطلب سوى مياه شرب نظيفة تأتى ولو لساعة واحدة فى اليوم، بدلاً من شرائها ب 15 أو 20 جنيها فى اليوم الواحد، وهو ما يعنى أن نظل أنا وأسرتى بلا غذاء فى هذا اليوم، فإما ماء وإما طعام، هناك خط عشوائى مددناه من مدينة نصر، ولكنه كثيرا ما يتعرض لشروخ أو كسور فتختلط المياه بالصرف الصحى».
يلفت نظرك أثناء سيرك فى طرقات الكيلو 4.5، منظر عبوات المياه البلاستيكية التى تحملها رؤوس تختلف مراحلها العمرية، دون أن تفرق بين طفل أو صبية، وامرأة عجوز أو شابة، حتى الرجال لم ترحمهم الحاجة للمياه من الذهاب إلى حنفيات الشارع العمومى وانتظار وصول المياه، ليملأوا عبواتهم حتى لو اضطروا للتغيب عن أعمالهم.. كما تلمح تكرار اسم «السلاب» مقرونا بأرقام مسلسلة على بعض المنازل، وهو ما فسره لنا الأهالى بأنها أرقام المحابس التى نفذتها شبكة المياه بعدما تم تركيب عدد من العدادات لنحو 800 مشترك منذ عام 1996 مقابل 1070 جنيها لكل عداد، ولكن من دون أن تأتى المياه حتى يومنا هذا.
«أم مجدى» جاءت من المنيا مع زوجها منذ 12 سنة، لتقطن فى منزل ملك لهما فى مواجهة جمعية المعز الخيرية، لديها عداد مياه، وحوش فى مدخل منزلها تفتحه لجيرانها حينما تستشعر وصول الماء فى الحنفيات، ليملأوا عبواتهم لحين ميسرة، قالت لنا: «فى شهر أكتوبر الماضى جاء المهندس السلاب عضو مجلس الشعب هنا فى جمعية المعز، ومعه مسؤول المياه فى الحى، الذى قال لنا إنه فى 15 أكتوبر سيفتح كل منا الحنفية ليجد المياه فى أى وقت من ليل أو نهار، ولكن لم يحدث شىء».. وتضيف ساخرة: «ولكنه لم يحدد فى أى عام سيحدث هذا!».
المياه ليست المشكلة الوحيدة فى «عزبة الهجانة» أو «الكيلو 4.5»، التعليم أيضاً مشكلة، فمن يصدق أن منطقة بتلك المساحة لا يوجد بها سوى مدرستين ابتدائيتين هما «صلاح الدين»، و«المعتز» بهما 6000 تلميذ. عندما ذهبنا للقاء المسؤولين بهما لم نجد أحدًا رغم أن الوقت كان مبكراً على الانصراف، إلا أن شكوى الأهالى من سوء الوضع بهما تتلخص فى عبارة «جيهان» والدة أحد التلاميذ التى قالت لنا: «أى مدرس يحلم بالثراء، يمكنه المجىء إلى أى من هاتين المدرستين، فالإدارة تجبر الأولاد على أخذ مجموعات تقوية، وكل مجموعة تتكلف 25 جنيها فى الشهر،
وذات يوم سألت المدرسة لماذا تجبر ابنى على أخذ المجموعة، فقالت لى إنها شرط النجاح، ورغم ذلك فنسبة النجاح فى الشهادة الابتدائية فى المدرستين 21%، وعندما يذهب أبناؤنا الناجحون لمدارس إعدادية فى مناطق أخرى يعانون بشدة لعدم مقدرتهم على متابعة الدروس».
ويحكى الأستاذ سمير، رئيس جمعية المعز الخيرية، عن سوء وضع التعليم فى المنطقة بالقول: «يتخرج الأولاد وهم يعانون من الأمية لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، والفصول التى تصل كثافتها إلى 85 طالبا فى كل فصل، ليس بها مقاعد وإن وجدت فهى مكسورة غير صالحة للجلوس عليها، لقد صورنا أحد فصول مدرسة صلاح الدين العام الماضى وقد ربى المسؤولون فيها دواجن بدلاً من التلاميذ! وحينما نشكو لا أحد يهتم، حتى الوحدة الصحية لا تجد فيها أحدا، هل تصدقون أن أقرب نقطة شرطة لنا فى الحى العاشر بمدينة نصر، رغم ارتفاع معدل الجريمة».
حاولنا فهم سر عدم الاهتمام بسكان تلك المنطقة من موظفى الحى فى مدينة نصر، إلا أن الرد الذى تجده هناك فى انتظارك: «المنطقة كلها مخالفة، تحتاج لإبادة جماعية». تحتار فى أمرك مثل حيرة سكان الكيلو 4.5 بعد سماعك تلك العبارة، وتتساءل: هل هم ينتمون لمنطقة عشوائية مهملة، عليهم التكيف معها؟ أم من المفترض أنهم باتوا منطقة صدر لها قرار تطوير لم ينفذ منه شىء حتى الآن؟ وإذا كان غياب الخدمات بوجه عام، والمياه بوجه خاص، يحصد الصبر فى النفوس فى الكيلو 4.5، فإن الأسلاك الكهربائية للضغط العالى بالقرب من منازل الأهالى،
وفى الشوارع الضيقة غير الممهدة فى شكل هابط وصاعد بلا مبرر، تحصد أرواح البشر وبخاصة من الأطفال هناك، صعقاً بالكهرباء، سواء فى شارع «الورشة»، أو منطقة «مسجد شحاتة» التى تمثل أشد مناطق الخطر بالمنطقة كلها، حيث تتجمع فيها، وفى مساحة لا تتعدى الأمتار الثلاثة، أسلاك الضغط العالى.
«أكثر من حادثة مات فيها صبية وأطفال من المنطقة، طالبنا بإزالة تلك الأسلاك، أو منع البناء فى المنطقة المحيطة بها، ولكن شركة الكهرباء لا تهتم ولا يعنيها سوى كسب القضايا التى يرفعها السكان طلبًا للتعويض».. كما يعكس كلام عم محمد لا مبالاة المسؤولين، فإنه يطرح عدم الإحساس بالمسؤولية لدى المواطنين هناك، الذين يصرون على البناء فى منطقة يعلمون خطورة البناء فيها،
وهو ما يؤكده حديث المسؤولين عن خطوط الضغط العالى بالشركة المصرية لنقل الكهرباء، من أن الشركة ليست مسؤولة عما يحدث بمنطقة الكيلو 4.5، حيث تحصل قبل إنشاء أى خطوط، على جميع التصاريح اللازمة، وأنها غير مسؤولة عمن يقومون بالبناء فى محيط تلك الأسلاك.
ضيق الشوارع، والخوف من السرقة، سببان رئيسيان وراء عدم وجود صناديق للقمامة فى طرقات الكيلو 4.5 وعلى امتداد المنطقة بأكملها، لتزاحم القمامة الناس فى الشوارع، ولا يبقى أمامهم سوى حرقها وسط البيوت، وهى الوسيلة الوحيدة للتخلص منها، فى منطقة يعمل نسبة كبيرة من أهلها جامعى زبالة ينتشرون فى أحياء القاهرة المختلفة.
«مؤسسة الشهاب».. اسم يتردد فى منطقة الكيلو 4.5، ببعض الحذر كمنظمة مدنية تحصل على معونات دولية تقوم من خلالها بالمساهمة فى تنمية المنطقة، حيث يذكر السكان هناك فضل المؤسسة فى مد شبكة الصرف الصحى لنحو 720 منزلا عام 2004 من خلال منحة يابانية، وبناء أسقف جديدة مغطاة بطبقة مصنعة بطريقة خاصة وسميكة، لحماية السكان من طنين كابلات أعمدة الضغط الكهربائى المرتفع لنحو 50 منزلا، إلا أن الإنجازات لم تمنع تشكك الناس فى المؤسسة التى أثيرت حولها شائعات عن قيامها بنشاط تنصيرى بين سكان المنطقة.
«اتهمونا بالعمالة لأمريكا، وإسرائيل، ثم قالوا إننا نعمل على تنصير المسلمين، ولكننى لم أهتم سوى بتنفيذ ما بدأناه»..
هكذا تحدثت رضا شكرى، المدير التنفيذى لمؤسسة الشهاب، أمين الصندوق بها، وأضافت: «الجهل والفقر منبت جيد للشائعات، وفى منطقة تقدر فيها البطالة بنسبة 62%، والأمية بنسبة 77%، ونسبة الأسر التى تقطن غرفة واحدة 46%، لابد أن يحدث أسوأ من هذا،
وأؤكد أنه إن لم تتدخل الحكومة لحل الفوضى فى تلك المنطقة، فإن الكارثة واقعة لا محالة، فجهودنا غير مجدية فى منطقة يعيش كل سكانها تحت خط الفقر بمراحل، ولا أحد يتعاون معنا من المسؤولين، على سبيل المثال حصلت على منحة من السفارة اليابانية لتوصيل المياه لنحو 300 منزل، هل تتخيلون أن المسؤولين فى شبكة المياه يفضلون التعامل فى المناطق التى يعيش بها الأغنياء أكثر من تلك المنطقة، رغم أننى سأدفع تكلفة توصيل المياه والمواسير!
ولكنهم يماطلون فى التسليم وكأنه ليس من حق الفقير أن يحيا فى أدنى مستويات الخدمة، من يصدق أن منطقة تقع فى امتداد شارع الثورة، هنا فى الكيلو 4.5، تخرج النساء فيها لقضاء حاجتهن فى الشارع؟ المسؤولون لا يهتمون، ونواب مجلس الشعب لا يظهرون إلا فى وقت الانتخابات فقط، ثم يتلاشون تماماً».
اللاجئون الأفارقة جزء من نسيج منطقة الكيلو 4.5، التى يقطن بها نحو عشرة آلاف لاجئ أفريقى معظمهم من السودان، وتحديداً من الجنوب ودارفور، جميعهم هربوا من أوجاع الفقر والحرب والعنف واستحالة الحياة إلى مصر طمعاً فى عيشة أفضل رغم صعوبة الحصول على عمل مناسب،
وانتظاراً لفرصة سفر وتوطين فى إحدى دول أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو أستراليا عبر مكتب اللاجئين التابع للأمم المتحدة، غالبيتهم يحمل البطاقة الصفراء، يأتى للإقامة فى الكيلو 4.5 لرخص سعر الإيجارات بها، ولكن حالهم لا يختلف عن المصريين المقيمين هناك فى شىء، يعيشون ذات الفقر، ويتنفسون نفس البؤس.
ورغم هذا يتحملون، بمنطق «مجبر أخاك لا بطل»، مشاحنات المصريين القاطنين فى تلك المنطقة، الذين يتهمونهم بأنهم السبب فى غلاء كل الأسعار بدءاً من السكر والشاى، انتهاءً بأسعار الإيجارات.
جميل حسن، سودانى مسلم من الجنوب، جاء مصر منذ عدة سنوات لم يعد يتذكرها، ولكنه هنا صاحب مقهى السودانيين فى المنطقة، لا ينطبق وصف المقهى على ما يمتلكه جميل، ولكنه يقدم من خلاله الشاى والقهوة وبعض الأكلات السودانية الشهيرة مثل «الجاجاجيك» وهى عبارة عن وصفة تطهى فيها الكرشة،
كما يقدم «الكسرى» وهو نوع من الفطائر.. «اشتريت هذا المحل بكل ما جئت به من السودان، لابد من وسيلة أنفق بها على أهلى، لا أكسب الكثير ولكنه يكفينا، وأتمنى أن تأتى فرصة التوطين فى بلد ثالث، نسيت أن أعد سنوات عمرى هنا، قد تكون من نهاية التسعينيات».
مقاعد ومناضد مقهى السودانيين تكفل لروادها الجلوس مع بعضهم البعض ولعب الدومينو والكوتشينة فى انتظار أى فرصة عمل، تماماً كعمال التراحيل، إلا أن جميعهم ينتظمون فى الدراسة فى المعاهد الليلية لتعليم اللغة الإنجليزية، ومنها معهد «سانت بخيتة» التابع للكنيسة الكاثوليكية، ومدرسة «كوكا كاكا» التى تشرف عليها إحدى المؤسسات البريطانية.. والسبب هو أن يكونوا على علم باللغة فى حال ما جاءت أحدهم فرصة الهجرة التى ينتظرونها بفارغ الصبر.
مثل إسماعيل عبدالله المسلم الذى جاء من جبال النوبة السودانية فى عام 2005، ويحيا فى شقة بالكيلو 4.5 مع والدته وزوجته وطفليه، ويدفع إيجارا 400 جنيه فى الشهر، بينما دخله لا يتعدى 30 جنيها فى اليوم، أى ما يعادل 900 جنيه فى الشهر، إلا أن للكنيسة دورا مهما فى أن يكمل الشهر هو وأسرته، وهو ما يوضحه بالقول: «أنا مسلم ولكن الكنيسة هنا تساعد الجميع، دون أن تطلب منهم ترك دينهم، لا أحد يفعل ذلك، ولكن البعض يظن من تكرار ترددنا على الكنيسة أننا قد تركنا ديننا..
حينما كانت زوجتى حاملا فى طفلنا الثانى كانت تحصل على مساعدة شهرية من الكنيسة قيمتها 40 جنيها، وبعد الولادة استمرت فى الحصول على المعونة، هذا غير وجبات الطعام التى نحصل عليها عندما لا يكون فى البيت أى طعام، كما نلجأ لها فى حالات المرض دون أن يطلب منى أحد أن أتنصر».
سمها ما شئت، الكيلو 4.5 أو عزبة الهجانة، فالأسماء هنا لا محل لها من الاهتمام، ولكن التذكير بهم يبقى مهمة قومية، وقضية أمنية من الدرجة الأولى لا جدال فيها، الخوف من استمرار تجاهلهم لا يخلق سوى حالة من الرعب من الغد الذى يفقدون فيه الأمل فى الحياة كبشر، فيكون الحكم لقانون الانتقام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.