تمخضت الانتخابات الرئاسية الإيرانية عن تحولات جديدة يشهدها المجتمع الإيرانى، أولها تأكيد تهميش رجال الدين، فبعد استثناء مهدى خروبى الذى لا يجاهر بهذا الانتماء لا يوجد رجل دين آخر بين المرشحين، وللمرة الأولى منذ الثورة عام 1979 يبقى علماء الدين فى دور المتفرجين على الانتخابات وبالإضافة إلى ذلك يترددون فى دعم أى من المرشحين، بحسب فريبا عادل مديرة الأبحاث بمعهد العلوم السياسية فى باريس وإيرانية الأصل. وثانى هذه العوامل - تقول فربيا- هو التعبير عن التنوع العرقى فى البلاد من خلال المرشحين والموضوعات التى تناولها، فمهدى خروبى ينتمى إلى قبيلة ال "لوور" وقد أعلن معارضته لأى تمييز عرقى أو طائفى، وكذلك مير حسين موسوى من أصل أذدى، ومحسن رضائى من أصل بختيارى، وهو ما يجعل بعض المراقبين يرجحون أن يكون الرئيس المقبل من أصول غير فارسية. وثالث هذه المتغيرات هو دخول الفنانين والمخرجين والمثقفين للمرة الأولى أيضا فى معمعة العملية الانتخابية، حيث رفعوا صوتهم عاليا لحض الإيرانيين على الإدلاء بأصواتهم للخصوم الأكثر اعتدالًا ضد الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد. ويصرخ الفنانون الإيرانيون منذ عقود بسبب الرقابة على الأعمال الفنية والأدبية، التى تمنع صدورها أو توزيعها وقد حظرت عرض العديد من الأفلام. وشارك العديد من المخرجين والممثلين فى تجمع عُقد فى مايو الماضى فى ملعب ازادى فى طهران بمناسبة ذكرى انتخاب خاتمى عام 1997، وأعلن الرئيس السابق خلاله وسط آلاف المناصرين تأييده للمرشح مير حسين موسوى، وفى رسالة مؤثرة نشرت هذا الشهر، أعلن المخرج الشهير محسن مخملباف أيضا تأييده لموسوى، كما أثنى على المرشح الإصلاحى مهدى كروبى، الرئيس السابق لمجلس الشورى، كذلك دعا المخرج داريوش مهرجوى الناخبين الشبان للمشاركة بكثافة فى الانتخابات والإدلاء بأصواتهم لصالح أى من موسوى أو كروبى. وكتب فى مجلة «شلشرق» الموجهة إلى الشباب: «لا مجال فى ظل تردى الوضع الحالى للمقاطعة، علينا ألا ننسى الأوقات الطيبة».وقال مهرجوى الذى سحرت أفلامه أجيالا من رواد دور السينما الإيرانيين: «هذه الانتخابات قد تكون الاهم بالنسبة لكم ولى، نحن التواقون إلى التغيير». وسجلت الكتب والأفلام التى تم منعها مستوى قياسيا فى عهد نجاد، وفى هذا السياق قال أمير حسين زادكان، أحد كبار الناشرين، متحدثا لصحيفة "اعتماد ملى: وصلت الرقابة إلى حدها الأقصى فى السنوات الأربع الأخيرة وأثار الحظر مشكلات عديدة بالنسبة للناشرين ووضع القطاع الخاص على شفير الإفلاس، ونعم الفنانون بفترة من الحرية النسبية بين 1997 و2005 فى عهد الرئيس الإصلاحى محمد خاتمى الذى شن المعارضون حملة انتقادات ضده متهمين مسؤوليه الثقافيين بالتشجيع على «الانحلال»، ووصل أحمدى نجاد إلى السلطة متعهدا بإحياء القيم الثورية والإسلامية وعيّن ناشر صحيفة كيهان المتشددة على رأس وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامى، وفى أبريل 2008 حضّ وزير الثقافة محمد حسين صفار هرندى الكتّاب على ممارسة الرقابة الذاتية على كتاباتهم إن كانوا يرغبون فى نشرها، وذلك ردا على شكاوى تناولت الرقابة الاعتباطية، وقال الوزير إن على الكتّاب أن يتجنبوا "الإسراف فى تصوير العلاقات الحميمة بين الرجل والمرأة، والاستهزاء بالدين"، وحظرت وزارته أعداداً من الكتب بما فيها أعمال لأحد أعظم الكتاب الإيرانيين المعاصرين صادق هدايت، وآخر روايات الكاتب الكولومبى الكبير غابريال غارثيا ماركيز، وألغت أجهزة الرقابة مرارا أذونات إصدار لكتب أُذنت سابقا مثل رواية "عقرب على أرصفة سكة انديمشك" التى تجرى أحداثها على خلفية الحرب الإيرانية العراقية، وقد حظرت بعد إصدارين. ويقر المخرجون للحكومة بأنها بنت ورممت دور السينما فى جميع أنحاء البلد، غير أن حركة توزيع نسخ ال«دى فى دى» المقرصنة لأعمالهم السينمائية أضرت إلى حد بعيد بالمبيعات على شبابيك التذاكر، وفى المقابل، تنتقد الأوساط الفنية مسؤولى الدوائر الثقافية لتشجيعهم الأفلام الكوميدية المبتذلة والأفلام الأخلاقية النمطية، وقالت المخرجة تهمينه ميلانى لصحيفة «سورمايه» «تم تشديد القيود أكثر فى هذه الحكومة على مواضيع عدة مثل القضايا النسائية»، وبذلت مخرجة الفيلم «امرأتان» الذى لقى نجاحا كبيرا لدى الجمهور النسائى وأثار سخط الرجال بما تضمنه من مواقف جريئة حيال القمع الذى يمارس على النساء منذ عقد، جهودا حثيثة لإسقاط حظر مفروض منذ سنتين على فيلمها "تسوية حساب"، دون أن تنجح فى تحقيق ذلك.