على غير عادة الريف خلت شوارع قرى محافظة القليوبية من الطيور والدواجن الحية، التى أصبحت حبيسة المنازل، بسبب خشية مربيها مصادرتها، رغم تمسك أغلب قاطنى تلك القرى بعادة تربية الدواجن، إما على سبيل الهواية، أو لكونها مصدرًا للدخل يعول أسر بأكملها. بعد جولة استمرت ساعات داخل شوارع قرية «قلما»، إحدى قرى محافظة القليوبية، وافق أحد قاطنى القرية على إرشادنا إلى منزل سيدة مسنة، تعول أسرتها من تربية وبيع الدواجن الحية، وذلك بعد إلحاح شديد وتأكده من عدم وجود أى صلة بيننا وبين موظفى الوحدة المحلية، الذين يهاجمون منازل القرية بين الحين والآخر بحثاً عن الدواجن الحية. أمام منزلها المتواضع المكون من حجرتين وصالة على مساحة لا تتجاوز 60 متراً جلست الحاجة «نزهة» 55 عاماً، مرتدية جلبابها الأسود، لتروى لنا لمحات من الظروف الأسرية القاسية التى دفعتها إلى احتراف مهنة تربية وبيع الدواجن الحية لأهل قريتها وفى أسواق المحافظات المجاورة لها، حتى أصبحت كما تروى مصدر دخلها الأساسى، الذى لم تعرف غيره لإعالة أبنائها الأربعة منذ أكثر من 20 عامًا، هى المدة التى انفصلت خلالها عن زوجها «طول عمرنا بنربى الفراخ ونبيعها من غير خوف ولا قلق من حاجة». وتابعت: «لما جوزى طلقنى سابنى من غير نفقة ولا معاش.. وما كنش قدامى غير إنى أربى الفراخ وأبيعها علشان أقدر أربى عيالى». علاقة نزهة بالدواجن التى تضمها جدران منزلها تفوق ما تحمله تحذيرات وزارة الصحة من مخاطر قد تتعرض لها أثناء تعاملها المباشر مع الدواجن الحية حيث قالت: «الفراخ فى بيتى زى عيالى.. ما بنامش إلا لما ألمهم واطمن عليهم فى عشتهم.. وكفاية إن الفراخ دى هى اللى حققت حلمى فى عيالى.. هى اللى خلت ابنى الكبير يطلع دكتور، وجوزت بنتى الكبيرة، ده غير اللى لسه بيتعلموا فى الجامعة». لم تنكر «نزهة»» علمها بخطر الموت الذى قد تتعرض له فى حال انتقال عدوى أنفلونزا الطيور إليها «أنا فراخى سليمة، وعلشان انتشار العدوى بنيت ليها أوضة مخصوص، ولما بتوع الوحدة المحلية كشفوا عليها قلت لهم فراخى سليمة ومتطعمة، وساعات بخبيها معايا فى أوضة النوم علشان ما يخدوهاش منى». ممارسة «نزهة» بيع الدواجن الحية الآن أشبه بتجارتها فى سلعة محظورة، فعلى حد قولها تقوم ببيع الدواجن الحية «فى السر» خشية إلقاء القبض عليها أو تحرير محضر لها أو لأحد من أولادها، الأمر الذى يهدد بضياع مستقبلهم، الذى كافحت سنيناً طوال من أجل بنائه وعلقت: «ماعدتش بابيع الفراخ فى الأسواق زى الأول، ولو بعتها بابيعها بس لجيرانى اللى عارفنى، وبيطلعلى مكسب فى الفرخة الواحدة حوالى 3 جنيه، ومن ساعة الأزمة اضطريت أخرج أشتغل فى الغيطان، علشان أعوض فرق المصاريف، خصوصًا أن عيالى لسه بيدرسوا فى الجامعة، وما حدش منهم بيشتغل». وعلى النقيض بادرت إحدى الأسر الثرية فى مدينة «طوخ» بالمحافظة بالتحدث إلينا عن سبب تمسكها بعادة تربية الدواجن فى الفيلا الخاصة بها: «تربية الفراخ تعتبر هواية مفرحة، لأننا بنربى الفرخة زى الطفل من أول ما تخرج من البيضة لحد ما تندبح»، هكذا تحدثت هناء محمد، ربة منزل، وحاصلة على بكالوريوس تجارة خارجية، عن سبب تمسكها بعادة تربية الدواجن داخل منزلها وقالت: «نحن أسرة ثرية، وتربيتنا للدواجن مجرد هواية وتسلية، خاصة أنها ليست لها علاقة بمصدر دخلنا، بل على العكس نقتطع جزءًا من دخلنا لشراء العلف، اللازم لإطعامها، فتربية الدواجن موروث ثقافى، ولا يمكننا الاستغناء عنه، بأى حال من الأحوال». وفى قرية «سنديون» تضطر أسرة «أم حسن» إلى تربية الدواجن الحية، لتحقيق اكتفاء ذاتى من اللحوم، فمحدودية دخل الأسرة تحول دون قدرتها على شراء اللحوم أو البيض، أو حتى الدواجن، التى يصل سعر الكيلو منها فى بعض الأحيان إلى 14 جنيهًا. ووسط دواجنها وقفت «أم حسن» تفسر سبب تمسكها بعادة تربية الطيور قائلة: «جوزى أرزقى بيشتغل يوم وعشرة لأ، ونادراً ما بنشترى لحمة، وعلشان كده بربى الفراخ، خصوصاً أن تربيتها مش مكلفة، وبتعيش على فضلة البيت». وعن مدى تخوفها من عدوى أنفلونزا الطيور قالت: «الفراخ اللى فى البيت ما بتعياش، لأن كل حاجة حوليها نظيفة، حتى الإناء اللى بتشرب منه، عكس فراخ المزارع، اللى ما بيظهرش عليها المرض، إلا لما تنتشر بينها العدوى، فتموت وتموت اللى حوليها». وعن رأيها فى حملات الوحدات المحلية ضد مربى الطيور قالت: «الحملات دى المفروض تكون فى القاهرة بس، لأنها مش زى الريف، واسع وما فيهوش زحمة، والتهوية فيه كويسة».