عندما يذكر اسم مانويل جوزيه سيتوقف التاريخ طويلاً أمام إنجازات داهية التدريب البرتغالى مع فريق الأهلى خلال نحو ستة أعوام. لم يكن جوزيه مجرد مدرب فقط بالنسبة للأهلى بل كان قائداً وأباً روحياً للاعبين، عشقته الجماهير ونقشت اسمه بأحرف من ذهب فى قلوبها ولم لا، وقد حقق لهم ما لم يحققه غيره فى تاريخ النادى الأحمر. لقد جاء جوزيه إلى مصر وهو مدرب مغمور فى القارة السمراء، ولكنه يرحل اليوم بعد أن أصبح بطلاً أسطورياً، سطر لنفسه تاريخاً خالداً مع زعيم الكرة الأفريقية. تميز جوزيه خلال مسيرته مع الأهلى فى الناحيتين الإنسانية والفنية ليكسب تعاطف وحب الجماهير الأهلاوية بمختلف طوائفها، وعلى المستوى الإنسانى فقد تأثر جوزيه كثيراً بوفاة نجمه محمد عبدالوهاب، الذى وافته المنية فجأة وهو يتدرب مع زملائه فى ملعب النادى، وهو ما وصفه مدرب بنفيكا السابق بأنها أصعب لحظة مرت عليه طوال مسيرته الكروية كما أنه دائماً ما يتحدث عن الفقراء ودائماً ما يهدى أى إنجاز يتحقق داخل النادى إليهم. وعلى المستوى الفنى، فقد نقل جوزيه خبرته التدريبية فى أوروبا إلى لاعبيه وتميز فى إثارة حماس لاعبيه فى الأوقات الصعبة بجانب خبرته الكبيرة فى التعامل مع المباريات الحاسمة وإجراء التغييرات بدقة وفى الوقت المناسب، كما أنه لديه القدرة على قراءة الملعب بشكل جيد وبالتالى التعامل مع المنافسين بالطريقة الملائمة. وبدأ جوزيه مسيرته مع الساحرة المستديرة وهو فى السادسة عشرة من عمره فى بنفيكا وأحرز معه لقب الدورى البرتغالى فى عام 1962 ثم انتقل إلى صفوف بلينسش وفارنزى المنافسين فى دورى الدرجة الأولى. واستهل المدرب المخضرم مشواره التدريبى فى موسم 1985/1986 فى نادى سبورتينج كلوب دى برتغال ثم سبورتينج براجا قبل أن يقود فريق أسبنهو للصعود إلى دورى الدرجة الأولى. وعرف جوزيه طريق البطولات فى عام 1992 حينما قاد بوافيستا للتتويج بلقب كأس البرتغال، وفى موسم 1996 تولى تدريب بنفيكا وكان أول من رصد موهبة صانع الألعاب المبهر لويس فيجو. وبدأت مسيرة جوزيه مع الأهلى فى عام 2001، وفى أول مباراة له مع الفريق قاده للفوز على المارد الإسبانى ريال مدريد ودياً بهدف نظيف ليكتسب احترام وحب الجماهير الحمراء ويحقق لنفسه أفضل بداية ممكنة فى تجربته الجديدة داخل القارة الأفريقية. وأعاد الثعلب البرتغالى فريق الأهلى للخارطة الأفريقية بعد غياب 14 عاماً حيث قاده للتتويج بلقب دورى أبطال أفريقيا، الغائب عن خزانة النادى منذ عام 1987، قبل أن يحرز معه لقب كأس السوبر الأفريقى ليصبح معشوقاً لدى الجماهير الحمراء. وحقق المدرب البرتغالى نتائج لا بأس بها مع فريقه الجديد فى موسم 2001/2002 وقاده لتحقيق فوز تاريخى على غريمه اللدود الزمالك بنتيجة 6/1 فى المباراة التى شهدت تسجيل خالد بيبو أربعة أهداف شهيرة، ولكنه خسر اللقب فى النهاية بفارق نقطتين خلف بطل المسابقة الإسماعيلى لتجد إدارة النادى الأهلى نفسها مضطرة للتضحية بالمدرب إرضاء لجمهور يرفض الهزيمة مهما كانت الظروف. وانتقل لتدريب بلينسيس البرتغالى وكان مرشحاً بقوة لتدريب منتخب بلاده ولكن اتحاد الكرة البرتغالى فضل الاستعانة بخدمات المدرب البرازيلى لويس فليبى سكولارى وتعاقد الأهلى مع المدرب الهولندى جو بونفرير، وكان الأهلى قاب قوسين أو أدنى من إحراز لقب الدورى الممتاز حيث تصدر المسابقة حتى الجولة الأخيرة ولكن هزيمته أمام إنبى أهدت اللقب إلى الزمالك. ورحل بونفرير فى نهاية الموسم ليتعاقد الأهلى مع المدرب البرتغالى تونى أوليفيرا، ولكنه قاد الفريق نحو الهاوية بعد أن خسر الأهلى رقماً قياسياً من المباريات خلال الدور الأول فأصبحت عودة جوزيه مطلباً جماهيرياً لا خلاف عليه. وبالفعل استجابت إدارة الأهلى واتفقت مع المدرب السابق على العودة للفريق فى النصف الثانى من موسم 2003/2004 ولم ينجح جوزيه فى قيادة فريقه لإحراز اللقب المحلى فى موسم 2003/2004 رغم تحقيقه نتائج متميزة فى الدور الثانى، وتعاقد جوزيه مع كتيبة من النجوم أمثال عماد النحاس ومحمد بركات ومحمد عبدالله ومحمد عبدالوهاب، وإسلام الشاطر ومن بعدهم الأنجولى فلافيو لينضموا إلى محمد أبوتريكة وحسن مصطفى وجيلبرتو وباقى نجوم الفريق. وتغير الفريق الأحمر شكلاً ومضموناً فى موسم 2004/2005 حيث حقق الفريق 17 فوزاً متتالياً، وسحق الإسماعيلى بستة أهداف نظيفة، ولم يتعرض لأى هزيمة طوال الموسم، بعدما ضم أبرز نجوم الملاعب المصرية قبل أن يتوج بلقب الدورى المحلى بفارق 31 نقطة عن إنبى صاحب المركز الثانى. وأعاد جوزيه للأهلى هيبته وزعامته الأفريقية وقاده لإحراز لقب دورى أبطال أفريقيا مجدداً بعد الفوز على النجم الساحلى التونسى فى نوفمبر 2005 قبل أن يحرز معه لقب كأس السوبر الأفريقى على حساب الجيش الملكى المغربى، وحقق مانويل جوزيه شهرة واسعة على جميع الأصعدة وذاع صيته بعيداً كصانع ألقاب وصائد البطولات، وانتقل الأهلى من الساحتين الأفريقية والمحلية إلى الساحة العالمية وشارك للمرة الأولى فى تاريخه فى بطولة كأس العالم للأندية باليابان، ولكنه خسر مباراتيه واحتل المركز السادس للبطولة. واحتكر الأهلى تحت قيادة مدربه البرتغالى القدير جميع الألقاب فى موسم 2005/2006، حيث أحرز الفريق لقبى الدورى والكأس ولقب كأس السوبر المحلى بجانب دورى أبطال أفريقيا وكأس السوبر الأفريقى والميدالية البرونزية فى كأس العالم للأندية، وحطم الأهلى فى هذا الموسم جميع الأرقام القياسية محققاً إنجازات لم يسبق لها مثيل على الساحتين الأفريقية والعربية، ورغم الإنجازات الكبيرة التى حققها جوزيه مع الأهلى فإنه دخل فى صراع شرس وطويل مع وسائل الإعلام التى دائماً ما وصفته بالغرور والغطرسة، ولكن جوزيه فضل التركيز مع فريقه بدلاً من الدخول فى حرب إعلامية قد لا تصب فى مصلحته، وفى موسم 2006/2007 جمع جوزيه بين ثنائية الدورى والكأس قبل أن يحرز كأس السوبر المحلى، لكنه فشل فى قيادة فريقه نحو اللقب الأفريقى الثالث على التوالى بعدما خسر الأهلى فى المباراة النهائية أمام النجم الساحلى بالقاهرة، واستمر جوزيه فى سياسة تدعيم صفوف فريقه بمجموعة من أبرز اللاعبين وضم العديد من النجوم اللامعين مثل أحمد فتحى والمعتز بالله إينو. وواصل الساحر البرتغالى هوايته فى حصد الألقاب فى موسم 2007/2008 وقاد فريقه لإحراز لقب الدورى المحلى للمرة الرابعة على التوالى ولقب كأس السوبر المصرى ودورى أبطال أفريقيا بجانب كأس السوبر الأفريقى. ولم ينس جوزيه إنعاش صفوف فريقه فسارع إلى ضم أحمد حسن وسيد معوض وحسين ياسر المحمدى وهانى العجيزى وأحمد حسن فرج وحسين على، فى الوقت الذى رحل فيه الحارس المخضرم عصام الحضرى إلى صفوف سيون السويسرى دون إخطار أى من المسؤولين. وقاد جوزيه فريقه إلى كأس العالم للأندية للمرة الثالثة، فى إنجاز تاريخى لم يحققه أى فريق على مستوى العالم، ولكن النتائج جاءت مخيبة للآمال ليعود الفريق من اليابان سريعاً. واختلف الوضع داخل أروقة الأهلى بعض الشىء فى موسم 2008/2009، حيث أعلن بعض اللاعبين التمرد بسبب استبعادهم كثيراً من قائمة الفريق. واستهل الأهلى مشواره فى الموسم الحالى بشكل جيد، حيث حقق الكثير من الانتصارات، ولكن مع مرور الوقت بدأ الفريق يفقد الكثير من النقاط فى الوقت الذى كان فيه الإسماعيلى يراقب الوضع عن كثب ويحاول اللحاق بالفريق الأحمر، وبالفعل تحقق له ما أراده وتساوى الفريقان فى مجموع النقاط فى الأسابيع الأخيرة من المسابقة. وظلت كفتا الأهلى والإسماعيل متساويتين حتى الجولة الأخيرة من المسابقة ليحتكم الفريقان إلى مباراة فاصلة، أقيمت على استاد المكس بالإسكندرية، حسمها فلافيو لصالح الأهلى بهدف نظيف، ليتوج الفريق بلقب الدورى المصرى للمرة الخامسة على التوالى والرابعة والثلاثين فى تاريخه. وعاش الأهلى تجربة متناقضة إلى حد ما فى الموسم الحالى، حيث أحرز الفريق لقب الدورى المحلى، ولكنه لم يحقق النجاح ذاته فى مسابقة الكأس، كما أنه خرج من دور الستة عشر لدورى أبطال أفريقيا ليتحول تلقائياً إلى مسابقة كأس الاتحاد الأفريقى «كأس الكونفيدرالية». وجاء توقيت إعلان جوزيه عن رحيله لتدريب منتخب أنجولا ليثير الكثير من ردود الفعل حول أسباب اختياره هذا التوقيت الصعب للإعلان عن مثل هذا القرار الحاسم، حيث كان الفريق مقبلاً على مباراة فى غاية الصعوبة أمام حرس الحدود ومن بعده طلائع الجيش، ولكن العجوز البرتغالى أتم مهمته بنجاح، وقاد الأهلى للفوز بلقب الدورى الممتاز ليحقق الفريق لقبه التاسع عشر ما بين محلى وأفريقى خلال عهد جوزيه. والآن وبعد انتهاء علاقة جوزيه بالأهلى هناك سؤالان يفرضان نفسيهما بقوة على الساحة الرياضية: هل ينجح الأهلى فى مواصلة طريق الانتصارات بعد رحيل صائد البطولات؟ وهل ينجح جوزيه فى تكرار إنجازاته مع الأهلى خلال تجربته الجديدة مع المنتخب الأنجولي؟.. هذا ما ستجيب عنه الفترة المقبلة.