للأسف.. لا يبدو أن هذه السلسلة من المقالات ستنتهى قريبا!.. كلما استعرضتُ مثالا لتوريث الحكم، يطل برأسه وبصورة فجة مثالٌ آخر!.. بالطبع لا تخرج تلك الأمثلة إلا من بلدان عربية وأفريقية وسوفيتية سابقة!.. فى معظم تلك البلدان لا قيمة للدستور!.. هو مجرد رزمة من الأوراق التى يسهل التعامل معها بالحذف أو الإضافة، لتأمين كرسى الحكم للوريث المنتظر!.. أما فى بلدان العالم الأول فالأمر مختلف تماما.. الدستور هناك كتابٌ مقدس، يقف أمامه الرئيس بإجلال حتى لو سولت له نفسه شيئا آخر، والنفسُ كما نعرف أمارةٌٌ بالسوء!.. الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون صرح، منذ أيام، بأنه كان يفضل البقاء رئيسا إلى أن يُحملَ فى نعش باتجاه مثواه الأخير!.. لكنه سرعان ما استدرك: الحمد لله أن الدستور يحدد فترة الرئاسة!.. وسواء قالها كلينتون فى لحظة صدق أو على سبيل المزاح، لم يكن متاحا له، ولن يكون متاحا لغيره مجرد التفكير فى البقاء ولو ساعة واحدة كرئيس بعد انتهاء فترته الدستورية، فما بالك بتوريث السلطة لأحد أفراد الأسرة؟!.. قرغيزيا ليست الولايات المتحدة!.. إنها واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق التى ربما لا يعرفها أحد فى بلادنا سوى الرئيس مبارك، حيث تدرب بضعة أشهر فى إحدى قواعدها الجوية الشهيرة!.. تقع قرغيزيا فى آسيا الوسطى بجوار طاجكستان وكازاخستان وأوزبكستان والصين، وبرزت على ساحة الأخبار فى عام 2004 عندما انتقلت إليها حمى الثورات الملونة، آنذاك، نشرت إحدى الصحف المعارضة صورة لقصر فخم كان يجرى تشييده للرئيس «عسكر أكاييف»، فساهم ذلك فى إشعال غضب الجياع وهم أغلبية فى تلك الجمهورية الفقيرة!.. هبّ الناس بقيادة زعيم المعارضة «كورمانبيك باكييف» وبمساعدة من مؤسسات أمريكية وأجبروا الرئيس أكاييف على ترك الحكم والهروب إلى موسكو!.. انتصرت المعارضة وأطلقت على تلك الأحداث ثورةَ الليمون وأصبح زعيمها رئيسا!.. فى سبتمبر 2005 توجهت إلى العاصمة القرغيزية «بشكيك» للقاء الرئيس الجديد باكييف.. بدا الرجلُ متواضعا بدرجة كبيرة.. أكد لى أن ما وقع فى بلاده ثورةٌ شعبية حقيقية، لم يصنعها الأمريكيون ولم يساهم فيها الاتحاد الأوروبى كما جرى فى جورجيا وأوكرانيا.. تحدث عن تمسكه بالديمقراطية وخططه للنهوض بقرغيزيا.. كان، حينها، لايزال محتفظا بلهجة الثورى، لكنه بعد أشهر قليلة شرع تدريجيا فى التخلص من رفاق الثورة وفى قصقصة أجنحة المعارضة!.. فى أكتوبر 2007 عدل الدستور لتدعيم سُلطته، وفى يوليو من العام الجارى فاز بولاية رئاسية جديدة فى انتخابات باهتة حصل خلالها على 90% من الأصوات!.. لم يكتف باكييف بذلك، بل قام، الأسبوع الماضى، بتعيين نجله «مكسيم» البالغ من العمر 32 عاما رئيسا لوكالة التنمية التى تشرف على المشروعات الاستثمارية، وكان قد عين فى وقت سابق نجله الأكبر «مراد» فى منصب رفيع بجهاز أمن الدولة، أما شقيق الرئيس «زانيش باكييف» فيقود منذ سنتين حرس الرئاسة!.. تقول مصادر المعارضة إن الرئيس باكييف يحاول ترضية نجله «مكسيم» الذى يشعر بغيرة شديدة تجاه الأخ «مراد»، المرشح الأقوى لخلافة السيد الوالد!.. انضمت إذن قرغيزيا إلى شقيقاتها من الجمهوريات السوفيتية السابقة التى يجرى فيها تجهيز أبناء وبنات لوراثة الحكم.. لم أستغرب هذا التطور، ولم أجعله يستحوذ على اهتمامى، الذى كان مُنصبّا على متابعة المؤتمر السنوى السادس للحزب الوطنى الديمقراطى! [email protected]