من حق الإدارة الأمريكية أن تفخر بأسطولها السادس المرابط فى البحر المتوسط، فهو أقرب أذرعها للتدخل السريع فى الشرق الأوسط إذا دعت الحاجة، وهو البعبع الذى يظهر فى صورة مدمرات وغواصات ومقاتلات وخمسة آلاف جندى من المارينز!.. أما فى مصر، فيتعين على حكومة الحزب الوطنى الخجل من أسطولها السادس، المهيمن على شتى وسائل الإعلام، المسلح بأقلام وميكروفونات وكاميرات لا تفلح سوى فى جلب الهزائم!.. اُستنفِرتْ قواتُ هذا الأسطول ونجحتْ فى حشد الملايين قبل وبعد مباراتى الجزائر.. أشعلتْ معركةَ غبية وتافهة، ومع ذلك لم يتوار جنرالاتها عن الأنظار بعد أن جروا بغبائهم ثلاثَ هزائم: معنوية وسياسية ورياضية!.. ظلوا يمنون الناس بتسوية الهوايل، ثم تراجعت الأمنيات تدريجيا وانحصرت فى انتظار اعتذار جزائرى لم ولن يجىء!. وحين وصلتهم الأوامر العليا (جدا) بالكف عن الإثارة، بدأوا فى تهدئة اللعب، وازدحمت أحاديثهم بضرورة التعقل والالتزام بالحكمة!.. ولأنهم محظوظون، رزقهم الله من حيث لم يحتسبوا قضية أخرى ليستخدموا فيها تكتيك التدخل السريع!.. العدو هذه المرة كان الدكتور محمد البرادعى، الذى انسحب من لسانه ودعا إلى ضمانات لنزاهة الانتخابات الرئاسية القادمة، فاكتشفنا أنه عميل أمريكى ساهم فى تدمير العراق، والفضل فى الاكتشاف طبعا لجنرالات الأسطول السادس الإعلامى!.. لا يستحى هؤلاء إن حدثتهم عن الضمير المهنى، ولا يخشون الله إن نبهتهم إلى القواعد الدينية والأخلاقية، لذا لم يعد بالإمكان غير مناشدتهم بأن يحتذوا برجال المافيا الروسية!.. صدقونى ليس فى الأمر مزاح.. فالمافيا تُحارِبُ بشتى الوسائل.. تلطخُ السمعة وتنهبُ وتبتزُ وتقتل.. لكن زعماءها يقومون فى ذات الوقت بأعمال خيرية.. يفتتح بعضهم مستشفيات، بينما يفضل البعض الآخر إنشاء ملاجئ لرعاية الأيتام، أو التبرع لإقامة دور للعبادة!. لا يهم إن كانوا يفعلون ذلك من باب الوجاهة أو بغرض التكفير عن الذنوب.. فلم لا يوجه جنرالات الأسطول السادس الإعلامى جزءا من قدراتهم ومواهبهم لعمل الخير؟!.. لا أظنُ أن حظوتهم لدى السلطة ستتأثر إذا حشدوا الناس لنصرة قضايا معيشية.. ولا أشك مثقال ذرة أن امتيازاتهم العينية والمعنوية ستنقص.. بل ربما تزيد!.. ليحشدوا الجماهير تحت شعار (فى حب مصر) الرائج حاليا، ويوظفوه من أجل نظافة الشوارع، والالتزام بقواعد المرور، وللمطالبة بمحاسبة الفاسدين وناهبى المال العام.. ليرفعوه كى توقن الأجيال المُغيَّبة أن مصر قوية بالعرب لا بغيرهم.. وأن تغيير التاريخ والجغرافيا مستحيل!.. وهبهم الله الظروف والأدوات القادرة على الحشد، فكادوا أن ينجحوا فى تحويل الجزائر إلى عدو، بعدما أفلحوا بجدارة، طوال السنوات الماضية فى ترسيخ الشعور بالتعالى لدى المصريين تجاه العرب!.. كلما توترت علاقتنا (الرسمية) مع دولة عربية ما، يهب هؤلاء ليطلقوا رصاصهم فى صورة كلمات غير مسؤولة: علمناكم..أطعمناكم.. لولانا ما كنتم.. إلخ. المصيبة أن الدول الأفريقية أيضا لم تَسلمْ من هذا التعالى، الذى يظهر فى مناسبات رياضية، تحولت بواسطة هؤلاء الجنرالات إلى معارك وهمية للحفاظ على الكرامة، ساعد على ذلك زهدٌ سياسى غير مفهوم تجاه دعم علاقتنا مع الأفارقة، ما أخلى الساحة لإسرائيل لتسرح وتمرح، خصوصا فى دول حوض النيل!.. عما قريب يا سادة سيشارك منتخبنا الوطنى فى بطولة الأمم الأفريقية بأنجولا.. مؤكدٌ أننا لا نملك إمكانية إصدار تعليمات عليا ليتجنب الأسطول السادس الإعلامى طريقته المعتادة فى الإثارة، وليبتعد عن تحقير إمكانات الدولة المضيفة للبطولة، وترديد الأسطوانات المشروخة عن سوء التنظيم وتواضع الفندق والسحر الأفريقى الأسود!.. بأيدينا فقط: مناشدةُ الجنرالات أن يتحلوا (أحيانا) بأخلاق رجال المافيا! [email protected]
