أنا مقتنعة بأن المدن كالبشر، بعضها دمه خفيف وبعضها دمه أثقل، بعضها يشرح القلب وبعضها يقبضه، وأنا عاشقة للسفر.. كلما أتيحت لى فرصة الذهاب إلى مكان ما فى العالم أشد الرحال دون تردد.. وآخر فرصة سفر أتيحت لى كانت إلى التشيك.. التشيك التى كنا نعرفها قبل انفصالها عن سلوفاكيا باسم تشيكوسلوفاكيا، ونعرفها طبعاً من الفنان محمد هنيدى باسم تشيك تشيك تشيك رواندا. حقيقة لم أكن أعرف إلا القليل عنها، وبعض الدول- كما أقول دوماً- أقل حظاً فى الشهرة من دول أخرى.. والتشيك بلد تشرح القلب، فرغم البرودة الشديدة للجو «برودة من الصفر وأقل تلسع وجهى وأنا خارجة من محطة المترو» فإن أجواء الكريسماس والشجر المضاء فى كل مكان كانت مثل ابتسامة عريضة ترحب بك.. شوارع قديمة بحاراتها الصغيرة المتراصة الواحدة قرب الأخرى، وعمارات متناسقة فى الحجم واللون والارتفاع.. وبراغ مدينة قديمة يقال إنها تعود إلى العصر الحجرى، ويقال إنها أنشئت قرب قلعة براغ عام 870، التى أصبحت فيما بعد مقراً للحكام التشيكيين. قمة ازدهار المدينة كانت فى القرن الرابع عشر على يد الملك شارل الرابع، الذى تجد تماثيله فى كل مكان، وسُمى أشهر كبارى براغ باسمه. وكوبرى- أو جسر- شارل أحد أجمل الأماكن التى من الممكن أن تسير عليها.. ذهبت إلى هناك وحدى وسرت تحت المطر الذى كان يتساقط فوق رؤوس السائرين من مختلف الجنسيات.. أنظر إلى نهر «فلتافا» وأمر على الأكشاك الصغيرة التى وضعت فوق الجسر، ويعرض أصحابها ما صنعت أيديهم خاصة النحاس الملون.. ورغم برودة الطقس مع احتياطاتى الشديدة ورغم البلل الذى أغرانى فإن جمال المكان أنسانى كل هذا... وفى براغ أيضاً الساعة الفلكية التى تتوسط الساحة القديمة للمدينة، ويقال إن الساعة تعود لعام 1410، والساعة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء وفى أعلاها بابان يفتحان على رأس كل ساعة ليطل منهما تمثالان مع قرع للأجراس، لذلك تجد السائحين يتجمعون عند رأس كل ساعة لمشاهدة فتح البابين وخروج التمثالين الأشبه بالهياكل العظمية... مقالى اليوم تحية لمدينة أحببتها واعتذار عن جهلى بها قبل زيارتى لها.. مدينة اعتبرت أن أهم ما يجب أن تحافظ عليه هو تاريخها.. متمثلاً فى العمارة والجسور.. مدينة قررت أن تحتفظ بهويتها ورفضت أن تكون بلوكات أسمنتية، وعندما تحب يجب عليك أن تقول.. فهذا حق المحبوب. [email protected]