فى الأيام القليلة الماضية كانت عدة وسائل إعلامية تنشر صورا لى وترفقها بصورة لنوال السعداوى، فى إشارة إلى أننى أشبهها بأفكارى. الطريقة التى تعاطت بها أغلب تلك المقالات الذكورية توحى بأن الدكتورة نوال كائن ليس محمودا التشبه به. بسبب شطحاتها وخزعبلاتها. هكذا قالوا عنها. والحقيقة أنى سعيدة بوصفهم ذاك لى. سعادتى الفائقة كانت وأنا أرى صورتى وصورتها داخل نفس البرواز فى الصفحة الأولى لإحدى الصحف. معهم كل الحق بتشبيهى بها فأنا ِأحمل أفكارها ومتأثرة بها، بل أحاول جاهدة أن أتشبه ببعض من جلدها وإصرارها. امرأة قوية مؤمنة لا يردها شىء أو يضعفها شىء. أمر وحيد تغاضيت عنه هو طريقة ملبسى ومشيتى واهتمامى بمقاسات الجسد التى يفرضها علينا مصممو الموضة. نوال تريد للمرأة أن تظهر على طبيعتها لتلغى عامل الإغراء الذى يتعذرون به كلما أرادوا عزل المرأة وترى أن الأنوثة هى بالداخل لا الخارج. وأنا أعتقد أن الإغراء الفكرى لا يتعارض مع الاهتمام بأدوات المظهر الأنثوى. وأن أعجوبة (المرأة) لا يجوز تشويهها بإهمال الفكر كما لا يجوز تشويهها بروتينية الشكل. أول معرفتى بنوال السعداوى كانت من على أحد أرفف مكتبة والدتى. كتاب منعت من قراءته وأنا مراهقة، فقرأته خفية، كان عنوانه المرأة والجنس. قراءته قد تشكل صدمة للقارئ فهو عبارة عن مجموعة من الفصول تروى حياة النساء والتمييز الذى يرتكب بحقهن. وتتضمن الفصول وصفا تحليليا دقيقا لتربيتنا العربية الخاطئة. فتحكى بالتفصيل عن أخطاء جمة نرتكبها يومياً ونعدها أمرا عاديا بينما هى فى العرف الحقوقى أقسى اضطهاد للإنسان. تشبعت بالكتاب بل حفظته عن ظهر قلب. ورحت أردد إحدى الجمل التى آمنت بها أمام والدى الذى وقف مذهولاً أمامى. لا يصدق أن ابنته الوديعة المطيعة تعارضه. وتطالب بحقها فى اختيار الدراسة والشريك. رغم أنه كان متحررا لكنه توقع أن تبقى حريتى ضمن اختياراته. هذا السبب الذى يدعو الرجال لمعارضة نوال السعداوى. يخشون أن تتمرد نساؤهم وبناتهم. فأطلقوا عليها مسميات مريبة تحت مختلف الألقاب حتى خشيت النساء أنفسهن من تقليدها لئلا تلحق بهن ألقابها. كل امرأة فى مجتمعى المنغلق تقول لى: انتبهى بعدين يشبهونك بنوال السعداوى. فأرد قائلة: وما الغلط؟ لقد خرجت عن التقاليد. مسترجلة. فى المطالبة بالحرية خروج عن التقاليد وتشبه بالرجال. ليس غريبا أن تأتى الممانعة من أوساط النساء. فقد نجح العديد من التيارات والحركات الفكرية بتغيير فكرهن من خلال عبارات عديدة أدرجوها. كالمرأة جوهرة. ومكانها البيت وغيرها. لكن هل نجحت تلك التيارات فى السيطرة على الناشطات النسويات أيضاً؟ هل بقى هناك ناشطات؟ أسألهن ببرنامجى عن نوال السعداوى، أنتظر تبجيلا وتمجيدا لمنجزات تلك المرأة الخلاقة. فتلتف المجيبة على السؤال، تتهرب، تتنصل من الإجابة المباشرة. تفكر بردة فعل المجتمع. الزوج. النقاد. تفكر بالمصوتين لها فى الانتخابات القادمة. تخشى أن تلحق بها السمعة السعداوية. فتقرر الإجابة بدبلوماسية متناهية عن رأيها فى نوال السعداوى. إجابة لا تخرج عن تعريف الذكورة لنوال. بعضهن كان صريحا جداً. قابلن حركتها ومطالباتها برفض تام، كونه ضد التقاليد. بعضهن قلن إن على المرأة التريث والتفكير قبل المطالبة بعشوائية. هل نوال السعداوى عشوائية؟ ماذا يحدث للنساء؟ العربيات؟ المصريات تحديداً. قد تبدو أوضاع بعض النساء العربيات مفهومة فى ظل الانغلاق الماضى ومحاولة التغيير الحالية. لكن رفض جانب من المصريات لطروحات متقدمة فى صالح حرياتهن أمر عصى على الفهم. مع تقديرى لحجم الثقافة الشاسع فى دول عربية عديدة، لكنى أعتقد أن مصر هى مركز التغيير، فإن تراجع حراكها الفكرى تراجعت المنظومة القيمية فى المنطقة كلها وإن تقدمت تغير كل شىء. ولأن الحركة النسوية ضعفت فى هذه الدولة التى اشتهرت بحراكها النسوى بدايات القرن العشرين، فلم نعد نجد حركة نسوية واضحة فى مختلف دول العالم العربى. وإن حدث وحصلت المرأة على قانون ما فيكون نتيجة لرغبة سياسية لا إرادة نسوية. خصوصا مع الضغط الخارجى الذى يفرض على الأنظمة العربية والخليجية تغيير واقع نسائها دون أن يكون للأمر علاقة برغبات نسائها. لذلك ظهرت الوزيرات بطريقة مفاجئة فى بلدان لا تزال المرأة فيها ممنوعة من الخروج من المنزل إلا بإذن. برأى السيدة فريدة النقاش فإن المصريين المهاجرين فى السبعينيات كانوا سببا فى انتشار العباءة والحجاب بمصر. كونهم عادوا ومعهم عادات عدد من بلدان الخليج وأفكارهم الدينية المتشددة. أى بدلا من أن يؤثر الوافدون المصريون (بمختلف درجاتهم المهنية) فى توجهات أفراد الخليج ونظرتهم للمرأة فإن ما حدث هو العكس. عادوا ليغطوا النساء. واليوم كنتيجة للتغطية الجسدية والفكرية لم تعد الأناقة مسيطرة على الشارع المصرى كما الستينيات وما قبلها. هل الفقر هو السبب؟ ربما. لكن إهمال الهندام هو أحد تعاليم وشروط التأخر المسيطر على الساحة العربية إجمالاً. ورغم ذلك التأخر والتغير الكبير تظل مصر مركزاً للتغيير. فأجرأ ناشطة عرفتها القرون الأخيرة بأطروحاتها المثيرة هى سيدة مصرية. هى نوال السعداوى، حركتها تبشر بدلائل عهد حريات نسوية جديدة كونها لن تكون حركة امرأة وحيدة، بل سنتبعها بمجموعات كبيرة. مجموعات تستخدم أدوات جديدة لم تكن مستخدمة بالأمس. وتفخر بانتمائها لصفوف تلميذات السعداوى، كما أفخر أنا حين يأتى ذكر اسمها مع كل حديث أو نقد عنى. لمن ينتقد نوال السعداوى لمجرد أنه سمع شخصا يكفرها، أنصحه بأن يقرأها. لعله يستيقظ من غفوته وتبعيته العمياء. ولمن تنتقدها من الناشطات بسبب ابتعادها عن مسار التمرد المتبع منذ عدة سنوات أقول: لم يسمع أحد بحركتكن الساكنة الراكدة. لم تؤثرن على أحد. يجب أن تحترم الوسائل الجديدة وجميع أدوات التغيير الصادمة. فمجتمعاتنا وصلت لحد لم تعد تنفع معه محاولات التغيير السائدة ك(أهمية توعية المجتمع ومحاولة إقناعه). هذا ما يقوله التاريخ. أوروبا لم تتغير إلا بصدمة. [email protected]