التعبير عن الوطنية والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع بالنسبة لهم لم يكن مجرد رفع لعلم مصر أو ترديد شعار «يا حبيبتى يا مصر يا مصر»، والألقاب لديهم كان أشرفها «المصلحون فى الأرض»، فقد أرادوا أن يهدوا لمصر عملاً نافعاً يبقى لها بعد البحث عن متطلباتها واحتياجاتها. وفى الوقت الذى يقدم فيه الفنانون والأدباء أعمالاً تعبر عن مشكلات المجتمع واحتياجاته، حاولوا هم أن ينتقلوا للمرحلة التالية، وهى محاولة حل تلك المشكلات بشكل عملى من خلال أنشطة ومشروعات تنموية جماهيرية خرجت عن إطار الوعظ والدراسات إلى إطار أكثر بساطة وقرباً من المواطن المصرى، مما دفعه للمشاركة فيها ودفعها للنجاح. رأى محمد عبد المنعم الصاوى عندما فكر فى بناء ساقية الصاوى أن أول طرق تنمية المجتمع وحل مشاكله هو أن يعرف «الإنسان» لتكون نقطة انطلاقة للعمل على حل مشاكله، ويقضى هذا التعريف بأن الإنسان هو من يفكر، ويتعلم طوال الوقت، ويشعر بالمسؤولية تجاه الآخرين جميعاً وتجاه نفسه، ويقول الصاوى: قد يبدو للبعض أن من يتحلى بتلك المواصفات يعد إنساناً مثالياً ومبهراً ومتميزاً إلا أننى أرى أن هذا هو الحد الأدنى لمن يمكن أن يوصف بأنه إنسان، ويضيف الصاوى يؤلمنى كثيراً أن أسمع من يقول «متفكرش لحسن تعيا»، لأن المجتمع الذى لا يفكر لا يمكن له أن يتقدم بأى حال من الأحوال، فمثلا إذا فكرنا عندما نعطى المتسول لوجدنا أننا بإعطائه نشجع الآباء والأمهات القساة على رمى أولادهم بالشارع، وبالتالى أنا بذلك مسؤول عن ظاهرة أولاد الشوارع. وعن المسؤولية الاجتماعية يقول الصاوى: إحساسى بأننى مسؤول عن تنمية مجتمعى لا تعنى أننى شخص خارق، فهو أمر ضرورى، والسبب هو أن الإنسان العاقل لابد أن يبحث عن مصلحته، وبالبحث عن المصلحة الشخصية سنجد أن مصلحة المجتمع من أهم أسباب مصلحتى الشخصية، لذلك دائما أقول أنا بفيد المجتمع لأنى أنانى.. أتبرع بالدم لأنى أخشى أن أحتاج لهذا الدم فى يوم من الأيام، عندما يكون بلدى ومجتمعى آمنين من الجريمة سأكون آمناً على بناتى وامرأتى فى الشارع، وعندما نساعد على محاربة الفقر أنا أحمى نفسى من إنتقامه الإجتماعى، لأنه حين يسرق لن يسرق من الفقير مثله، ولكن من الغنى، لذلك الغنى الذى يخاف على ماله ليس عليه سوى أن يشارك فى محاربة الفقر وهذا لا يعنى أن محاربة الفقر تكون بالتبرعات، لذلك أنشأنا موقع «لا للفقر» وهو يدعو للتبرع بالعلم والوقت والمهارات وتوفير فرص العمل فى المقام الأول. أما نسرين دبوس فقد رأت أن التدخين من أهم الأخطار التى تواجه المجتمع، التى تفوق خطورة عن مرض أنفلونزا الخنازير، لذلك قامت منذ خمس سنوات ببناء فريق حياة بلا تدخين وهو يعتبر أول جمعية أهلية تضم فى مجلس إدارتها فنانين ودعاة وإعلاميين، نسرين رأت أن حملات مكافحة التدخين المعتادة التى تقوم بها وزارة الصحة والمنظمات العالمية لا تصل للشعب المصرى ولا تؤثر فيهم، لأنها لا تعدو كونها محاضرات علمية لذلك قررت أن تتبع مبدأ «إللى شبكنا يخلصنا»، وقالت نسرين: الإعلام والفن كانا من أهم أسباب نشر التدخين من خلال ظهور البطل بالسيجارة كدليل على الشجاعة والشياكة، لذلك قررت أن أستعين بهم لمحاربة التدخين وعن عدوتها «السيجارة» قالت نسرين: عندما نعلم أن وزارة الصحة العالمية تؤكد أن كل عدة ثوان هناك متوفى بسبب التدخين يجب أن ندرك أنه أكثر خطورة من مرض أنفلونزا الخنازير. وتضيف نسرين: عندما بدأنا بعمل حملاتنا فى الجامعة «جامعة بلا تدخين» كانت إدارة الجامعة ترفض وتقول لنا إننا قمنا بالعديد من محاضرات مكافحة التدخين، ولكن النتيجة كانت «لم يحضر أحد»، لكننا لم نيأس، وكنا متأكدين أن استعانتنا بمشاهير مثل مصطفى حسنى وحنان ترك ولعيبة كرة وغيرهم كان سيغير النتيجة، وبالفعل كان الحضور 5000 شخص بالمدرج. نسرين تؤكد أهمية العمل فى مجال مكافحة التدخين فى مصر قائلة: مصر محتاجة لكل قرش لكى تنهض فلا وقت ولا مقدرة لدينا للسيجارة وللأسف كل المدخنين الذين تحدثنا معهم غير فخورين بتدخينهم. وبعيداً عن أضواء العاصمة بالرغم من أنها تسكنها، اتجهت هناء السرجانى بنيتها التنموية إلى الريف بمشروعها «صندوق عمر» الذى يحمل شعار (قرية بلا عاطل ولا أمى) والذى يقوم على إقامة مشروع لشاب محتاج مقابل أن يقوم بتعليم أهالى القرية القراءة والكتابة، وبذلك يكون الصندوق قضى على الأمية والبطالة بالقرية، وهو ما حدث بالفعل بقرية منشية نظيف بسمنوت وقرية أخرى ببنى سويف. هناء السرجانى عضوة بهيئة التدريس بجامعة القاهرة دفعها لعمل مشروعها إيمانها بدورها فى المجتمع وبأن كل إنسان له رسالة ودور، وتقول هناء: شعرت أن الشباب فى مصر متحمس جداً، ولكنه محتاج لمن يوجه حماسه، لذلك لم أتردد فى أن يعمل بالمشروع هؤلاء الشباب وقررت أن أنشئ نشاطاً يفيد المجتمع من جهة ويفرغ طاقة الشباب المتحمس من جهة أخرى، لذلك قمت بدورى فى الوساطة بين رجال الأعمال والمثقفين والشباب المتحمس والفقراء الذين تسبب الجهل والبطالة فى فقرهم فى المقام الأول، من خلال مشروع صندوق عمر. أما د.شريف عبدالعظيم الأستاذ بهندسة القاهرة ورئيس مجلس إدارة جمعية رسالة الخيرية، فكان عمله فى المجتمع ناتجاً عن غيرته عليه، فتجربته فى الحياة بكندا أكدت له أن الأولى بمجتمعاتنا التى ينتشر بها الفقر أن تتحرك لمحاربته عن طريق التكافل الاجتماعى، لذلك رأى أن ينتقل لمجتمعه تلك الثقافة التى يدعو إليها الدين الإسلامى وكل الأديان بصفتنا مجتمعاً متديناً ومحافظاً يحاول أن يتحلى بالتسامح والود. الصاوى ودبوس وعبدالعظيم والسرجانى، هم عينة من المواطنين الذين قرروا أن يكتسبوا مكانتهم فى المجتمع مع عطائهم به واستغلوا مواهبهم لمحاربة الفقر والجهل وأمراض المجتمع.