لاشك أن مصر شهدت خلال السنوات الماضية افتتاح عدد من المتاحف المهمة، كمتحف النوبة ومتحف العريش ومتحف بنى سويف وغيرها، إلا أن النظرة الدقيقة لهذه المتاحف تتطلب مراجعة السياسات الوطنية المتعلقة بها. إن أول ما يمكن طرحه فى هذا الشأن هو موقع علم المتاحف فى الدراسات الجامعية، الحقيقة المرة أنه لا موقع له، إذ إنه فى جامعة القاهرة يعد مادة ثانوية تدرس فى فصل دراسى واحد، وهو يدرس بالاشتراك مع مادة الحفائر، فى الوقت الذى أصبح فيه علمًا قائمًا بذاته منذ سنوات، لكن حتى محاولة إقامة مركز للدراسات المتحفية فى كلية الآثار باءت بتحول مبنى المركز إلى مبنى للامتحانات ومكاتب لأساتذة الكلية. علم المتاحف يجمع بين عدة تخصصات متناثرة بين كليات الآثار والفنون الجميلة والفنون التطبيقية، لذا فقد حان الوقت لكى ينشئ المجلس الأعلى للآثار مركزًا للدراسات المتحفية، سيكون ركيزة لتدريب كوادره، وتدريب الكوادر المتحفية العربية والأفريقية بل ومن دول أخرى، خاصة أنه يوجد فى مصر بعض الخبرات فى بعض تخصصات المتاحف كالعرض المتحفى. إنه قد حان الوقت لكى نعترف بأنه لا توجد إدارة وطنية واحدة للمتاحف المصرية، ولا يوجد حصر بالمتاحف على أرض مصر ومقتنياتها، فالمتحف الجيولوجى يتبع وزارة البترول، والزراعى وزارة الزراعة، والتعليم وزارة التعليم، بل إن ما لا يعلمه الكثيرون أن هذه المتاحف الثلاثة تضم مقتنيات نادرة ومهمة، تصل قيمتها فى المتحف الجيولوجى المهمل على شاطئ النيل فى المعادى إلى 65 مليون جنيه، والذى يفوق بعض مقتنياته متحف التاريخ الطبيعى فى لندن، أعلم أن وزارة البترول تصرف على الرياضة، لكن على متحفها.. لا أظن. لذا، فإن إنشاء الشبكة الوطنية المصرية للمتاحف بات ضروريًا، تكون مهمتها تسجيل المتاحف ومقتنياتها، وتدريب كوادرها، ومراقبة أدائها، وتنشيط دورها فى المجتمع، ودعم المتاحف ماليًا، على أن تحصل هذه الشبكة على نسبة من دخل متاحف مصر، مع إعطاء الحق لها فى التفتيش وإغلاق أى متحف فى حالة إخلاله بالقواعد المرعية فى هذا الشأن، هذه السياسة ستجدى لاشك فى رفع مستوى المتاحف المصرية، على تعدد الجهات التى تتبعها، بل ستساعد فى الترويج لها، وفى الحد من سرقة مقتنياتها، على أن تتبع هذه الشبكة المجلس الأعلى للآثار. إن هذا يقتضى إعادة تصنيف المتاحف المصرية، فلا يعقل أن يكون المتحف المصرى ومتحف الفن الإسلامى والمتحف القبطى، كمتحف دنشواى، أو متحف رشيد، إذ يجب أن تتمتع كل المتاحف باستقلالية فى إدارتها، إذ لا يعقل أن يكون متحف فى الخارجة فى حاجة إلى طباعة دليل له فلابد أن يرجع للقاهرة فى خطوات قد لا تؤدى إلى طبع هذا الدليل، إذ إن معظم متاحف مصر بلا أدلة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، فضلاً عن جداول الصيانة، سواء للمقتنيات أو لأجهزة المراقبة الأمنية أو لمبنى المتحف، هذه الجداول يؤدى تنفيذها إلى تحمل نفقات مضاعفة لإعادة المتحف إلى رونقه مرة أخرى، فضلاً عن إغلاقه سنوات، مما يعظم الخسائر الناتجة عن ذلك. ضرورة اعتبار المتاحف مؤسسات ثقافية وتعليمية، فالمتاحف على المستوى الدولى ليست مزارًا سياحيًا وحسب، بل لها دور فى الارتقاء بالمستوى الثقافى للمجتمع. إن كل ما سبق لا يعنى أن سرقة المتاحف ستنتهى، لكن ستتقلص عمليات سرقة المتاحف إلى أدنى حد ممكن، إذ إنه طالما كانت هناك كنوز، فسيظل هناك لصوص وطامعون فيها.