نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    من الترويج للمثلية الجنسية إلى إشراف «التعليم».. القصة الكاملة لأزمة مدرسة «ران» الألمانية    الجنيه يواصل الارتفاع أمام الدولار في البنوك المصرية    محافظ الفيوم يبحث آليات إنشاء مدرسة صديقة للفتيات وعيادة للصحة الإنجابية للمرأة الريفية    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    البورصة المصرية تخسر 6.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    شروط صب السقف داخل وخارج الحيز العمراني (تعرف عليها)    نتنياهو: المقترح الأمريكي ليس دقيقا ولم نوافق على بند إنهاء الحرب في غزة    سلطنة عُمان ترحب بالمبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة    هل تعمد مدحت شلبي تجاهل إبراهيم فايق بسبب أفشة؟    التشكيل المثالي لدوري أبطال أوروبا موسم 2023/2024    الأرصاد: غداً طقس شديد الحرارة نهاراً مائل للحرارة ليلاً على أغلب الأنحاء    25 سبتمبر.. تأجيل محاكمة ميكانيكي وآخر بتهمة قتل شاب خلال مشاجرة بالقاهرة    ل الأبراج النارية والترابية.. الكثير من النقود والمكاسب خلال شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    محافظ المنيا يهنئ فريق بانوراما البرشا بالفوز بجائزة العين الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي    محافظ المنيا: تواصل استقبال القمح وتوريد 346 ألف طن منذ بدء الموسم    الرباط الصليبي يبعد مدافع أتالانتا من قائمة إيطاليا في يورو 2024    رئيس أتليتكو مدريد يكشف حقيقة مفاوضات صلاح.. ومونديال الأندية الجديد ومستقبل فيليكس    الدفاع الروسية: خسائر الجيش الأوكراني نحو 1.7 ألف جندي خلال يوم    صندوق الأغذية العالمي يعلن تقديم مساعدات إنسانية ل65 ألف متضرر من الفيضانات في أفغانستان    «نسك».. بطاقة ذكية تُسهل رحلة الحجاج وتُعزّز أمنهم خلال حج 2024    تأييد حكم حبس مدير حملة أحمد الطنطاوي    تخرج دفعة جديدة من ورشة «الدراسات السينمائية» بقصر السينما    مهرجان روتردام للفيلم العربي يسدل الستار عن دورته ال 24 بإعلان الجوائز    لإنتاج 6 مسكنات ومضادات حيوية.. وزير الصحة يشهد توقيع شراكة بين «الدواء» وشركة أمريكية    نقيب المعلمين: تقديم الدعم للأعضاء للاستفادة من بروتوكول المشروعات الصغيرة    عميد الكلية التكنولوحية بالقاهرة تتفقد سير أعمال الامتحانات    مقابلات للمتقدمين على 945 فرصة عمل من المدرسين والممرضات في 13 محافظة    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    القاهرة الإخبارية: 12 شهيدا جراء قصف إسرائيلى استهدف المحافظة الوسطى بغزة    عاشور: الجامعة الفرنسية تقدم برامج علمية مُتميزة تتوافق مع أعلى المعايير العالمية    السكة الحديد: تعديل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    وزير الصحة يستقبل مدير المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض لتعزيز التعاون في القطاع الصحي    "أسترازينيكا" تطلق حملة صحة القلب فى أفريقيا.. حاتم وردانى رئيس الشركة فى مصر: نستهدف الكشف المبكر لعلاج مليون مصرى من مرضى القلب والكلى.. ونساند جهود وزارة الصحة لتحسين نتائج العلاج والكشف المبكرة عن الحالات    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    رئيس «شباب النواب»: الموازنة تأتي في ظروف صعبة ولابد من إصلاح التشوهات وأوجه الخلل    منتخب إنجلترا يواجه البوسنة في البروفة الأولى قبل يورو 2024    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    28 يونيو الجاري .. جورج وسوف يقدم حفله الغنائي في دبي    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    بالأسماء.. شوبير يكشف كل الصفقات على رادار الأهلي هذا الصيف    رئيس جامعة المنوفية يشارك في اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    "ما حدث مصيبة".. تعليق ناري من ميدو على استدعائه للتحقيق لهذا السبب    الطيران الإسرائيلي يغير على أطراف بلدة حانين ومرتفع كسارة العروش في جبل الريحان    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    عمرو درويش: موازنة 2025 الأضخم في تاريخ الدولة المصرية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    هل يجوز ذبح الأضحية ثاني يوم العيد؟.. «الإفتاء» توضح المواقيت الصحيحة    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    محمد الباز ل«بين السطور»: فكرة أن المعارض معه الحق في كل شيء «أمر خاطئ»    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف زيدان يكتب: المزيج السكندرى البديع (6/7) .. الغنوصيةُ وآباءُ الكنيسة

عندما ننظر فى التاريخ، وقليلاً ما نفعل، تقابلنا فى كثير من الأحيان كلمات (غنوصية، غنوص، غنوصى..) وهى ترجمة عربية «صوتية» أى متوافقة صوتياً، لكلمة يونانية قديمة تعنى: المعرفة.. ومثلما هو الحال فى كثير من المفردات، فإن اللغة العربية نقلت إليها كثيراً من الكلمات التى لم تجد لها مقابلاً عربياً فصيحاً، فأبقتها فى كلامنا بصوتها ونطقها الأعجمى (غير العربى) وصارت مع كثرة الاستعمال تبدو كأنها مفردات عربية.
 ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك، كلمات: دراما، تراجيديا، كوميديا، فلسفة، لاهوت، كيمياء، مكس.. إلخ، وهناك بعض الكلمات التى استبقى بعض الناس لفظها غير العربى، واستعملوه، تحاشياً للتعبير عنها بمفردات كثيرة أو تجنباً للمقابل العربى الصريح. فيقولون (الأقرباذين) قاصدين به (الأدوية المركبة والمعاجين الدوائية) ويقولون كرازة، وهى تعنى حرفياً: التبشير بالمسيحية.
وكلمة (غنوص) تعنى من حيث الدلالة الاصطلاحية، معنىً قريباً من الدلالة الحرفية للكلمة. فهى اسم لمذاهب كثيرة مختلفة فيما بينها، ولكن يجمعها كلها شىء وحيد، هو محاولة الحصول على المعرفة، بالاتصال المباشر مع الإله.. وبحسب المبدأ الغنوصى العام، فإن (الله) متعالٍ جداً عن هذا العالم، ومنفصل عنه بحكم اختلاف الطبيعتين: طبيعة الإله باعتباره الخير الخالص، وطبيعة العالم الذى هو موطن الشرور والخطايا وسيطرة المحسوسات.
والإنسان موجود فى هذا العالم (الشرير) لكنه لا ينتمى له فى واقع الأمر، لأنه من طبيعة إلهية. فالروح الإنسانى قبسٌ من نور الله، وشعلة ربانية هبطت إلى هذا العالم المادى، بسبب خطأ اقترفته فى الأزل، فصار فى الإنسان: نفسٌ من أصل إلهى خالد، وجسمٌ مادى من هذا العالم الفانى.
والمذاهب الغنوصية تقول إن الإنسان إذا تجرَّد عن متطلبات الحسِّ، فإن روحه (نفسه) تتحرَّر وتحلِّق فى الأفق الإلهى الذى جاءت منه أصلاً، وهو ما قد يحدث فى لحظاتٍ نادرة تتم خلالها (المعرفة الحقة بالوجود).. وبالطبع، فإن لهذه المعرفة شروطاً، أهمها أن يكون الإنسان فاضلاً، لا يقترب من الخطايا ولا ينغمس فى الملذات، ولا يسمح للمحسوسات أن تتحكم به وتثقل روحه عن التحليق فى الأفق السماوى.
وقد انتشرت الاتجاهات الغنوصية فى الإسكندرية، وبقية مدن العالم القديم، فى القرن الثانى للميلاد. وكان انتشارها مرتبطاً بحالة القتامة، التى خيَّمت على العالم القديم، بسبب الاضطرابات السياسية والحروب المستمرة واليأس من تحقيق (الخلاص) الجماعى، وهو ما يقود بشكل تلقائى إلى محاولة البحث عن (خلاص فردى) وعن يقين خاص.. وقد اشتهر فى القرن الثانى الميلادى، من الغنوصيين: باسيليدس، الذى درس فى الإسكندرية، وكانت وفاته سنة 161 ميلادية بعدما ترك مؤلفات، منها شرح للإنجيل فى 24 كتاباً، ومجموعة مزامير وتسابيح.. ويقال إن الإنجيل الذى شرحه باسيليدس، هو إنجيل آخر غير تلك الأربعة الموجودة اليوم بأيدى الناس.
وثانى الغنوصيين الكبار، قديماً، هو فالينتينوس المصرى. كان مولده بمصر، وقضى حياته متنقلاً بين أنحاء العالم القديم، حتى توفى فى روما (فى حدود سنة 160ميلادية) حيث كان يدعو لعقيدة روحية تقوم على فكرة أن الخطيئة الأولى دمَّرت التآلف بين النفس الإنسانية وأصلها السماوى (الآب)، وعلى كل فرد أن يحرِّر ذاته من سيطرة الجسم والمحسوسات، حتى يعود التآلف المفقود.
ومن أهم الذخائر التراثية (الغنوصية) مخطوطات نجع حمادى، التى اكتشفها بالصدفة سنة 1945 الفلاح (الصعيدى) محمد على السمَّان، وباعها فى القاهرة بأبخس الأثمان، فانتقلت أغلب مخطوطاتها إلى خارج البلاد، بما فيها (إنجيل الحقيقة) المعروف حالياً بإنجيل توما.. وهو نصٌّ غنوصى بامتياز، كاد زاهى حواس يسترجعه إلى مصر، لكنه رضخ لصخب الرافضين، وآثر السلامة، وطوى الأمر.
والغنوصية حَلٌّ فردى، ولذلك فهى وإن كانت ذات صبغة دينية وروحية، إلا أنها لا تحتاج إلى المؤسسة أو التنظيم الدينى والهيئات ذات الطابع الجماعى (الشعبى)، الذى يعتمد على اختصاص رجال الدين بالأسرار الإيمانية، وعلى كون هؤلاء هم الممثلين للإله فى الأرض.. ولذلك، لا ينبغى لنا أن نندهش، حين نرى اليوم بعض الناس يسجدون لبعض الناس وهى بذلك تخالف الكنيسة.
ونظراً لاختلاف (المنطلق) بين الغنوصية والكنيسة المسيحية، فقد ثار الخلاف الفكرى بين الغنوصيين وآباء الكنيسة الأوائل، وهو الخلاف الذى انحسم تاريخياً بانتصار آباء الكنيسة واستتار الاتجاهات الغنوصية.. وآباء الكنيسة، مصطلح يشير إلى أعلام الرجال، الذين دافعوا مبكراً عن (الإيمان القويم)، أو ما يسمى الأرثوذكسية. وكان هؤلاء الآباء ينتمون إلى مدن ونواحٍ كثيرة، مثل كبادوكيا وروما وأنطاكية. ولكن آباء الكنيسة فى مدينة الإسكندرية، ظل لهم (دائماً) أهمية خاصة باعتبارهم من أهمِّ الآباء المؤسِّسين للكنيسة، إن لم يكونوا أهمَّ هؤلاء الآباء على الإطلاق.
ومن أشهر، وأهمِّ، آباء الكنيسة السكندريين: كليمان (كليماندس) وأوريجين (أوريجانوس).. وُلد الأول لأبٍ وأمٍ وثنيين، فى منتصف القرن الثانى الميلادى، ثم آمن فى شبابه بالمسيحية- وظل مؤمنا بها حتى وفاته سنة 215 ميلادية. وقد قضى كليمان معظم حياته فى الإسكندرية، وفيها كتب مؤلفاته المشهورة وأشعاره الرقيقة وردوده على الغنوصيين.
مع أنه حسبما يقول المؤرخون، كان ينادى بالمعرفة (الغنوصية) القائمة على النزوع الصوفى والأخلاقى، وكان يستعمل لغة (الأسرار)، التى يستعملها الغنوصيون. لكنه امتاز عنهم بالمهارة فى استخدام الأسلوب الرمزى، وبكونه سكندرياً، وبأنه نموذج للمثقف اليونانى القديم، الذى لا يكفُّ عن الاستشهاد بهوميروس وأفلاطون وإنجيل المصريين (وهو الإنجيل الذى اختفى بعد ذلك).. ومن لطائف أشعار كليمان وصلواته، قوله:
تعطَّف أيها المربِّى
على أولادك الصغار      
أيها الآب، يا قائد إسرائيل
أيها الآب والابن معاً،
يا رب
أعطنا متابعة وصاياك
فنصل إلى مشابهة الصورة
ونعرف على قدر قوانا
صلاح الله.
أما أوريجين، فقد كان رجلاً عبقرياً. وُلد بالإسكندرية سنة 185 ميلادية تقريباً، ونشأ فيها بين أسرة مسيحية. وعانى من ويلات كثيرة، كان أولها قتل والده على يد (الوثنيين) سنة 202 ميلادية، وآخرها نزاعه الطويل مع أسقف الإسكندرية فى زمانه: ديمتريوس الكرَّام.. وقد حكت الروائية سلوى بكر، سيرة أوريجين فى روايتها، التى حملت عنوان (أدماتيوس الألماسى)، وهى صفة حملها أوريجين، صوابها (أدمانتيوس) أى الصُّلب الذى لا يُخدش، أو (الألماسى).. وهو لقب عُرف به أوريجين فى حياته وبعد مماته سنة 254 ميلادية تقريباً.
درس أوريجين على يد آمونيس ساكاس (درس الفلسفة بالطبع) وكان زميلاً لأفلوطين، الذى صار لاحقاً: فيلسوف «الأفلاطونية الجديدة» الأشهر. وقد اتجه أوريجين بذخيرته الفلسفية والأدبية الهائلة، وبموهبته، إلى التبشير بالمسيحية وتفرغ للتدريس كى يقاوم المعهد العلمى للإسكندرية (الموسيون).. وبعد حياة حافلة، توفى أوريجين مغضوباً عليه من الأسقف ديمتريوس الكرَّام (أى مُزارع العنب الكرم) بسبب أن أوريجين خصى نفسه ليبتعد عن فتنة النساء! أو بسبب لجوئه إلى أساقفة آخرين فى إيلياء (القدس = أورشليم) وترقيتهم له إلى درجة قسيس، وهو ما أثار الأسقف السكندرى. فاستدعاه من هناك، وعزله من تلك الرتبة، وحدَّد إقامته فى المدينة. حتى طلبت (ماميا) أم إمبراطور روما شخصاً يشرح لها العقائد المسيحية، والفرق بين اليهودية والمسيحية، فأرسلوا أوريجين لهذه المهمة، فأتمها على خير وجه، وكان له الفضل فى تحسين صورة المسيحيين عند حكام روما.
ترك أوريجين مجموعةً بديعة من المؤلفات، شرح فيها الأناجيل باليونانية البليغة، وأكَّد فيها الاختلاف القائم بين الديانة المسيحية والنزعات الغنوصية، على اعتبار أن (العقائد) المسيحية هى التى ينبغى ل(النخبة) أن تؤمن بها لتدرك السر الأعظم الذى هو الله.. ولعل أهم أعمال أوريجين، هو كتابه المعروف بعنوانه اليونانى (الهاكسبلا) أى الأعمدة الستة. وفى هذا الكتاب، يقابل أوريجين بين نصوص (العهد القديم، اليهودى) من خلال ستة أعمدة (النص العبرى بحروفه العبرية، النص العبرى بحروف يونانية، ترجمة أكويلا، ترجمة سيماخوس، الترجمة السبعينية، ترجمة ثيودوتوس اليهودى).
وفى الدفاع عن المسيحية، كتب أوريجين رداً على الفيلسوف (سلسيوس) شرح فيه أصول العقيدة المسيحية: التجسُّد، الثالوث، العبادة.. إلخ. وقد اعتبرت كتابات أوريجين بحسب التعبير، الذى اشتهر عنها: خزانة أدوية للردِّ على الهرطقات.
ولكن الكنائس ما لبثت أن تنكَّرت لأوريجين، بعد وفاته، واعتبرته هرطوقياً (كافراً، مبتدعاً، مرتداً..) وقام أسقف الإسكندرية ثيوفيليوس سنة 397 ميلادية، بحرمه (أى طرده من حظيرة الإيمان المسيحى) وطرد الرهبان الذين يتَّبعون أفكار أورجين. وبعد أن أبلغ الأسقف السكندرى أساقفة المدن الكبرى بقرار (الحرم) عاد بعد سنوات، وعدَّل قراره بقوله الشهير: مؤلفات أوريجين كحديقة فيها أزهار جميلة، وفيها أعشاب رديئة وأشواك!
وفى اجتماع رؤساء الكنائس الكبرى سنة 553 ميلادية (مجمع القسطنطينية الثانى) صدر عن الأساقفة القرار الثانى: كل مَنْ لا يحرم آريوس ومكدونيوس ونسطور وأوريجين، فليكن مطروداً من حظيرة الإيمان.. لأن كتابات أوريجين تحتوى على عقائد هرطوقية! ومع ذلك، فقد انحاز لأوريجين كثيرون من الأساقفة على مر العصور، وقال عنه البابا «لاون الثالث عشر»: من بين الشرقيين، يحتل أوريجين المقام الأول، وقد كان عجيباً فى ذكائه وصبره على العمل، ومن مؤلفاته العديدة استفاد معظم الذين أتوا بعده..».
ولنختتم المقالة، بعبارة من عظات أوريجين وشروحه لسفر العدد (أحد أسفار التوراة)، حيث يقول بنزعة غنوصية، ناصحاً المؤمن المسيحى: الأرض والسماء يجب أن تتسامى عنهم، وتتسامى عن كل ما ترى وتسمع، وكل ما يخطر على قلبك، وعندئذٍ سوف تعرف ما أعده الله لأولئك الذين يحبونه.
الحبّ.. جوهر المسيحية، وسر التقديس، وقاعدة العلاقة بين الله والإنسان، وروح الشرائع السماوية كلها، وهدف الفنون الراقية، وأعمق ما يمكن أن يعطيه الإنسان. ولكن فى المقابل، هو الموجود المفقود، المزعوم المرفوض.. لأن المقت أسهل على العوام من الحبِّ، والكراهية أكثر جاذبية لمعظم الناس، ولا تحتاج الجهد الذى يتطلبه الحبُّ. وفى مقالتنا القادمة، الأخيرة من هذه السباعية، نحكى: النهايات الحزينة للزمن السكندرى البديع.. فإلى لقاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.