فى أزمة جديدة قد تسهم فى انخفاض شعبية الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، يتورط وزير المالية السابق إريك وورث، ووزير العمل الحالى فى فرنسا، فى قضية فساد مالى، حيث يواجه اتهاماً بمساعدة أغنى امرأة فى فرنسا على التهرب الضريبى، فى قضية نالت من سمعة الوزير والحكومة الفرنسية. تأتى تلك الأحداث فى وقت تتراجع فيه معدلات تأييد الرئيس الفرنسى قرب أدنى مستوياتها على الإطلاق، مدعومة باستياء شعبى تجاه برامج الإصلاح الاقتصادى، وتحديدا نظام المعاشات الجديد الذى يرفع من سن التقاعد إلى 62 عاما بدلا من 60 عاما فقط، فضلا عن فضائح تتعلق بنفقات الوزراء. وإزاء الخلط بين المصالح الخاصة ومصلحة الدولة، اشتعلت قضية «بتنكور»، التى بدأت عندما نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية منذ أسبوعين مضمون تسجيلات أجريت فى منزل ليليان بتنكور، إحدى أغنى أغنياء فرنسا ووريثة شركة «لوريال» للمنتجات التجميلية، وتكشف التسجيلات أنها هربت أموالاً إلى حسابات فى مصارف سويسرية لم تدفع عنها ضرائب للحكومة الفرنسية. وطرحت الصحف تساؤلات عدة بشأن أسباب عدم الكشف عن الحسابات البنكية لبتنكور على الرغم من أن وورث أثناء توليه وزارة المالية شن حملة ضد المتهربين من دفع الضرائب عن طريق فتح حسابات سرية فى سويسرا ودول مماثلة لها، ونجح وورث وقتها فى الحصول على لائحة من بنك سويسرى تتضمن 3000 اسم لمواطنين فرنسيين لهم حسابات سرية هناك، ولم يكن من بينهم بتنكور، ودعاهم إلى تسوية أوضاعهم مع مصلحة الضرائب، وهو الأمر الذى يجعل عدم إعلان أرصدة أغنى إمرأة فى فرنسا مثيراً للشك، خاصة مع كشف صحيفة «لوموند» الفرنسية عن أن زوجة وورث تعمل فى إدارة ثروة بتنكور، (والتى تقدر ثروتها بنحو 16 مليار يورو) منذ عام 2007، أى منذ وصول زوجها إلى الحكومة. كل تلك الملابسات دعمت الاعتقاد بأن يكون وورث «غض النظر» عن حسابين بقيمة 80 مليون يورو تملكهما الأرملة الثرية فى بنوك سويسرية. ومن ضمن ما كشفت الصحيفة الفرنسية أن بتنكور اشترت جزيرة فى الكاريبى ولم تعلن عنها لمصلحة الضرائب، كما أنها وزعت مبالغ مالية على عدد من الشخصيات والأحزاب الفرنسية، وتحديدا اليمينية خلال فترات الانتخابات، علما بأن الوزير وورث نفسه هو أمين صندوق حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» اليمينى الحاكم برئاسة ساركوزى، وكان يتولى جمع تبرعات للحزب، ووقعت ليليان وقتها بشكل قانونى على شيكات تبرع لساركوزى و«وورث»، وهو ما أدخل القضية إلى أروقة الإليزيه، خاصة مع إعلان ساركوزى دعمه الكامل لوزير ماليته السابق، رغم ارتفاع أصوات من اليسار طالبت باستقالة وورث من الحكومة. ومع احتدام الأزمة الذى غذتها وسائل الإعلام الفرنسية بسرد وقائع فساد تتعلق بالنفقات الخاصة بوزراء فى الحكومة الفرنسية، ورغم إعلان زوجة وورث استقالتها من العمل لدى الوريثة الغنية، ظل الإعلام الفرنسى يطرح عدداً من التساؤلات حول الوظائف التى يمكن أن تشغلها زوجات الوزراء ومسؤولو الحكومة بما لا يؤثر على المصلحة العامة للبلاد. وفى محاولة يائسة لتحسين الصورة، فرض الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى إجراءات تقشف على أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين فى الدولة، فى رد فعل على فضائح استغلال المسؤولين أموال دافعى الضرائب. وأكد ساركوزى فى خطاب أرسله الاثنين الماضى إلى رئيس وزرائه فرانسوا فيون، ونشرته «لوموند»، ضرورة أن تكون أجهزة الدولة نموذجا يحتذى به، خاصة فى ظل الأزمة التى يعانى منها المواطن الفرنسى. وتشمل إجراءات التقشف المزمع تنفيذها حتى عام 2013 شطب حوالى 7 آلاف وحدة سكنية لكبار موظفى الدولة وإلغاء تخصيص حوالى 10 آلاف سيارة والسماح برحلات الطائرات للمسؤولين، فى حال تجاوز مدة الرحلة بالقطار ثلاث ساعات. كما ألغى ساركوزى حفلة تقليدية تقام فى حديقة قصر الاليزيه، وألغى مؤقتا رحلات الصيد التى اعتاد عليها. كانت فرنسا شهدت الأسابيع الماضية سلسلة من فضائح استغلال كبار المسؤولين لأموال الدولة، ومنها تقديم مسؤول كبير لفاتورة بقيمة، 12 ألف يورو، نظير تدخين السيجار. تأتى هذه الإجراءات قبل عامين من الانتخابات الرئاسية الفرنسية والتى لم يعلن حتى الآن الرئيس الحالى نيكولا ساركوزى عما إذا كان سيعاود الترشيح لفترة رئاسة ثانية يسمح له بها الدستور أم لا، خاصة فى ظل المنافسة الشرسة مع رئيس الوزراء الأسبق دومينيك دوفيلبان، الذى كان يعمل ساركوزى وزيرا للداخلية فى حكومته قبل أن يصبح رئيسا.