بعد قبول الطعن على وضعه ب«قوائم الإرهاب».. هل يحق ل أبوتريكة العودة إلى القاهرة؟    وزير التعليم: حريصون على بذل الجهود لدعم التمكين الحقيقي للأشخاص ذوي القدرات الخاصة    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    الحصاد الأسبوعي لوزارة التعاون الدولي.. مشاركات وفعاليات مكثفة (إنفوجراف)    اليوم ختام رايز أب 2024 بحضور رئيس الوزراء    «مستقبل وطن»: إدانة مصر للممارسات الإسرائيلية أمام المحكمة الدولية خطوة لحل القضية    حزب الله: استهدفنا تجمعا لجنود الاحتلال الإسرائيلي في ثكنة راميم بمسيرة هجومية    إجلاء آلاف الأشخاص من خاركيف وسط مخاوف من تطويق الجيش الروسي لها    إعلام عبري: تفكيك كابينت الحرب أقرب من أي وقت مضى    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    عودة صابر وغياب الشناوي.. قائمة بيراميدز لمباراة الإسماعيلي في الدوري    «شكرا ماركو».. جماهير بوروسيا دورتموند تودع رويس في مباراته الأخيرة (فيديو)    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    بوروسيا دورتموند يتفوق على دارمشتات بثنائية في الشوط الأول    قرار مهم من محافظ المنوفية بعد تداول أسئلة مادة العربي للشهادة الإعدادية    هام لطلاب الثانوية العامة.. أجهزة إلكترونية ممنوع دخول لجان الامتحان بها    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    «القومي للمرأة» يشارك في افتتاح مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    صابرين تؤكد ل«الوطن»: تزوجت المنتج اللبناني عامر الصباح منذ 6 شهور    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    وزير الصحة: «الذكاء الاصطناعي» لا يمكن أن تقوم بدور الممرضة    جامعة طنطا تقدم الرعاية الطبية ل6 آلاف و616 حالة في 7 قوافل ل«حياة كريمة»    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    وزير الرياضة يترأس لجنة مناقشة رسالة دكتوراه ب"آداب المنصورة"    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وزير الري يلتقي سفير دولة بيرو لبحث تعزيز التعاون بين البلدين في مجال المياه    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الفلسطينى تميم البرغوتى : إجراء عمليات تغيير تجميلية للنظام المصرى لن تجدى.. لأن الشعب لم يعد يجد قوت يومه

خمسة أعوام مرت منذ أن صاغ الشاعر المصرى الفلسطينى تميم البرغوتى سؤاله الجدلى تجاه مصر «قالولى بتحب مصر؟ قلت مش عارف»، حصل خلالها على الدكتوراه من جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، تحمل رسالة الدكتوراه عنوان «الوطنية الأليفة»، يتناول فيها علاقة بناء الدولة الوطنية فى ظل الاستعمار.
تميم البرغوتى الذى يمثل أبرز صور العلاقة المرتبكة بين مصر وفلسطين، ليس فقط من خلال انتمائه لوالده الفلسطينى مريد البرغوتى ووالدته المصرية رضوى عاشور، بل لرصده، كأستاذ فى السياسة وشاعر بالفصحى والعامية، علاقته بالبلدين اللذين تتباين العلاقة بينهما كل حين، وتشهد حدودهما جداراً فولاذياً من ناحية وفتحاً للمعبر من ناحية أخرى.
بين دبلوماسية السياسة التى يدرّسها تميم، وفيض المشاعر والثورية الذى ينطق به شعره يدور هذا الحوار:
■ كيف ترى الوضع فى مصر حالياً؟
- يبدو لى الوضع فى مصر صعباً إلا أنه مرشح للتحسن، فالتغيير فى مصر يحدث وإن كان بشروط صعبة، وهو فى اعتقادى يستلزم أمرين: أولهما أن تنشق النخبة الحاكمة على نفسها، وثانيهما أن يحتضن عامة الناس هذا الجزء المنشق.
 لا توجد فى مصر قبائل أو طوائف أو أعراق متحصنة فى الصحارى أو الجبال كما هو الحال فى بعض دول المنطقة، وإن وجدت فهى أقل أعداداً من عموم الناس، وهذا يعجزها عن التمرد الفعال على الحكومة المركزية، ويجعل انشقاق النخبة الحاكمة على نفسها شرطاً ضرورياً من شروط التغيير. وهذا الانشقاق نادر فى التاريخ، لأن النخبة عادة ما تكون مستفيدة من نظم الحكم السائدة فى زمانها.
 أما اليوم، فإن سوء أداء هذه الحكومة، لم يُبق لها صاحباً، وقد بدأنا نرى شرائح اجتماعية غير معروفة عنها أى نزعة للتمرد، تعلن عن تمردها وغضبها من واقعها. وفى المائتى عام الأخيرة فى عمر مصر، هناك ما يؤكد ذلك، فثورة 1952 كانت ثورة الجيش على الحكومة لكن التنظمات الشعبية احتضنتها، فالضباط الأحرار كان منهم شيوعيون وإخوان مسلمون وأعضاء فى مصر الفتاة.. وثورة 1919 قادها رئيس الجمعية التشريعية، وساندها رئيس الوزراء.. والثورة العرابية كانت ثورة الجيش على الخديو، وثورة 1805 كانت حركة تُغلّب قائداً عثمانياً على قائد عثمانى آخر.
■ وما الجماعات التى من المفترض أن تؤيد السلطة ولكنها تعارضها الآن؟
- أرى ذلك فى عدة مواضع: أولها إضراب العاملين بالقانون، فالقضاة كانوا قد أضربوا منذ بضع سنوات، والمحامون أضربوا هذه السنة، كما أن أعداداً من الموظفين الحكوميين ما برحوا يضربون من وقت إلى آخر. ثم هناك جمعية التغيير بزعامة محمد البرادعى، هؤلاء ليسوا فقراء البلاد ولا المهمشين، هؤلاء أفراد النخبة وهم غاضبون.
 فى المقابل، ترى عموم الناس رازحين تحت ضغط وقهر شديدين. لا توجد مؤسسة فى البلد تعمل كما ينبغى لها أن تعمل، فلا التعليم تعليم ولا الصحة صحة، ولا المرور مرور، ولا أجد فى مصر أحداً شريفاً سعيداً، سواء كان سائق أجرة أو أستاذاً بالجامعة، قاضياً أو عاطلاً عن العمل.
■ لكن أغلب الانشقاقات كانت تصاحبها القوة مثلما حدث فى ثورة 1952.. وباقى الثورات كان هناك التفاف شعبى لأنها كانت ضد المحتل.. وهو ما يختلف عن الوضع الحالى فى عدم وجود قوة داعمة أو غياب الالتفاف الشعبى لعدم وجود محتل؟
- ثورة 1952 كانت ثورة ضد الملك، وضد النفوذ الأجنبى، لأن مصر كانت قد حصلت على استقلالها الرسمى منذ عام 1936. وثورة 1882 كانت ضد الخديو وضد النفوذ الأجنبى ولم تكن مصر تحت الاحتلال، إنما وقع الاحتلال بعد الثورة لا قبلها، وبعد أن شكل أحمد عرابى ومحمود سامى البارودى الحكومة. وثورة 1805، لم تكن ضد الاحتلال، فلم يكن فى مصر آنذاك محتل، وكان أهل مصر لا يرون فى الدولة العثمانية استعماراً، وكما قلت هم فضّلوا عثمانياً على آخر.
واليوم، يوجد من النفوذ الأجنبى فى مصر مثلما كان موجوداً أيام الخديو توفيق وأيام الملك فاروق. أما من حيث القوة، فلا وجود لقوة الحاكم إلا فى خيال المحكوم، ورغبة مجموعة من الناس فى الطاعة.. لا يملك الحكام إلا قوتهم العضلية، وكل ما زاد على ذلك إنما ينتج من استعداد الناس لأن يطيعوهم. فإذا قام الناس من النوم يوماً وقرروا أن الشرطى ضعيف، فإنه سيصبح ضعيفاً فعلاً.
والجندى الذى يضربك فى المظاهرة، لا عدواة له معك، إنما يضربك خوفاً من أن يكون هو المضروب، ولكن ذلك لن يكون إلا إذا ضربه جندى مثله، فلو أدرك الاثنان أن الأمر لا يخرج عنهما ولم يطيعا الأمر بالضرب لأصبح من يأمرهما بلا حول ولا قوة.
■ هل يمكن أن يكون النظام ذكيا كفاية، وأن يمتص التغيير بتغيير داخلى وظاهرى للوجوه الحاكمة من داخل نفس النظام مثل أن يتولى جمال مبارك أو عمر سليمان أو غيرهما من الأسماء المرشحة لتولى النظام؟
- إذا كان غضب الناس سببه شخص، فحركة تغيير الأشخاص يمكن أن ترضيهم، لكن الناس غاضبة من أحوالها، من الفقر والبطالة والفساد. سيهدأ الناس إذا ضمنت الحكومة حقوقهم من مأكل ومشرب وكرامة، وعدم تعذيبهم فى السجون والشوارع. فإذا كانت الحكومة الحالية قادرة على تغيير كهذا فخير، ولكن أشك أنهم راغبون فيه، فضلاً عن أن يكونوا قادرين عليه. ولو كان فيهم خير لظهر، فهم يحكمون منذ زمن طويل.
■ فى الاستعراض التاريخى لثورات مصر خلال مائتى عام، وجدنا أن التفاف الشعب لابد أن يكون حول زعيم يقود هذا الغضب مثل الضباط الأحرار فى 1952 والوفد فى 19 وعرابى وشيوخ الأزهر قبل ذلك.. فمن المرشح لقيادة الغضب الموجود حاليا؟
- هناك حركات بعضها محظور وبعضها مسموح به، بعض هؤلاء قوى، والتحالف بينهم من أجل التغيير قائم، مثلا ترى التقارب بين البرادعى والإخوان. وأظن نجاحهم يعتمد على إرادة الطرفين والتفاف الناس.
فالمخبران اللذان ضربا خالد سعيد وقتلاه ليسا من المليونيرات ولا يصيفان فى باريس كل سنة لكى يقتلا عباد الله دفاعاً عن ثرائهما، ولا هما معصومان من بطش الحكومة إن أرادت أن تبطش بهما، ولابد أن يدركا أنهما السبب فى فقر أسرتيهما، وهما السبب فى الحياة المرّة التى يعيشانها ويعيشها الناس.. طاعتهما هى السبب.
ولابد أن يدركا أن الدور سيأتى عليهما، أيظنان أن من أمرهما بالقتل سيرعاهما حين يصبحان على المعاش مثلاً؟!.. أيظنان أنهما، وقد أطاعا الحكومة وقتلا الولد ظلماً، سيسيران فى شوارع نظيفة بينما يسير الناس فى شوارع أخرى؟!.. إن الذين يظلموننا إنما يظلمون أنفسهم وما يشعرون، فإذا أدركوا ذلك، أمكن التغيير، وإذا لم يدركوا واستمروا فى الطاعة فستضر بهم طاعتهم أكثر من عصيانهم لو عصوا.
■ وهل ترى أن الحل التصادمى هو الحل الوحيد، وأن الأحزاب الموجودة، مثل حزب الوفد، يمكنها أن تصنع فارقا أو تستمر فى دور قامت به مسبقا فى مواجهة الاحتلال، وتكوين صيغة توافقية داخلية وخارجية تضمن لها تولى السلطة، وهو ما أطلقت عليه فى كتابك اسم «الوطنية الأليفة»؟
- تعريف «الوطنية الأليفة» هو وطنية لا تؤذى الاستعمار، وأحد شروط الاستقلال الذى وضعه الاستعمار أن ينشئ فى تلك البلاد نظاما اقتصاديا وسياسياً يجعلك تابعا له، فلو انسحبت إسرائيل من الضفة الغربية مثلاً سيكون شغلها الشاغل هو تولية حكومة فلسطينية تؤمِّن حدود إسرائيل وتقوم مقام الاحتلال، ثم تسمى ذلك مشروعاً وطنياً فلسطينياً ودفاعاً عن المصلحة الفلسطينية العليا.
 وقد عقدت اتفاقيات كثيرة مع دول الاستعمار فى العالم العربى فى فترة ما بين الحربين العالميتين، كانت التبعية فيها شرط الاستقلال. فاتفاقية سنة 1936 فى مصر مثلاً كانت اتفاقية تضمن استقلال مصر، ولكنها تشرطه بكون مصر حليفة لبريطانيا وتلبى مصالحها. وأزعم أن هذه الوطنية الأليفة تفشل لا محالة، لأن الحركات التى توقع مثل هذه الاتفاقيات تخسر شرعيتها لصالح حركات أكثر ثورية، فلا هى ترضى شعبها، ولا هى تستطيع السيطرة عليه بما يرضى الاستعمار.
وفكرة تغيير صورى فى مصر يأتى بعهد جديد يريد أن يستمر حليفا لأمريكا وإسرائيل داخل المنطقة ثم أن يحصل على شرعية داخل مصر، مستحيلة. لقد فشل ذلك عندما عقدت اتفاقية 1936 وتحول كثير من كوادر الحركة الوطنية المصرية إلى حركات أكثر راديكالية ك«مصر الفتاة والإخوان المسلمين» وقوى أخرى، إلى أن قامت بثورة 1952، ولا أرى سبباً يؤدى إلى نجاحه اليوم.
■ لكن هذه الرؤية تثير سؤالا حول الرضا الأمريكى عن النظام الحالى والمقبل.. وهل يمكن أن تسمح بوجود قوى سياسية جديدة لا تحالفها فى المنطقة؟
- جزء من استراتيجية أمريكا فى مصر أن تظل ضعيفة أياً كان من يحكمها. لأنهم لا يأتمنون أن ينقلب المصريون على الولايات المتحدة. وعلاقة إسرائيل بقضية دول حوض النيل جزء من إضعاف مصر وهو ليس بعيداً عن أمريكا، وقد رأيتم موقف هذه الأخيرة من تقسيم السودان. لقد تعلمت الولايات المتحدة مما حدث فى تجربة إيران منذ ثلاثين سنة، وتتعلم الآن مما يحدث فى تركيا.. إيران كانت دولة حليفة أيام الشاه فلما انقلبت ضد الأمريكيين أدركوا أن قوتها أيام الشاه أضرت بهم بعد زواله. وتركيا كانت إلى الأمس القريب حليفة، وأمريكا تشعر الآن أن قوة تركيا خطر على مصالحها وعلى إسرائيل. أمريكا تخاف من حلفائها ربما أكثر من أعدائها سواء كانوا عرباً أو مسلمين، وتحب أن تبقى الدولة كلها ضعيفة حتى وإن كان حاكمها صديقاً لأمريكا. الحكومة المصرية ليست فاشلة لأنها لا تمتاز بالكفاءة، بل لقد أُملى عليها ألا تمتاز بالكفاءة، هى خيبة متعمدة، خيبة استراتيجية.
■ لكن النظام الحاكم يروج دائما للغرب بأنه النظام الأضمن لبقاء مصالحهم ويروج للداخل ببقاء الوضع مستقرا تحت مظلة السلام؟
- لا مفر من إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية إن أردنا أن نعيش، لم أسمع عن ثورة قامت ضد مستعمر فرضى عنها، ونحن من نعطى للولايات المتحدة هذه القوة الظاهرية، فأمريكا لا تستطيع السيطرة على الوضع فى العراق وأفغانستان وهى تحتلهما بعشرات الآلاف من الجنود، فما بالك بمصر وهى غير محتلة عسكريا، إيران عندما قامت فيها ثورة وتركيا عندما انتخبت فيها حكومة لا ترضى عنها الولايات المتحدة لم تتمكن الإدارة الأمريكية من فعل شىء يذكر. ما يمنعنا أن نكون مثلهما؟ ثم إن الولايات المتحدة بخروجها المرتقب من العراق تكون قد خسرت معظم المشرق، إيران وتركيا وسوريا ولبنان، والعراق غير بعيد عن هذه الكتلة لأسباب ديموغرافية وسياسية معروفة فى شماله وجنوبه، فالجبهة الشرقية المواجهة لإسرائيل تنضم تدريجياً لفضاء سياسى واستراتيجى واحد، وليس بيد الأمريكان شىء.
■ وهل ترى أن طموح إيران وتوسعها فى المنطقة طموح سياسى أم شيعى؟
- ليست للسياسة أسباب تبشيرية، فأى دولة ستقوى بالقرب من إسرائيل ولو كانت بوذية ستثير ذعر الولايات المتحدة وحلفائها، وأنا مع أى دولة تقوى فى المنطقة وتواجه إسرائيل والاستعمار الأمريكى، هم جيراننا أما إسرائيل فعدو ولا جار لها.
■ لكن الخطاب الدينى فى مصر دائما ما يخيف الشارع المصرى من المد الشيعى.. ودائما ما يضربون مثلاً بحروب السنة والشيعة فى العراق؟
- هناك خطابان دينيان فى مصر: خطاب معارض للحكومة كخطاب الإخوان المسلمين مثلاً، وهم يرون أن العدو إسرائيل لا غيرها، وخطاب حكومى يزعم أن المشكلة هى بين سنة وشيعة بينما هى بين أهل المنطقة والاحتلال الأجنبى. لاحظ أن أمريكا كانت تحارب شيعة فى لبنان وسنة فى العراق، فالعبرة بالموقف من المحتل لا المذهب.
■ وكيف ترى الوضع فى فلسطين؟
- الوضع فى فلسطين أيضا صعب جدا لكنه مرشح للتحسن، ففلسطين بها مشروعان هما مقاومة إسرائيل أو مهادنة إسرائيل، أما مشروع مقاومة إسرائيل فمشكلته أنه محاصر، وإذا انفك عنه الحصار فهو قادر على إرهاقها، أما مشروع مسالمة إسرائيل فمشكلته هو مسالمة إسرائيل. إسرائيل دولة لا تسالم، ومصالحها الاستراتيجية من حيث الطبيعة الجغرافية والديموغرافية للمنطقة تفرض عليها كما قلت أن يكون كل من حولها ضعفاء، حتى وإن كانوا حلفاءها.
كان المفترض من عملية السلام أن تؤدى إلى انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة نظير تكوين دولتين تعيشان جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وذلك يعنى وجود تعاون اقتصادى وأمنى بينهما. كان ثمن استقلال الدولة الفلسطينية هو أن تكون متعاونة مع إسرائيل، ولكن، حتى ذلك لم ترض به إسرائيل، لأن إنشاء دولة فلسطينية فى الضفة الغربية، حتى وإن كانت حكومتها معتدلة، مهدد لإسرائيل، فالحكومات تتغير.. وعليه فأنا لا أرى أن إسرائيل مستعدة لأى نوع من السلام معنا.
ثم إن استراتيجية التفاوض العربية والفلسطينية تتمثل فى الضغط غير المباشر على إسرائيل عبر الولايات المتحدة، وهو ما يجعل أغلب الطلبات تتوه فى متاهة السياسة الداخلية الأمريكية.
ويمكنك أن ترى المفارقة فى فلسطين اليوم. فى رام الله، حكومة تنبذ العنف وتتبنى المفاوضات، ومع ذلك فالمستوطنات تبنى هناك، والأراضى تصادر، والشباب يعتقلون ويقتلون. وفى غزة، حكومة لا تنبذ العنف ولا تتبنى المفاوضات، وليست بها مستوطنات أو أراض تُصادر. نعم إن فى غزة فقراً، إلا أنه ناتج عن الحصار، ونصفه عربى.
منظمة التحرير تفاوض إسرائيل منذ أكتوبر 1991 أى منذ 19 عاما.. إسحق شامير قال سنفاوضهم 20 عاما، وقد مرت.. كل ما جنيناه أن أعداد المستوطنات تضاعفت 3 مرات، الشهداء راحوا جماعات فى حملتين كبيرتين فى الانتفاضة الثانية وحرب غزة، ويتساقطون فرادى فى الأيام العادية. وانشق الأخ على أخيه، لذلك أرى أن عملية السلام قد فشلت تماماً ولا فائدة ترجى منها، أو على الأقل لابد لنا أن نحضر أنفسنا للبديل، واحتمال الحرب أقرب مما يظن معظم الناس.
■ يعيدنا هذا السؤال إلى دور مصر تجاه غزة وموقفها منها؟
- إن الحصار البرى عمل من أعمال الحرب. ولا أرى لماذا تريد حكومة عربية أن تعلن الحرب على شعب غزة المحاصر.
■ هل يمكن اعتبار فتح المعبر لما يقرب من شهر فتحا صوريا؟
- كل ما أعرفه أن هناك قافلة مصرية ذهبت إلى هناك ولم تدخل، بالإضافة أن الحكومة تقول إنه مفتوح للحالات الإنسانية والأفراد والمعدات الطبية، وأنا أدعو لفتحه أمام السلع كافة، لأن اتفاقية المعابر لعام 2005 لا يعتد بها، فإسرائيل دولة محتلة فى غزة ولا يصح أن توقع إسرائيل اتفاقيات مع أحد بشأن غزة لأن الاحتلال باطل محض، والدولة القائمة بالاحتلال ليست لها حقوق على الأرض المحتلة ولا يصح أن تعقد اتفاقات بشأنها.
■ هل ترى أن الحكومة المصرية استطاعت إضعاف التعاطف المصرى مع القضية بسبب ما تذيعه من أنباء قتل مجندين برصاص فلسطينى، وإذاعة تقارير عن أهالى العريش يشتكون من فتح المعبر بسبب غلاء الأسعار وغيرهما؟
- هجوم وسائل الإعلام على أناس تجوعهم إسرائيل يومياً وتقصفهم بين الحين والآخر ولا يملكون شيئاً يردون به عن أنفسهم، لن يضر سوى وسائل الإعلام.
■ لكن مشروع الجدار الفولاذى المصرى لقى تأييدا من بعض المصريين فى الشارع المصرى.
- أخالفك فى الرأى، لم يجر أحد استفتاء لمعرفة نسب المؤيدين والمعارضين، ولا أظن أن مصرياً عاقلاً يرى أن أهل غزة هم العدو وأن إسرائيل هى الصديق.
■ وكيف أضعف عدم الاتفاق الفلسطينى موقفهم فى الشارع المصرى.. وترديد الحكومة أنها لن تتدخل قبل اتفاق الفلسطينيين؟
- العكس هو الصحيح، إغلاق المعبر تدخُّل يضعف طرفاً لصالح طرف، ومشروعاً لصالح مشروع آخر.
■ وهل ترى أن معاهدة السلام تحتاج إعادة نظر؟
- تحتاج إلى إلغاء، ويمكن لمصر إلغاؤها من جانب واحد، ومن خاف من إسرائيل فليتذكر أنها لم تحقق نصراً عسكرياً حاسماً فى أى مواجهة منذ ثلاثة وأربعين عاماً، فلا هى انتصرت فى مصر ولا فى لبنان ولا حتى فى غزة.
■ علاقة تميم بمصر شعرياً.. لماذا لم تظهر فى دواوين جديدة بالعامية المصرية؟
- ديوانى القادم بالعامية المصرية يسمى «علاقة ناجحة» ويصدر عن دار الشروق قريباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.