«بكالوريا، كفاءة، توجيهية أو حتى ثانوية» تعددت الأسماء والثانوية العامة واحدة.. قلق على مستقبل الأولاد وتخوف من المجاميع الضعيفة.. هذه الحالة ليست حديثة أو مختلقة، فعلى مر السنوات ظلت الثانوية العامة هى الحلقة الرئيسية فى مشوار التعليم، وأحد أهم مصادر قلق الأسر المصرية ومحور تفكيرها، لأنها المرحلة التى ينطلق منها الطالب إلى الكلية التى ستحدد مستقبله ومهنته فى الحياة. المفكر الدكتور ميلاد حنا يحكى عن تجربته مع الثانوية العامة قائلاً: حصلت على شهادة الثانوية العامة أواخر الثلاثينيات من مدرسة «التوفيقية الثانوية بشبرا».. وقتها كان اسمها شهادة البكالوريا، وكانت أيام الامتحان بالنسبة لنا أوقاتاً عصيبة ويكون كل المنزل فى حالة قلق وانضباط قصوى، خاصة أن المواد الدراسية زمان كانت غاية فى الصعوبة لدرجة قيام بعض الأسر بجلب مدرس ليساعد التلامذة فى المنزل، وهذا ما لم يحدث معى لأنى كنت من المتفوقين لكنى كنت قلوقاً أيضاً خاصة من مادتى اللغة الإنجليزية والعربية. كان مناخ الامتحانات مختلفاً ولم يكن هناك أحد لمساعدتنا فى المذاكرة الصعبة إضافة لصعوبة نظام المراقبة، ورغم أننى حصلت على 70% وألحقنى هذا المجموع بكلية الهندسة إلا أننى لم أفرح به كثيراً، وذلك لأننى لم أكن أرغب أساساً فى الالتحاق بشعبة الرياضيات لأن مدير مدرستى «نجاتى بيه» أجبرنى عليها بسبب حصولى على الدرجة النهائية فى الرياضيات وليس العلوم وعندما أبديت له رغبتى فى الالتحاق بقسم العلوم الذى يؤهلنى لكلية الطب قال لى «ماعنديش طالب يدخل القسم اللى يعجبه، درجاتك بتقول إنك لازم تدخل رياضة» وقد كان، واجتهدت حتى انتهت البكالوريا بأحزانها ومصاعبها. ثانية التجارب كانت مع دكتورة منى الصبان، أستاذ المونتاج بمعهد السينما، وتقول: حصلت على شهادة التوجيهية عام 1961 من مدرسة «سراى القبة الثانوية للبنات».. وكان الوضع مغايراً تماماً لما يحدث الآن، فقد كانت الدروس الخصوصية نادرة رغم صعوبة المواد التى كان أشدها صعوبة بالنسبة لى مادة الطبيعة ورغم هذا لم أحاول الالتحاق بدرس خصوصى لأن الامر كان عيباً لدرجة أن والدتى عندما قامت بالاستعانة بأحد أقربائنا لمساعدتى قمنا بإخفاء الأمر عنه.. إضافة لذلك كنت أعتبر المذاكرة مسؤولية وأغضب إذا حثتنى أمى عليها.. وأذكر اننى أيضاً كنت أصاب بنوبات بكاء قبل الامتحان بفترة وكان حلها بسيطاً جداً حيث كان خالى يقوم بالتنزه معى لأتغلب على مخاوفى، وأهلى انفسهم لم يكن لديهم قلق مبالغ فيه.. وكان عدد الطلبة بسيطا لذا لم يكن لدينا هذا التنافس والهوس فى تحصيل المجاميع الخرافية التى نسمعها مثل 110% وغيرها من غرائب.. والامتحان نفسه لم يكن مقياسه الحفظ بل الفهم وكانت أسئلته سهلة وبسيطة. أما تجربة الثانوية العامة فى السبعينيات فيرويها موسى مصطفى موسى، عضو مجلس الشورى، ويقول: كانت شهادة «التوجيهية» أيامنا كدخول التهلكة إما يخرج منها الطالب معافى باجتهاده أو لا ينجو.. فقد كانت المناهج صعبة والرقابة صارمة فى لجان الامتحانات، ولم يكن هناك غش كما يحدث الآن ومن يلتفت يتم طرده من اللجنة فوراً، وبرغم أن النتائج كانت تأتى ضعيفة فى معظمها، إلا أنه لم يكن هناك حالات انهيار كما يحدث الآن.. وهذا لا ينفى وجود توتر وقلق فى كل بيت لاهتمامهم بالمجاميع.. لهذا كنت مع كثيرين من أبناء جيلى نلتحق بالدروس الخصوصية، إضافة إلى أننى كنت طالباً «لعبياً» لا أذاكر إلا قبل الامتحان بشهرين، ولهذا أيضاً سبب حيث كنت طالباً بمدرسة «العائلة المقدسة» وكان اليوم الدراسى من السادسة صباحاً إلى السادسة مساء.. فكنت أتحين الفرصة للعب عقب الخروج من المدرسة.. لهذا كان مجموعى 65% تقريباً وهو بالطبع مجموع ضعيف لم يكن ليحقق حلمى فى الالتحاق بكلية الهندسة التى كنت أتمنى الالتحاق بها.. ولحسن حظى أن والدى كان يعمل وقتها بالجزائر فالتحقت أول عام بكلية الهندسة هناك وأكملت بعدها فى فرنسا.. وبهذا حققت حلمى، ولو كنت فى مصر وقتها كنت سألتحق بكلية أخرى لا أحبها.