سؤال وجودي، سيظل عابراً للأعمار طالما هناك من يمسك بقلم أو يطرق بأصابعه على لوحة المفاتيح، ستجد أن معظم الاجابات في ازمنة قريبة كانت إن الكتابة تقاوم الموت، أو إنها السلاح اليتيم الذي يشهره الكاتب في وجهه. كتبت روايتين متلبستين بالموت، واحدة كان البطل يسخر طوال الرواية منه، يخرج له لسانه، بل يصل الأمر به إلى مقارعته، كنت ما زلت أصغر في العمر، في أحد المشاهد على ما أذكر كان عزرائيل يقول لبطل الرواية: إن هذه هي زيارته الأخيرة له وإنه لن يعود إليه مرة ثانية، وإنه – اي البطل – إن شاء أن يذهب معه الآن فلا بأس، لكن بطل ألعاب الهوى أجابه بثبات: كل شيء معد سلفاً: الصلاة والكفن والمعزين، والحسنات تم وزنها وتعادلت مع السيئات وإنه فقط يبحث عن حسنة واحدةليجد لنفسه موقعاً أفضل،ولم ينس أن يسخر منه كأنه يتوعده بلا مبالاة: تعال متى تحب. حلمت بالأموات كثيراً، حلمت بهم قبل أن يموتوا بأيام أو ساعات، وتمنيت ألا يحدث هذا لي، كان يرعب من أحكي لهم فينتقل الرعب إليً. صديقي الشاعر عبد المنعم رمضان يهبط إلى مكتبات وسط البلد، أحياناً يشتري كتباً اشتراها من قبل، ربما لأنه يشق عليه العثور عليها وسط أضابير مكتبته، وربما لأن شهوة شراء الكتب تقاوم حضور فعل الموت، كأنه يقول لنفسه بالضبط، إنني لن أموت إلا بعد أن أقرأ هذه الكتب أولاً، وأن الموت لا بد أن عنده بعض الذوق والدم ليمهل شاعراً حتى ينهي الكتب التي أحبها. ولدت في منطقة مطوقة بالدم، ولدت في البراري في الشمال حيث اصطياد روح إنسان مثل اصطياد البط العابر من الشمال طلباً للدفء، يتركون الميت في دمه حتى ينشف، لكنهم يقلبون الطير الذي صادوه سريعاً، الحياة أبقى من الموت. كان لا بد من الأغاني، رجال يخرجون لا يعرف أهلوهم هل يعودون أم لا، ونساء تتحرق بالشوق وتخشى الموت تطلق أغانيها من قعر القلب، تطلقها بالشوق وفحيح مكتوم بالرغبة. عشنا بين لغة مسجوعة مملوكة للرجال مكرورة مملة، قاطعة كالموت، ولغة أخرى دافئة منطلقة تصنعها النساء، لغة تمط فيها الكلمة فينتج الايقاع، وتقف فجأة في نهايتها لتعرف متى يجب أن تنتهي الجملة، حين تكون الأمنية بعيدة تهدأ العبارة، حين تكون حارة وحالة تجري العبارة، كلمة كغزال خلف كلمة، وحين كان الأمر متعلقاً بالأمل يطل الغناء من الفم، يطل من العيون، يشبه الحياة. المطر يقضي ثلاثة أشهر بلياليها، لا ينقطع ليلة، والشمس تطل مثل صغير يحبو في الصباح طلباً للعب والزاد، وقمر حين لا يكون عاشقاً فيغيب، يجلس وحده ملكاً متوجاً على بقعة فضية، ويسافر وحده ملكاً كما يقول منصور رحباني. نحن في وقت المديوكر بامتياز، لكن الكتب الرديئة مطلوبة أيضاً، إنها تصنع سوق الكتابة، لا يمكن أن يكتب الجيدون وحدهم، الهامش كان دائماً للكتابة الفاتنة، وكلنا أبناؤه، المصيبة حين يأكل المتن هذا الهامش. أحلم مثل فيلليني، أحلم بالشخصيات قبل أن أكتبها، ,اضحك وحدي أحياناً ليسألني رفيقي عن السبب، فأجيبه أن أحد الشخصيات قال جملة أضحكتني. مطر وموت وغيم وشمس وقمر، وأحلام مرفرفة لأطفال صغار لم يلبسوا حذاءً جديداً سوى مرة في العمر، وبنات بحواجب بكر مزججة من خلف ظهور الآباء، لم تكن تعرف التاتو، وضحكة خافتة معجونة بالرغبة، بالوعود، وأفق يعبره طير من الشمال للجنوب والعكس، بنادق تطارده مرة، وغناء يلاحق أجنحته مرات. من هنا كان لا بد منها. كان لابد من الكتابة. -------- *وحيد الطويلة، روائي وقاص مصري، صدر له مجموعة قصصية: خلف النهاية بقليل، كما يليق برجل قصير، رواية: ألعاب الهوى، أحمر خفيف، باب الليل. إبراهيم عبد المجيد http://almashhad.net/Articles/992661.aspx سعيد نوح http://almashhad.net/Articles/992663.aspx صبحي موسى http://almashhad.net/Articles/992666.aspx عمار علي حسن http://almashhad.net/Articles/992669.aspx ماهر مهران http://almashhad.net/Articles/992673.aspx محسن يونس http://almashhad.net/Articles/992676.asp وحيد الطويلة http://almashhad.net/Articles/992680.aspx هاني القط http://almashhad.net/Articles/992700.aspx أنهار الرواية المصرية .. ملف خاص (شهادات ونصوص ل 8 روائيين) http://almashhad.net/Articles/992649.aspx