أكثر من ثلاثين سنة كتابة، وتريد أن أكتب شهادة عن تجربتي؟ هل مطلوب منى أن أكتب مذكرة تفسيرية لكل ما اقترفته من ذنوب تسمى قصصا أو روايات؟ أي جهد يتحمله الكاتب في بلادنا فوق إبداعه، الذى في العادة يكتب الآخرون عنه، وليس هو، وقد ارتكبت فعل الكتابة عن تجربتي أكثر من مرة، ولن أعيد نفسى مرة بعد أكثر من مرة، أنا في خوف دائم من ألا أكون كاتبا قدم شيئا ذا قيمة، ليس الأمر هنا خاضعا لتقييم نفسى يكون مربطه التشاؤم، أو تقييم تفاؤل يصب في حجري كلمات الاستحسان من باب هذا كاتب متواضع، يعمل بصمت ولا تحيطه جوقة من المطبلتية، في مرات قليلة يحدثني صديق قرأ قصة أو رواية لي، أصاب لحظتها بالصمت وبكثير من الحيرة، لأنه يبدو لي – رغم صدقه – أنه يتحدث عن شىء لم أفعله، إنه يتحدث عن شخص آخر، وحملني أنا عبء ما فعل، هل أبدو كاتبا غير مسئول؟ ألا بد أن أطنطن بكلمات كما يقولون كلمات كبيرة ومتفاصحة، حتى أحسب من الزمرة البررة بأمهم الكتابة؟ ما نفعله هو نشاط إنساني يدخل ضمن أنشطة الإنسان على هذه الأرض، فلسنا نخبة نتميز بشيء غير موجود عند الناس، فالسرد ليس حكرا علينا نحن الكتاب، بل هو أساس هذا الإنسان المختلف عن بقية الكائنات، القادر على بناء حضارة، السرد طبيعة إنسانية – ما نختلف عن الناس فيه – مع أنه موجود فيهم أيضا - هو جودة الصناعة ربما، وربما – وهو الأكثر تأثيرا – اتساع أفق الخيال والمجاز، و قبل هذا وذاك هو التخصص، يتشظى السرد بين الناس مع أهميته في تعاملهم الحياتي، ونحن الكتاب في نشاطنا المسمى الإبداع نحميه من ذلك التشظي، عبر إعادة تكوين أفكار ومشاعر،وتصورات جديدة وتكوين روابط ذات معنى،بين هذه الأفكار والمشاعر والتصورات، باستخدام لغة سردية ليست لأنها جعلت لتمثيل الأشياء، بل لغة تكشف لنا صنيعة الإنسان بكونه موجودا ومؤثرا في الحياة.. النص | عن التاجر الذي صار ملكًا (مقطع من تدوير مفتاح الخزينة- لم تنشر) جاء بالصدفة في هذه الأثناء عبر البحر ناويا استثمار جزء من أمواله في البلد القديم، رآه رجال الحاشية في السوق الكبيرة، واقترب منه رئيس الحراس عندما أبلغوه بوجود الرجل، تبادل معه حديثا قصيرا، وأعطى تقريره لرجال الحاشية وبعض أفراد من رجال مهمين في البلد القديم، وجاء في هذا التقرير أن الرجل يتمتع بشخصية نافذة، فعندما يشترى يقول قولا واحدا ليس بعده أية مساومة، وينقد البائع الثمن فورا، آخذا البضاعة مستديرا ومبتعدا، فلا يملك البائع إلا الانصياع للأمر، أضاف إن الرجل واثق من نفسه، ولا يملك الإنسان في حضرته إلا إظهار الاحترام، وحتى لو حاول فعل العكس قابله الرجل بالحكمة فيقلب الإهانة إلى نصر، صاحوا بأن هذا كلام مرسل يمكن أن يقوله أى إنسان غير مدرب على المراقبة مثل رئيس الحراس، انتفض رئيس الحراس قائلا إنه لا يقول أقوالا مرسلة بل هي ثوابت جاءت عبر دقة في الملاحظة نتيجة لأفعال رآها بعينيه وحللها، ثم صاح في وجوههم : " هذه أقوالي ولا شىء آخر أضيفه.." ردوا عليه بصياح مماثلرافعين أصابعهم نحوه : " نريد وقائع، لا نريد استنتاجات.." كان الرجل الغريب يعاين قطعة أرض تطل على البحر عازما بناء مجمع كبير يجد فيه الداخل إليه كل ما يلزمه من ملبس ومأكل وكل أدوات المطابخ، وأدوات التجميل النسائية، والحقائب، وسوف يعلق يافطة كبيرة على الواجهة تُكتب عليها عبارة " هنا تجد كل شىء، لن تخرج دون شراء " وجد الرجل عدة جنود يحيطون به، نظر إليهم نظرة متسائلة عندها قالوا له : " يريدونك أن تصعد إلى القصر" " من هؤلاء الذين يريدون؟! " " لا تسأل، نفذ وتحرك أمامنا.." " لن أتحرك من مكانىقبل أن أعرف.." حاول الجنود الإمساك بالرجل، فظهرت خفاياه، استطاع الإطاحة بهم جميعا من خلال حركات سريعة وعنيفة استعمل فيهما رد فعل غريب، فلم يستخدم قبضاته أو رفساته، ولكنه كان ماهرا في تفادى هجومهم المتكرر، وجعلهم يخطئون فيصيب الواحد منهم الآخر دون التفريط في طاقته، أثناء تلك المعركة التى شاهدها رجال الحاشية ورئيس الحراس وبعض رجال البلد القديم أضافت إلى حساب الرجل، وجعلت اختيارهم لهذا الغريب ليكون حاكما يصب في هذا الاتجاه ويدعمه، نزل رئيس الحراس، وانحنى أمامه، وحدثه بأدب مشيرا إلى القصر، فرأى تجمعا حاشدا يخرج لاستقباله، فلما علم بما عزموا عليه رفض أن يكون حاكما في البداية، فلما رأى إصرارهم خضع في النهاية، وهو يوازن بين عمله في التجارة الخاضع لاعتبارات الربح والخسارة، واضطراره دائما إلى اليقظة والمرونة الذهنية في القراءة الاستباقية للسوق.. " ولكنى لست مثلكم.." " ماذا تعنى بأنك لست مثلنا؟! " " أنا لي حياة واحدة، وموت واحد.." " وهذا نفسه عين ما جعل اختيارنا لك.." أراد التاجر الذى صار ملكا التفرج على رجل أو امرأة من أهل البلد القديم يكون أو تكون في حالة موت أول، ومشاهدة العودة إلى الحياة مرة ثانية، استقبل أهل البلد القديم ممن يوجدون في بلاط الحاكم طلبه في بادئ الأمر على أنه يمثل إهانة لتلك الهبة الربانية، التى مُنحت لهم ولناس بلدهم، لم يجرؤ أحد على الاعتراض أو رفض تحقيق رغبته علانية، وتحولوا إلى تبرير ذلك بأن عليهم النظر إلى الجانب الإيجابي، فالتاجر الذى صار ملكا غريب في النشأة، وفى طبيعة جسمه غير القادر على العودة بعد العدم، انتظروا أحد السكان يذهب ويعود، ولكن الأيام تتوالى ولا أحد يفعلها، في أثناء ذلك أرسل التاجر الذى صار ملكا في استدعاء عائلته، وانتظرهم أن يأتوا، كان متسامحا مع رئيس الطباخين، وترك له حرية اختيار الطعام الذى يقدم إليه في الثلاث وجبات، أعلن رئيس الطباخين ارتياحه : " أنا أحكم المطبخ، وهو يحكم البلد. هذه قسمة عادلة.." -------- * محسن يونس: روائي وقاص مصري، مقيم بدمياط، صدر له: مجموعات قصصية" الأمثال في الكلام تضئ، الكلام هنا للمساكين، يوم للفرح، سيرة جزيرة. روايات: حلوانى عزيز الحلو، بيت الخلفة، حكاية عن الألفة، ما تبقى من بدايات بعيدة، حرامي الحلة، الملك الوجه. خرائط التماسيح. -------- إبراهيم عبد المجيد http://almashhad.net/Articles/992661.aspx سعيد نوح http://almashhad.net/Articles/992663.aspx صبحي موسى http://almashhad.net/Articles/992666.aspx عمار علي حسن http://almashhad.net/Articles/992669.aspx ماهر مهران http://almashhad.net/Articles/992673.aspx محسن يونس http://almashhad.net/Articles/992676.asp وحيد الطويلة http://almashhad.net/Articles/992680.aspx هاني القط http://almashhad.net/Articles/992700.aspx أنهار الرواية المصرية .. ملف خاص (شهادات ونصوص ل 8 روائيين) http://almashhad.net/Articles/992649.aspx