تموين الأقصر: تحرير 22 محضرا ومخالفة بثالث أيام عيد الأضحى    وزارة‫ الزراعة: المجازر تستقبل 27 ألف أضحية خلال العيد    رئيس الحكومة اللبنانية: لا نسعى لحرب ومطلبنا واحد فقط    اتحاد الخماسي الحديث يعقد مؤتمرًا صحفيًا للكشف عن تفاصيل بطولة العالم للناشئين    حبس شاب لاتهامه بالتعدى على كلب حتى نفوقه في المرج    أسرة صاحبة أشهر فيديو بموسم الحج: "كانت دائمة التقرب إلى الله"    طريقة عمل الفخذة الضاني بالخطوات    تضامن الدقهلية: نحر 54 رأس ماشية وتوزيعها على الأسر الأولى بالرعاية    الإسكان: جارٍ تنفيذ 23 مشروعًا لمياه الشرب لخدمة أهالي الوادي الجديد    أعلى معدل بأول 5 أشهر من 2024.. وزير التجارة والصناعة: الصادرات السلعية تسجل 16.55 مليار دولار    فوتوسيشن وحفلات زفاف.. حدائق القناطر تستقبل المحتفلين بثالث أيام العيد (صور)    وزير الري يتابع الموقف المائي خلال فترة إجازة عيد الأضحى    بوتين يعلن عن خطط لتطوير الرحلات السياحية بين روسيا وكوريا الشمالية    آلاف الأشخاص يتظاهرون في القدس مطالبين حكومة نتنياهو بالاستقالة    وفاة 9 أشخاص جراء الانهيارات الأرضية والفيضانات في جنوب الصين    موعد مباراتى ديربى مدريد بين الريال وأتلتيكو بالدورى الإسبانى 2024-2025    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    "هبطلك كورة".. ميدو يكشف واقعة بين لاعب الزمالك وأحد الحكام في لقاء المصري البورسعيدي    "اتكسف وغصب عنه".. ميدو يعلق على أحداث مباراة الزمالك والمصري البورسعيدي    9 برامج تدريبية ضمن مبادرة "طور وغير" بتعليم الوادي الجديد    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الهندسة الزراعية والنظم الحيوية جامعة الإسكندرية فرع الشاطبي    غرق شاب في مياه البحر بالكيلو 21 بالإسكندرية    ثانى أيام التشريق.. الحجاج المتعجلون يودعون المشاعر المقدسة بالدموع.. أداء طواف الوداع بالحرم وسط استعدادات مكثفة والمدينة تتأهب لاستقبالهم.. مستشفى متنقل وأطقم طبية للطوارئ.. و251عربة كهربائية لنقل الحجاج..صور    بالأسماء.. مصرع شخص وإصابة 5 آخرين في حادث تصادم على طريق أجا بالدقهلية    بائع غزل البنات بين قسوة الواقع وإطعام أطفاله!    خالد جلال يفتتح عرض "مش روميو وجوليت" على المسرح القومي (صور)    معلومات الوزراء: المتحف المصرى بالتحرير أقدم متحف أثرى فى الشرق الأوسط    أبرز 8 معلومات عن الشيخ مصطفى إسماعيل في ذكرى ميلاده.. ينشرها الأزهر للفتوى    البنك المركزي يعلن ارتفاع الودائع ل 10.6 تريليون جنيه في فبراير الماضي    بعد عملية استغرقت 90 دقيقة، حاجة مغربية تستعيد حركتها وتواصل مناسك الحج    مجدي يعقوب: تقدم الشعوب ليس بالمال ولكن بمدى اهتمامه بالصحة والتعليم - (فيديو)    لن تتوقع.. هذا ما يفعله العنب بالكوليسترول والقلب    ضبط 8 أطنان دقيق مدعم في حملات على المخابز السياحية    المنظمات الأهلية الفلسطينية: 12 ألف حالة معظمهم من الأطفال بحاجة لتلقي العلاج خارج قطاع غزة    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 من أعضاء المهن الطبية للدراسات العليا بالجامعات    رئيس الإمارات وأمير الكويت يهنئان الملك سلمان بنجاح موسم الحج    بسبب الإقبال الكبير.. عرض «الحلم حلاوة» يعتذر لجمهوره الذين لم يتمكنوا من الحضور    حزب الله: استهدفنا دبابة إسرائيلية من نوع ميركافا وحققنا إصابة مباشرة    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    ضبط عنصرين بالإسكندرية بحوزتهما كمية من المخدرات تقدر ب 1.5 مليون جنيه تقريباً    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    اتفسح وأنت فى البيت.. الحديقة الدولية تستقبل زوارها للاحتفال بثالث أيام عيد الأضحى    يورو 2024| التشكيل المُتوقع لجورجيا أمام تركيا في بطولة الأمم الأوروبية    سيتي يبدأ المشوار بمواجهة تشيلسي.. خريطة مباريات القمة في بريميرليج 2024-2025    احذر الحبس 10 سنوات.. عقوبة تزوير المستندات للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة    دعاء الأرق وعدم النوم.. لا إله إلّا الله الحليم الكريم    «المهايأة».. كيف تتحول شقة الميراث إلى ملكية خاصة دون قسمة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 18-6-2024    «الصحة»: فحص 13.6 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الاعتلال الكلوي    سعر كيلو اللحمة في منافذ التموين اليوم الثلاثاء 18-6-2024    أخبار الأهلي : الزمالك يتلقي صدمة جديدة بعد التهديد بعدم مواجهة الأهلي    دفاعا عن الاستقلال والعدالة..كوريا الشمالية ترى القتال إلى جانب روسيا شرفا    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    إيهاب فهمي: بحب أفطر رقاق وفتة بعد صلاة العيد وذبح الأضحية    ملخص وأهداف جميع مباريات الاثنين في يورو 2024    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مُوجَعُون" قصة جديدة ل "أحمد صبحى"
نشر في المشهد يوم 05 - 04 - 2012

ينطلق القاص والشاعر الشاب أحمد صبحى، ابن مدينة كفرالشيخ، فى طريقه الإبداعى باثًا هموم مجتمعه فى سلسلة قصصٍ قصيرة تمثل رصدًا واقعيًا لأوجاع الناس، همومهم، واحلامهم، طموحاتهم، ومطالبهم.. والنص الذى بين أيدينا قصة قصيرة بعنوان "مُوجَعُون"، تنبىء عن كاتب يملك أدواته..

مُوجَعُون
كان يومه قد بدأ في الاحمرار عندما أنشبتِ الشمسُ نسيجها بالمبنى الذي تتخفى فيه كل يوم كهاربة من الثأر بعدما قتلت يوما آخر من عمره الحلزوني الرتيب.
و كعادة عمله كان جالسًا على مقعد القيادة المهترئ يندب في قرارة نفسه يوم أن أقحمَ الغد الباقي من حياته في عمل ليس له فيه منصب أعلى يَتقلّده
فلا رِشوَة و لا مساومة على المناصب في هذه الوظيفة.
فالمنصب الآخر هنا و الوحيد كان "صابر" قد تقلده آنفا عندما عمل"تباعا - قد الدنيا " يتخذ من التابوت المغلق خلف مقعد السائق موطنا مؤقتا ليصبح الأقرب إلى لسان وأحيانا يد السائق الذي لطالما كان يدعوه ب"الأسطى" احتراما
و لطالما كان الأسطى يعشق جِلسة الصبي خلفه ليصب في أذنيه عبارات الوعيد و الويلات التي ستلحق به إن لم ينفجر في التو صارخا : " موقف موقف موقف ، موقف يا أستاذ ، موقف يا أبله ، موقف و طالع"
و نظير كرامته -التي كان يرتع فيها الفعل المضارع بأعمال السبي و النفي- كان يتقاضى نقودا لا تُسمِنُ و لكنها قد تُغنِي من جوع
هكذا كان "صابر" السائق الذي كلما صب الغروب في عينيه نزيف يومه يتذكر يوم كان "تباعا" و ها هو اليوم أصبح "سائقا" يفعل ب "تباعه" ما كان يفعله به " الأسطى " قديما ، فصلى و شكر
أقصد أنه صلّى على النبي
فهو لم تطأ قدمه درج مسجد منذ حصل على بكالوريوس ابتدائي و نَسِيَ بعدها كيف كان يرتب حروف اسمه كي يصير اسما يكتب كما ينطق
أو ربما لا ينطق أيضا .. فهو دائما يُنَادَى ب " يابرنس " أو" يا صاحبي " و ذلك لِعِظَمِ الثقافة المنتشرة بين أصدقاء مهنته النبيلة
أوقف صابر سيارته الميكروباص لينتظر الركاب الذين سيقلهم إلى طريق العودة ، و بين إغماضة عينٍ و انتباهتها ، كان حسن قد احتل مِقعدا في ميكروباص صابر و أصبح يمثل لصابر " نصفَ جنيهٍ " أرسله الله رزقا له كما يرزقُ الطير تغدو خِمَاصًا و تروح بِطَانًا.
و بدأ حسن في وسواسه الذي تعود عليه كلما جلس في الميكروباص ينتظر السائق المغوار أن يستل تارته و دواسته و يتخطي بها جحافل الطريق ليعبر به نحو بيته حيث يرقد على فراشه لينهي يومه بإغلاق جفنيه
فحسن ينتظر الشمس يوميا أن تغيب ، يريد لأيامه ان تنتهي بأي طريقة
فسرعان ما يهرول إلى ميدان التحرير حالما يتنامى إلى علمه أن نزاعا جديدا قد نشب بين طائفتين لا صلة له بأي منهم بحجة أنه سيكون شهيدا و يسكن الفردوس الأعلى و يداعب الحور العين و يلقي عليهن بالنكات حتى يمتن من خفة ظله
فيبدله الله حورا -خيرا منهن- لا يرون فيه خفة ظل أصلا فلا يمتن أبدا
- " تنسى كأنك لم تكن " (*)
هكذا صاح شاعره المفضل في سماعات أذنه التي يستعملها غالبا لفض الضوضاء عن أذنيه
- " تنسى كأنك لم تكن "
يكررها الشاعر في أذنيه ليذكره بمدى حقارة وجوده في هذه الدنيا
فيجيب حسن في سخرية لذاته
- " تنسى كأنك فوتوشوب "
اقتداءً بالحكومة العسكرية " رشيدة " في مصر ، التي تبرر جميع الجرائم على أنها إبداعاتٍ تصميميةٍ لفنانى الفوتوشوب ، على سبيل إضحاك الشعب ليس إلا.
و سرعان ما يضغط حسن على أزرار في هاتفه الخلوي ليمنع تدفق مزيدا من الشعر في أذنيه ، كي يتصل بعالم آخر خارج بوتقته المفضلة دون أن يضع السماعات جانبا ، رغم أنه يجيد التواصل مع الآخرين في حدود الأسئلة المعتادة دون أن يوقف أصوات سماعاته التي تأسر أذنيه.
" ما حدش عنده ضحكة سلف "
هكذا كان يشدو و يعبق بالأجواء غناء المطرب الرائع " عمرو دياب"
أقصد أن غناءه بالنسبة لصابر " السائق " أفضل بكثير من التراهات و التلوث الذي يتفوه به عمرو دياب
و كعادة حسن حين يصطدم بموقف لا يفضل الانخراط فيه
فغالبا تتمتم نفسه داخليا دون أن يعلق صوتيا على أحد
" أراهن أن هذا السائق لو أستمع ولو بالمصادفة إلى مقطوعة لشايكوفيسكي لتحول الأمر فجأة إلى أبعاد دينية و لأقسم و أجزم أنه تاب عن سماع الغناء و المزمار إلى الأبد لأنه رجز من عمل الشيطان فحتما تجده يعتبر مادون إبداعات " عبد الباسط حمودة " نوعا ليس من الغناء في شيء و يعد بمثابة أحد أساليب التعذيب في المخابرات المصرية لإجبار البريء على الاعتراف بأنه تجسس أو سرق أو ربما يعترف بقتل أمه التي مازالت هي حية ترزق "
فحسن يعتبر الغناء الذي تتدلى جراثيمه من كاسيت الميكروباص الآن مرضا منتشرا كانتشار الميكروب في شتاء كانون
امتلأت المقاعد بمؤخرات الركاب و بدأ نعيقهم يشارك نهيق الحمار الذي يرفس آذان حسن
- " ما تخلي السواق ده يقفل الأغاني دي "
قالتها إحدى الراكبات -التي يظهر من لباسها المسدل أنها متعففة- لصديقتها
- " و يقفلها ليه ! ، ما يشغل أغنية حلوة و خلاص "
قالتها الصديقة
- " أيوه بقى "
قالها حسن في " عقل باله " بسخرية شديدة
أجابت المتعففة صديقتها
- " أيوة عشان نروح النار "
فاستطرد حسن - أيضا في " عقل باله " - دون أن يعلق على الفتاة المنحلة صاحبة الفكر المتحرر في رأيه
و أنشب أظفار وسواسه في الفتاة صاحبة الرداء المسدل:
- " أحلق دقني لو ماكانش عندها على الأقل نمرة ولد على التليفون "
و سرعان ما تذكر حسن أن ذقنه هذه قد رميت في سلة القمامة بعدما مزقت شر ممزق في ملحمة بين الحلاق و ذقن حسن و كيف أن الحلاق أرهق في تخليص شعيرات ذقنه من بين حب الشباب دون أن يخدش حبة منها فتسيل دماء الشعوب على وجنتيه
حسن ، طالب في السنين الأخيرة من التعليم الجامعي
يعتبر نفسه في كلية الهندسة رغم أن صلته بها لا تتعدى اصطحابه الدائم لقلم يستخدمه في أي شيء ماخلا محاضراته و لوحاتها
و حمله لحقيبة يستخدمها غالبا لحمل كتب أخرى ، فهو لا يرى كتبه الدراسية إلا عند شرائها بأسعارها القليلة جدا - فثمنها الباهظ يتعدى فقط ثلاثة أضعاف ما تستحقه الكتب من النقود
ولا يراها قبل الاختبارات حتى لأنه يمعن و يمحص في البحث عن أكثر الأوراق اختصارا و يا حبذا لو كانت وريقات وليست أوراق
و لاقتناع حسن الشديد بأن "المؤمن دائما مصاب" فهو لن يغامر أبدا بسنة دراسية من حياته أو حتى بحاسوبه المحمول
بعدما تجسدت هذه العبارة فعليا تارة عندما طويت سنة من سنين حياته في حكم النسيان كأنها لم و لن تأتِ
وأخرى في مشهد مؤسف كابده صديقه بصعوبة
و كان كفيلا بتيقن حسن أن الابتلاء لا يكون بضياع رقم الفتاة التي كان يعبث بأذنيها ليلة أن يفشل في كتابة قصة أو إيجاد فكرة لقصيدة جديدة يلهو بمفرداتها.

طال الطريق كأن الأرض تدور في نفس اتجاه و سرعة السيارة ولن نصل أبدا
"! هنوصل قبل الفجر ما يأذن يا أسطى "
سأل حسن السائق بتهكم شديد ، فصلاة المغرب لتوها قد انتهت
و الطريق عادة لا يستغرق أكثر من عشر دقائق بحد أقصى
ينظر السائق إلى الخلف دون أن يدير وجهة ، نعم فالسائقون يمكنهم القيام بأي شيء
هو ليس ساحرا لكنه يستخدم المرآة في النظر لمن خلفه - لأن هذه هي وظيفة المرآة الحقيقية و لذلك وضعت في السيارة
ثم يهم بالرد على هذا " الواد العسلية " ثم يمضغ كلامه قبل أن يتساقط منه و يبرر في سره بأنه "عيل و غلط ، عيل و غلط " بالطبع يقصد حسن
وبعدها يغيب صابر كالعادة محدثا نفسه : أنا أوافق أن أكون "واد عسلية " آكل ما أشتهي ريثما أريد - و أتفنن في إسراف النقود التي هي في الأساس من عرق" بابا "، على أن أكون سائقا أهان من هذا التافه ولا أملك الإجابة عليه " فالزبون دائما على حق " خاصة و أن هذه السيارة ليست ملكي فأنا أعمل عليها فقط و إن أجبته إجابة تشفي غليلي ، لطُرِدتُ من عملي .
كان صابر قد غاب عن الحضور لانشغاله بغبطته لحسن
و كان حسن يتميز غيظا لأن صابر لم يجبه على عبارته التهكمية
ولأنه أيضا لم يزد من سرعة السيارة
وعاد إلى وسواسه الذي يفرغ فيه شحناته ممن يكره التعامل معهم ليصف السائقين بأنهم صم القلوب و بكم العقول و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم
لكنه شارف على الوصول أخيرا
فابتهجت أساريره قليلا و هدأ من روعه
و أخيرا وصل حسن إلى وجهته
دفن أصابعه في جيبه ثم أخرجها بمفاتيح شقته – أو شقة أبيه التي يقيم فيها لحين أن يصير رجلا
يعبر حسن الطريق داسا رأسه في قدميه كفتاة تخجل من تفرس المارة لتقاسيم أنوثتها التي لا تظهر إلا عمدا منها
لكن الحقيقة أن خجل حسن مبررا لأن أصحاب و مرتادو محل الحلوى الذي يقبع أسفل بيته عادة ما ينظرون إليه بغبطة على غرار نظرة صابر إليه
يهرول حسن ثم يدس نفسه في بئر سلم منزله و يبدأ رحلة الصعود مخاطبا نفسه: استمر يا حسن في الصعود حتى يخالجك الملل حينها فقط ستجد الباب الذي يمكنك إدارة مفتاحك في ثقبه ليفتح إما على فردوس أو على مسد
أدار حسن المفتاح فارتطمت أذنيه بصراخ أبيه ينادي : حسن
لم يجبه حسن لأن صوت أبيه لا ينذر بخير
فعاد الصوت مرة أخرى يصيح : إنت ياله
تمنى حينها لو عاد الزمان ثانيتين فقط لحطم عقرب الساعة حتى يخلد الوقت الذي ناداه فيه أبوه باسمه الحقيقي في النداء الأول , و سيتكفل هو بنسيان فظاظة أسلوب النداء.
- أيوه يا بابا
أجاب حسن أباه
ثم خاضا عراكا معتادا يبدأ بالسؤال عن أماكن تواجده طيلة اليوم منذ العاشرة صباحا حتى أفول الشمس
فالأمر بالنسبة لأبيه أقرب إلى أفلام الإثارة و الغموض حول ما إذا كان حسن صادقا أم كاذبا
و بالنسبة لحسن فالأمر يعد كأحد ألعاب الذكاء و كيفية احتواء الموقف بالتفنن في تلاوة الأكاذيب و ترتيبها بالطريقة التي تجبر الآخر أن يصدقه
للأمانة فقط تقريبا هذا هو الكذب الوحيد الذي يمارسه حسن في حياته لأنه يعتبره خيانة مشروعة لا مفر منها في هذا البيت
يدخل غرفته بعدما ألجم تفكير والده و كبله بالغموض و تركه في حيرة من أمره
ثم ينزوي إلى ركن في سرير غرفته بعدما ألصق ورقة بالمغناطيس على ثلاجة منزلهم كتب عليها " عايز خمسين جنيه بكره عشان,,,,,,,,,,,, "
حتما تجده قد ألف أكذوبة يملأ بها ما تبقى من الورقة و عقل قارئها ، ويزفر أنفاسا من لهب وهو يكتب لأنه كان يتمنى أن يكون أباه مثل أب صديقه "علي" الذي يغدق عليه بالمال الوفير دون داعٍ و يشاركه لحظات الطفولة المتأخرة التي يعيشها "علي"
يخلد الجميع للنوم لتصير نهاية اليوم في بيت حسن تضاهي تماما نهاية اليوم في بيت صابر الذي عاد منهكا بعد يوم آخرٍ رتيب
- اليوم يا أمي قد أكملت المال الذي يمكنني من اصطحابك غدا إلى طبيب الأورام و شراء الدواء اللازم .
بكت الأم من شدة حزنها على ابنها الذي ينفق ماله على ما تفاقم في بدنها من أورام تلتهم أحشائها و لا يدخر لنفسه شيئا يعينه على الزواج من إحداهن.
يربت صابر على كتف أمه و يبتسم من شدة الرضا الذي يشع من عينيها المغرورقتين بالدموع ، ثم يعيد ترتيب الوسادة تحت رأسها و يتمنى لها أحلامًا سعيدة و يدخل غرفته ببنيانه العريض كما يلج الجمل في سم الخياط ليدفن بدنه في فراشه ، وينتظر النوم أن يعطف عليه.
انتهى اليوم بهدف نبيل للسائق الذي يراه حسن أنه جاهل ,, و بأكاذيب حسن التي يراها مبررة ليعيش كيفما يريد
هكذا يخلد الصخب في المستويات قولا قديما:
إذا المرءُ لم يُدَنّس من اللؤمِ عِرضَه ,, فكل رداءٍ يرتديه جميلُ (*)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.