صدر مؤخرا العدد الجديد من فصلية الكرمل الجديد الثقافية. تصدّرت العدد نصوص لمحمود درويش بعنوان “خطب الدكتاتور الموزونة” كان الراحل الكبير قد نشرها في أواسط الثمانينيات في مجلة اليوم السابع الباريسية، ولم يضمها إلى أي من مجموعاته الشعرية، أو كتبه النثرية اللاحقة. تعالج النصوص المذكورة ظاهرة الدكتاتور العربي بلغة ساخرة، ونظرة ثاقبة، إلى حد تبدو معه رغم مرور سنوات طويلة على نشرها راهنة تماماً، ومنسجمة مع إيقاع التحوّلات الجارية في العالم العربي هذه الأيام. في باب بعنوان “مقالات ودراسات” ضم العدد دراسة مطوّلة للمفكر والباحث الاقتصادي المصري المعروف سمير أمين بعنوان “ثورة مصر وما بعدها”، حاول أمين من خلالها تحليل بنية وهوية الثورة المصرية، على خلفية ما شهدته مصر من تحوّلات راديكالية منذ أوائل القرن العشرين، والمهم في نظر أمين أن الهوية الاجتماعية للثورة المصرية لم تتضح بعد، وهذا يعتمد إلى حد كبير على نوعية الفئات الاجتماعية المشاركة فيها. في السياق نفسه ضم العدد معالجة للثورتين المصرية والتونسية كتبها المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي، وخلص من خلالها إلى أن الحكّام العرب لم يعودوا بعد الحدثين المصري والتونسي قادرين على معاملة شعوبهم باحتقار، وتجاهل رغبات مواطنيهم في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وفي هذا الجانب أسهم أيضاً ألان غريش محرر جريدة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، الذي خص المجلة بمقالة عن تحوّلات النظام الإقليمي في الشرق الأوسط بعد الثورات العربية. وعن الوضع الراهن في سوريا كتب الناقد والكاتب السوري صبحي حديدي مقالة تحليلية عن سياسات النظام البعثي في زمن الأسد الأب، التي استهدفت خلق جيل جديد في سوريا يدين بالولاء للنظام، لكن الثورة الحالية في زمن الأسد الابن أثبتت أن هذه السياسة قد فشلت. وكذلك أسهم الباحث الفلسطيني مهنّد مصطفى بدراسة تستعرض ملامح التحوّلات السياسية في كل من مصر وتونس. وأخيراً ضم العدد تأملات نظرية في التحوّلات العربية كتبها حسن خضر. إلى ذلك تُضاف، في باب بعنوان “كلام الشهود” شهادات ضمها العدد لكل من الروائي المصري عز الدين شكري، الذي كتب عن انطباعاته الحيّة في أيام الثورة المصرية، وللروائي المصري إبراهيم عبد المجيد، الذي وصف تجربته الشخصية ومشاهداته في أيام اندلاع الثورة. كما كتب الناقد والكاتب الفلسطيني فيصل درّاج شهادة شخصية عن مكونات وعيه الثقافي والسياسي، وكيف تأثر بما صدر عن مصر وفيها من كتب وأفكار، وما ظهر فيها من شخصيات ثقافية، منذ تفتّح وعيه. وعلى نحو مشابه كتب مريد البرغوثي، الشاعر الفلسطيني المقيم في القاهرة، شهادة شخصيّة بلغة شعرية آسرة عن تحوّلات الزمن العربي. في باب بعنوان “الشاهد من نافذة الأمس” كتبت سامية محرز الأكاديمية المصرية دراسة تحليلية عن حروب الثقافة في مصر، ومحاولة المؤسسة الرسمية تدجين الكتّاب وتجنيدهم، كما كتب السينمائي الفلسطيني صبحي الزبيدي دراسة تحليلية عن السينما المصرية في العقد الأخير، وعمّا تجلى في بعضها من حنين إلى تغيير للواقع تجسّد في الثورة المصرية. ومما يذكر أن هذه الفصلية الثقافية تصدر في طبعتين محلية توزع في فلسطين وعربية تطبع وتوزّع في العالم العربي، ويرأس تحريرها الكاتب حسن خضر، الذي أوجز رسالة المجلة في الافتتاحية بالقول إن الممارسة الثقافية يجب أن تكون “نقدية أولاً، ومحكومة بهاجس التحديث ثانياً، ومسكونة بتطلعات ديمقراطية وإنسانية ثالثاً، وغير محايدة ولا امتثالية رابعاً، ومصابة بداء الحرية خامساً”. وقد جاء العدد في 247 صفحة من القطع الكبير، وهو مكرّس بالكامل للثورات والتحوّلات الجارية في العالم العربي.