رغم أني واحد ممن أيدوا 30 يونيو ودعوا إليها منذ وقت مبكر منعا لاختطاف الدولة .. ورغم أنه ليس لدي عقدة من أن يحكم مصر رجل ذو خلفية عسكرية ، فحكم الجنرالات على الأقل في أمريكا وفرنسا ارتبط بفترات ازدهار للدول ، ورغم انه ليس بيني وبين الرجل إلا كل تقدير واعتبرت نشر هاشتاج يعرض به نوعا من السفالة السياسية ، لكنني أتمنى ألا يصبح رئيسا لمصر. أنصار السيسي وحواريوه سيسألون لماذا ؟؟ ولدي من القناعات ما يكفي لتبديد غبار سؤال استنكاري مثل هذا. أدرك قبل عرض هذه القناعات أن السيسي بالظروف التي أحاطت به وبالالتفاف والرضا الشعبي الذي ناله خصوصا في أسابيع ستة فصلت بين إزاحة مرسي وبين فض اعتصامي رابعة والنهضة يمثل إشكالية سواء اختار الترشح للرئاسة ، أو أحجم عن ذلك وظل في منصبه وزيرا للدفاع ، ذلك أن الهالة التي اكتسبها والسطوة التي حققها ، لن تمكن أي رئيس منتخب من أن يتعامل معه كمجرد وزير دفاع ، ولم يكن هناك حل غير أن يقرر السيسي طوعا الاكتفاء بما حقق ، ويذهب إلى بيته ، منعا لتشكل نظام برأسين ، وهو مالم يفعله الرجل . قد يكون السيسي أجدر الناس بتولي رئاسة مصر في هذا الظرف العصيب ، وربما لو ترك الناس بمعزل عن الأداة الإعلامية التي تعزف لشخص واحد لاختاروه طواعية ، غير أن عاملين يدفعاني شخصيا لتمني عدم فوزه . الأول مواكب المنافقين التي تحيط به ، وتتشكل من إعلاميين يخدمون كل بلاط ويسوقون لكل عصر لدرجة تثير اشمئزاز الناس ، ومعهم رجال عرف عنهم في كل العصور ايضا الارتباط بالأجهزة الأمنية ، والرضا بدور كلب الحراسة ، يفعلون ما يؤمرون به ، ويتحركون ضمن أجندة أمنية ومخابراتية ، يحكمها مزاج كل عصر ، فإن أساءت السلطة أساؤوا وإن أحسنت أحسنوا ، لا يعملون عقولهم ولا يفكرون للحظة ما إن كان ماينخرطون فيه لصالح مصر فعلا ، أم لصالح جهاز أمني وارضاء لنزوات المتحكم بالمقاليد ، ورجال أو أنصاف رجال يلهثون وراء ما يظنون أنه يحقق مصالحهم الشخصية التي لا تتسق بالضرورة مع المصالح الوطنية. الثاني أنه إذا كانت 30 يونيو استكمالا لثورة 25 يناير وليس ردة عنها ، فلماذا لا تحكم الثورة ؟ ومتى ستحكم . بالقطع لا يمكن للسيسي أن يدعي تمثيله للثورة حتى وإن كان قد تعاطف معها أو لم يقف في وجهها ، وإلا فلماذا لجأ الرجل إلى آليات وشخوص نظام مبارك ، قرب نفس الوجوه الكالحة التي يشمئو الناس منها ، والضالعة في فساد أو إفساد ممتد عبر عقود ، ولم يلجأ لشخصيات عرف عنها الانحياز للثورة والإصلاح او المشاركة فيها أو حتى تبني مطالبها بأثر رجعي ، بل إن وجوها ثورية مهما اختلفنا عليها قابعة خلف الزنازين لمجرد محاولة الخروج على قانون لايناسب مابعد ثورة يناير والتظاهر دون اتباع الشروط التي يفرضها هذا القانون البائس. خطورة العامل الأول والخاص بمواكب المنافقين أنه كفيل بعزل الرجل عن الضمير الشعبي العام ، فهؤلاء لديهم قدرة على أن يزينوا له القبيح ، حتى وإن كان ملاكا طاهرا نازلا من السماء ، فالبطانة السيئة كفيلة بالافساد عبر تقديم النصائح المغلوطة وقول ما يحب الرجل أن يسمعه ، حتى وإن كان مجافيا للحقيقة الماثلة أمام العيون. أما خطورة العامل الثاني ، فهو أن السياسات تنتجها الأفكار ، وعزل السيسي نفسه عمن يمثلون القطاع العريض من الشعب المصري والذي صنع أكثر ثورة في التاريخ طهارة ونظافة وعفة ، لهو تهديد بإعادة انتاج نظام مبارك . فالمحيطون به ليس لدية مفهوم للدولة إلا الدولة القامعة الفاسدة التي تفرض على الناس الانصياع للخطأ والرضا بغياب القانون وغياب العدالة والشفافية والمحاسبة . يتصور كثيرون ومعهم اجهزة الدولة أن الأمر محسوم ، وأن العملية الانتخابية مجرد إجراء مسرحي لاكتساب شرعية أمام العالم ، لكنهم واهمون ، بشرط أن يخرج الناس إلى الصناديق ويتخلوا عن اعتبار السيسي قدرا مقدورا ، وان تعاد إليهم الثقة بأن الشعب وحده هو من يرفع ويخفض ، من يعين ويعزل ، وهذا يبدو صعبا في ظل إعلام جوبلز التي تعمل آلته الآن. إن فاز السيسي بأدوات دولة ما قبل ثورة يناير ، فلن يطول الأمد حتى يثور الناس على استنساخ تجربة بائسة وإن أجريت الانتخابات بشفافية وفي مناخ سليم ، فسيدرك الرجل أنه جاء بأصوات الناس ، وبالتالي بإمكانهم أن يعزلوه إن أساء ، وحينها سيجد نفسه مرغما على التخلص من العملات الرديئة التي تحيطه من كل اتجاه ، وتبني مطالب الناس وليس الانسياق وراء نزوات مجموعة مرضى ومشوهين يديرون الأجهزة بمنطق لم يعد صالحا لمصر التي ضحت بدماء شهدائها ، وباستقرارها الاقتصادي والمعيشي والأمنى على امتداد نحو أربعين شهرا. مصر أكبر من أن تقزم في جماعة الإخوان ، وتصوير كل نقد على اعتبار أنه تعاطف مع جماعة أصيبت قيادتها بنوع من العته والانفصال عن الواقع محض خداع ، فالإخوان لم يكونوا غير مجرد فصيل شارك وساوم بمشاركته ثم ركب موجة وحاول سرقة ثورة انتهت بقادته في الزنازين ، وبشبابه في الشارع يتصرفون دون وعي ولا سابق خبرة .. ثورة يناير عمل شارك فيه الشعب المصري ، ولا ينبغي اختزال آماله وطموحاته وتضحياته في جماعة أو فصيل. هذا الشعب يريد حرية واستقرارا وكرامة ودولة يتم بناؤها على أسس سليمة وصلبه ، وهذا ما لا يمكن لرجال عصر مبارك وكلاب حراسته أن يفعلوه. ملصق يروج للسيسي رئيسا