في آخر معارض الشهر الأول في برنامج "المنامة عاصمة الثقافة العربية 2012م"، شهر "تشكيل"، تم إفساح المدى التشكيلي لتجاور تجربة عربية أخرى، وفتحت الثقافة على مساحة جغرافية أبعد تتشارك فيها مع المملكة الأردنية الهاشمية الأفق الحداثي والمعاصر عبر معرض "فن أردني معاصر" الذي تنظمه وزارة الثقافة البحرينية بالتعاون مع المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، إذ افتتحته وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة مساء أمس الأربعاء، بحضور الأميرة وجدان فواز الهاشمي عميدة كلية الفنون والتصميم بالجامعة الأردنية ورئيسة الجمعية الملكية للفنون الجميلة ولفيف من الفنانين الأردنيين والبحرينيين في متحف البحرين الوطني. وقد أعربت وزيرة الثقافة عن سعادتها باستضافة الفن الأردني في المعرض، مشيرةً: "الحراك الفني الأردني والثقافي سيرة تاريخية طويلة تكشف لمتتبّعها حيوية التشكيل وتمرّده على اعتيادية الطرح"، مؤكدةً "أن الثقافة البصرية والجمالية اليوم تحرّك على مرأى العالم العديد من المفاهيم والخطابات التي بالإمكان تجريدها بالأسلوب البصري، وهذا ما يلخص العديد من الاشتغالات الثقافية والفكرية". من جهتها أوضحت الأميرة وجدان فواز الهاشمي أنها تعتز بمثل هذه المشاركة لما تحمل من قيمة فكرية وجمالية خاصة تندمج في البحرين عاصمة للثقافة العربية، مبينةً "أن المعرض هو حفل ثقافي بصري وجمالي يعدّد أدواته وأجياله وتوجهاته لتقديم جماليات معاصرة تتعامل مع التاريخ الثقافي والانفتاح الحديث". وقدّمت التجربة الأردنية في معرضها العديد من الأدوات والأساليب بدءًا من الرسم والتصوير بمشاركة حوالي 35 فنانًا أردنيًا اعتمدوا على ارتسامات تسجيلية وانطباعية، تحاكي البيئة المحلية والظواهر المعيشية بتقنيات حداثية ورمزيات فنية، من بينهم: مهنا الدرة، أحمد نعواش، وجدان، منى السعودي، فخر النساء زيد، نبيل شحادة ودينا حدادين وغيرهم. كما وظّف مجموعة من الفنانين الأردنيين فن الجرافيكس للتعبير عن مجموعة من الأطروحات وتشّخص بصمات مبتكرة وصادمة. وتجاوب كلٌ من الفنانين رفيق اللحام، توفيق السيد، ياسر دويك، سحر قمحاوي، نعمت الناصر، حكيم جماعين، سهيل بقاعين، جمان النمري، هاني علقم وحازم النمراوي مع أسلوب الحفر كمساحات إيحائية تتداخل مع فن الصورة ولعبة الضوء. وفي استخدام للثقافة الضوئية الشائعة، فإن المعلم العمراني والتناول الإنساني هما التفصيل الأبرز في معاينة التكوين والبنية الأردنية، كما ونقل المعرض التقاطات الفوتوغرافيين جان قسيّة، سامي نبيل، كلارا أمادو، طارق الدجاني، بدر المحاسنة وفريدون أبده. أما النحاتون والخزفيون، فقد كان لهم حضورهم وصياغتهم الفنية التي تجسّد تراكمًا تاريخيًا ومرحليًا يتعامل مع الكتلة والوجود بطرائق وأساليب تعاين المادة والتكوينات من خلال أعمال مفاجئة وصادمة لسامية الزرو، كُرام النمري، سامر الطبّاع، نزيه عويس، خيري حرز الله، غسان مفاضلة وأنيس المعاني الذين قدّموا أعمالاً تمثيلية ومفردات إنشائية فريدة. إلى جانب الخزفيين: محمود طه، حازم الزعبي، مارغريت تادرس ورائد الدحلة الذين ركّزوا على مادة الطين كصناعة إنسانية وتشكيلية تختزل الأعمال الحضارية. من جهتها، شاركت الفنانة رجوة بنت علي في المعرض من خلال عمل فني إنشائي يمارس سياقًا جديدًا في لغتي التفكير والتعبير البصريتين عبر سبعة مستطيلات أفقية بملامس رملية منتظمة المساحة والتوزيع، يتوزع على سطح ستة منها 99 ياسمينة من البورسلان تنتظم في حركات حلزونية وباتجاهات مختلفة، تتصل في جملة موسيقية واحدة، فيما يبقى الأخير منها بعيدًا بعض الشيء. وتمثّل هذه الأعداد (7) و(99) دلالات رمزية في الموروثين الميثولوجي والديني. وأخيرًا فإن حداثة العرض البصري، تجاوز إلى الحركة والصوت والأداء من خلال مجموعة من الأفلام القصيرة، أولها للفنانة سهى شومان التي عاينت المأساة الفلسطينية وتراجيديتها العتيقة من خلال فيلم "بيكفي مشان الله" الذي يستمر 15 دقيقة تكثّف فيها التعاطي مع المفارقات والتناقضات ومسائل التمييز والانقسامات الدينية. فيما تختزل الفنانة هيلدا الحيدري مناطق المرأة في خمس دقائق تتوزع في عبارات وملامح نسائية من مختلف الأجيال، الهيئات، الثقافات والجنسيات يقلن فيها جملاً قصيرة مثل: "مطلقة أنت، ممنوع، عيب، لا تزوريني زوجي بالبيت". فيما ذهبت الفنانة سيما زريقات مع فيلم "The higher, the sun rises" إلى التفكيك والتركيب ما بين متداخلات الضوء والظل، وممارسة الحركة المضاعفة للإشعاع في استحضار للقوى الكونية وحراك الطبيعة. أما عمل الفيديو الأخير فينقل مشهدين مختلفين على نصفي شاشة، ويترابطان في وضع الحركة والتعبير بعنوان "ذكّرني أتذكر أنسى". ويركز العمل على صورة حنجرة تتنفس، فيما ينقل النصف الآخر عملية التدوين والمحو في فعل الكتابة لمدة تصل إلى دقيقتين وخمسين ثانية.