دعا ممثلو عدد من المنظمات الأهلية إلى تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في النضال الوطني؛ من خلال المشاركة الفاعلة في حملات المقاطعة، وفرض العقوبات على دولة الاحتلال، مشددين على رفضهم التمويل الدولي المشروط. جاء ذلك في ختام أعمال المؤتمر الذي نظمته شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بمدينة غزة تحت عنوان " حالة المجتمع المدني الفلسطيني للعام 2011 "، وذلك ضمن مشروع تعزيز الديمقراطية وبناء قدرات المنظمات الأهلية بتمويل من المساعدات الشعبية النرويجية. في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر؛ قالت الناشطة الحقوقية " آمال صيام " - مديرة شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية -: " إن هذا المؤتمر يأتي في ظل أجواء المصالحة الوطنية؛ الأمر الذي يدفعنا للعمل على استنهاض دور المجتمع المدني باتجاه حماية الحريات العامة، والتي تضررت كثيرًا جراء الانقسام "، مؤكدةً على ضرورة استمرار العمل الجاد لتحقيق وحدة المؤسسة الفلسطينية على أسس انتخابية وديمقراطية؛ تضمن مشاركة الجميع في بنيتها وتركيبتها التمثيلية، وعلى قاعدة قانون التمثيل النسبي الكامل، الذي يضمن إشراك الجميع في الهيئة التمثيلية لشعبنا. وفي كلمة المساعدات الشعبية النرويجية أكد محمود حمادة أن المشاريع التي نفذت بالشراكة مع شبكة المنظمات الأهلية أثمرت عن التمكين والارتقاء بأداء المنظمات؛ من أجل أن تقوم لخدمة المجتمع وحمايته بشكل عام، مشيرًا إلى أن قضية المصالحة لعام 2012 ستشهد مصالحة يرتقي فيها العمل المدني من أجل الوصول إلى التنمية المستدامة. وتحدث حمادة عن دور المساعدات الشعبية النرويجية، وهي مؤسسة نرويجية غير حكومية أُنشئت عام 1939، وتعمل مع أكثر من ثلاثين دولة من الدول النامية التي تعرضت للحروب والانتهاكات؛ خاصةً الدول التي تفتقر إلى الوصول لأهدافها التنموية، والوصول إلى السلطة والموارد؛ للحماية والدفاع عن حقوقها؛ كدولة فلسطين. قال الدكتورعائد ياغي - مدير جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية -: " إن عام 2011 شهد تغيرات عديدة في الدول العربية المجاورة؛ حيث الحراك الشعبي الذي مرّ عليه حوالي العام، والذي أُطلق عليه الربيع العربي أو الثورات العربية، والتي تركت الأثر الكبير؛ ليس فقط على حالة المجتمع المدني الفلسطيني، وإنما أثرت على مجمل الأوضاع في المجتمع الفلسطيني ". وأكد ياغي على أن الحراك الشعبي العربي دفع وحفّز الفئات المختلفة من الشعب، وخاصةً طليعة الشباب للقيام بتحركات جماهيرية من أجل إنهاء حالة الانقسام، مؤكدًا على دور المنظمات في المتابعة والتواصل المستمر مع الضحايا، واستخدامها بالحشد والمناصرة، والضغط، واستخدام وتوظيف المعلومات، والعمل على نشر الحقائق، وإظهار حقيقة الاحتلال، وتفنيد إدعاءاته الكاذبة. وأضاف شقورة أن المطلوب في المرحلة القادمة اتخاذ خطوات جادة تجاه المصالحة؛ بما في ذلك إطلاق الحريات العامة، والضمانة الأساسية للمرحلة القادمة؛ بل إن التحدي الرئيس هو إعادة الهيبة والاعتبار للسلطة القضائية، التي طالها الانقسام أيضًا. وفي ورقته بعنوان " الحراك الشعبي العربي وانعكاساته على المجتمع المدني الفلسطيني "؛ أكد محسن أبو رمضان - رئيس الهيئة الإدارية للشبكة بقطاع غزة - على الدور الذي لعبه الحراك الشعبي العربي في التأثير على المجتمع الفلسطيني، وكذلك على المجتمع المدني؛ حيث أدى إلى تقارب كل من حركتي فتح وحماس؛ بسبب التغيرات بالمنطقة العربية، وكذلك الدولية؛ حيث أدرك الطرفان أهمية الاهتمام بالعامل الذاتي الفلسطيني، وتقوية البيت الداخلي، وذلك بدلاً من الرهان على الخيارات الإقليمية أو الدولية، فبدون العامل الذاتي الفلسطيني الموحد لا يمكن الاستمرار بالمسار الفلسطيني؛ كفاحيًا وسياسيًا، وذلك على قاعدة برنامج سياسي فلسطيني موحد. وفي ورقته بعنوان " المجتمع المدني ودوره في النضال الوطني ومواجهة الاحتلال " أشار فراس جابر - مدير دائرة الأبحاث والدراسات بمركز بيسان برام الله - إلى مدى توسع عمل المنظمات الأهلية منذ فترة الانتفاضة الأولى وحتى الآن، الأمر الذي أدى لجعل الاحتلال يقدم على إغلاق عدد من المؤسسات الأهلية، ومصادرة أموالها ومعداتها، وإغلاق مكاتبها، بل واعتقال موظفيها، وإبعاد عدد من قادتها، وخلال عام 2011 فقط قام الاحتلال بإغلاق خمس مؤسسات أهلية في القدسالمحتلة، فضلًا عن إجبار عدد كبير من المؤسسات الأهلية بالرحيل عن القدس. وأشار جابر إلى دور العمل الأهلي في النضال الوطني، وتعدد أشكاله، فقام العمل الأهلي مع باقي مكونات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات بالعمل على قضايا وطنية، قطاعية أو متخصصة، كما هو في حملة مقاومة جدار الفصل العنصري، وحملة إنهاء الحصار على قطاع غزة، وحملة المقاطعة " لإسرائيل "، وكذلك عدد من الحملات القانونية والتي أدت حملة منها إلى فتوى " لاهاي " حول الجدار، وحملات محاربة التطبيع، بالإضافة إلى أدوارها في تعزيز صمود المزارعين، والسكان في مناطق الجدار، ودورها المحدود في القدس. في الجلسة الثانية التي ترأستها نادية أبو نحلة - مدير طاقم شئون المرأة في غزة - قالت: " إن هذا المؤتمر يأتي في نهاية عام 2011، وما شمله هذا العام من حراك شعبي على مستوى العالم العربي ". وأكدت أبو نحلة على دور منظمات المجتمع المدني، وخاصةً المنظمات الأهلية، فهي ضرورة وطنية وحاجة مجتمعية؛ فطبيعة النضال الوطني اقتضت توسيع نطاق المشاركة الجماهيرية، وبالتالي تضافر جهود كل الأطراف السياسية والاجتماعية للانخراط في النضال. وتحت عنوان " المجتمع المدني وتعزيز التضامن " أكد خليل أبو شمالة - مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان - على دور المنظمات الأهلية في تعزيز التضامن بين أفراد المجتمع، وقد دللت تجربة الفلسطينيين خلال العقود الأربعة المنصرمة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة على أن المنظمات الأهلية الفلسطينية تعتبر أحد أهم قنوات التعبئة الشعبية والاجتماعية والتضامن. ونوه أبو شمالة إلى الدور الكبير الذي تلعبه المنظمات الأهلية في تعزيز التضامن، وتقديم المساعدة بالعديد من الأنشطة؛ تشمل هذه الأنشطة على وجه الخصوص مشاريع وبرامج التنمية الريفية، والمياه، والبيئة، والتدريب المهني، والإقراض الصغير، وبناء القدرات، والدفاع عن حقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية، أيضًا تقوم المنظمات الأهلية بأنشطة اجتماعية تتعلق بالخدمات الصحية، ورعاية المسنين، ورعاية المعاقين، وأنشطة الطفولة. أكد الدكتور علام جرار - عضو الهيئة التنسيقية للشبكة بالضفة الغربية - عبر " الفيديوكونفرس " على نقاط رئيسة، هي الارتباط لنشوء السلطة الفلسطينية بالبعد القومي والوطني؛ حيث ارتبط بمفاهيم وحركات تنويرية، وأيضًا البعد التنويري بطبقات مجتمعية البرجوازية، والبعد للمنظمات الأهلية البعد الوطني والكفاح والنضال للشعب الفلسطيني في بداية الأربعينات والثمانينات. وأشار جرار إلى أن أهم عنصر في الحكم والحوكمة هو الالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية المحلية، وعلى المؤسسات الأهلية الارتقاء بالخطاب، والالتزام بالأولويات، ومنها مبدأ التحرر والاستقلال، والتحكم في مصادر المؤسسة. كما أشار تيسير محيسن - الباحث التنموي، ومدير دائرة الحشد والمناصرة بجمعية الإغاثة الزراعية - إلى أنه خلال عام 2011 حدث تطور طفيف على صعيد الفعالية السياسية في المنظمات الأهلية، منها تبلورت حركة الجيل الثالث، وجرت في إطار التشكيلات المدنية القائمة والمستحدثة، عبر عمليات التعبئة، وأنشطة التوعية، والتدريب، والتطوع، وتزويد الخدمات، وبناء التحالفات، ودعم الحركة المتنامية في أوساط الشباب. كما انتقل التركيز على الأنشطة ذات الطابع الإغاثي إلى التركيز على أنشطة المدافعة والضغط (من أجل المصالحة، الدفاع عن الحريات، رصد الانتهاكات،...). في نهاية المؤتمر تلا أمجد الشوا - مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية - التوصيات التي خرج بها المشاركون في المؤتمر، والتي أكدت على أهمية الدور الذي تقوم به المنظمات الأهلية في تعزيز المصالحة بمختلف مستوياتها، وإرساء أسس الوحدة بما يحافظ على النسيج الاجتماعي، ويعزز من مقومات الصمود وتمكين الشعب من مواجهة مشاريع الاحتلال، الاستيطانية، والتوسعية، والعنصرية، ورفض التمويل السياسي المشروط، والعمل على تبني أجندة تمويلية تأخذ بعين الاعتبار التوجهات التنموية والتمكينية، وتعزيز صمود المواطنين الفلسطينيين. وأكد الشوا في التوصيات على تعزيز مبادئ الحكم الرشيد والنزاهة والشفافية والتسيير الديمقراطي، في كافة المؤسسات؛ بما فيها مؤسسات المجتمع المدني.