بعد نجاح حفلاتهم بأوروبا تجاهلهم الإعلام الرسمي كالعادة ارتبط الزار في الأذهان بأمور كالجن والعفاريت كما ساهمت وسائل الإعلام في تقديمه كحالة من الرقص الهستيري المقترن بالذبح والدماء حتى حالة السقوط -التغييب- من الإعياء والإجهاد، لكن لم ينتبه أحد لذلك الفن الأصيل الذي من الممكن أن تكون له أصول فرعونية لوجود كتابات فرعونية على جدران المعابد تشبه طقوسها طقوس الزار إلى حد كبير غيرأن د/أحمد المغربي الملحق الثقافي المصري السابق في باريس قرر أن يحافظ على ذلك الفن بإعادة تشكيله وتقديمه عن طريق احتضان فرقة "مزاهر"التي تكونت عام 2000 من خلال المركز المصري للثقافة والفنون "مكان" الذي قام بإنشائه بجوار ضريح سعد زغلول.. "مزاهر" تقدم فن الزار كنوع من أنواع الموسيقى الشعبية الراقية والمختلفة.. تقدمه كفن لا كطقس حيث يجلس الجمهور على مقعد المتلقي وليس المشارك كما هو شائع.. فن الزار من الفنون القليلة التي تحتل فيها المرأه دوراً أساسياَ حيث تقود الفرقة ما كانت تسمي قديماً (كودية زار وهي الوسيط بين الأسياد والممسوسة).. وفي مزاهر الكودية "أم سامح" أو"مديحة" تؤكد أنه لم يتبقى سوى 16 شخصًا فقط يعرفون فن الزار في مصر كلها وقد توارثوه أباً عن جد.. تبدأ أي أغنية من أغنيات "مزاهر"مثل "حكيم باشا" أو "هلوا علينا الهنادوه" بفاتحة موسيقية هادئة أو غناء هادئ دون موسيقي ثم يتزايد الإيقاع -تدريجياً- سرعة وعلواً إلى أن يُختم بطبل سريع جداً وعال جداً ما يجعلك أسيراً تماماً لتلك الحالة الموسيقية المختلفة فتستولى عليك الموسيقي والطبول وجودة العرض وحُسن النغم ورشاقة "أم سامح" وصاحباتها المدهشة مع أنهن من ذوات الوزن الثقيل!!.. تمزج فرقة "مزاهر" في عروضها بين ثلاثة أنواع من الزار :المصري والسوداني (والذي ترجع أصوله للنوبة القديمة) وزار أبو الغيط (نسبة لقرية أبو الغيط التي يُعتقد أنها منبع الزار الأول) حيث يستخدموا في عروضهم آلات هي مزيج بين أنواع الزار الثلاثة مثل "الناي"الخاص بزار أبو الغيط وبعض الطبول الغليظة الخاصة بالزار السوداني بالإضافة للدفوف والرق و"الشخليلة" أو"الشخشاخ" والصاجات الخاصة بالزار المصري بالإضافة ل "الطنبورة" وهى آلة وترية تشبه "السمسمية" التي تشتهر بها محافظة السويس إلا أنها أكبر حجماً وتصدر أوتارها أصواتاً حزينة ومثيرة للبكاء وكان يُعتقد قديماً أنها من تصميم الأسياد أنفسهم!!.. الملابس والديكورات لها دور كبير وفعّال في العرض حيث يرتدي كل رجال الفرقة الجلابيب البيضاء الزاهية بينما ترتدي النساء جلابيب فلاحي غامقة بالإضافة لطرحة رقيقة وشفافة لا تُخفي ملامح الوجه.. ديكورات "مكان" بسيطة وعبقرية تتكون من لمبات حمراء خافتة وحوائط جيرية مُقشرة وكراسي خشبية وترابيزات صاج بالإضافة إلى "مخدات" أو"شُلت" لزوم الجلسة الأرضية.. البخور الذي تطلقه "أم سامح" في بداية الحفلة يساهم بشكل كبير مع كل ما سبق في اكتمال الحالة الروحانية.. سافرت فرقة "مزاهر" لتعرض موسيقاها إلى هولندا وبلجيكا وفرنسا ولاقت نجاحاً كبيراً لذلك لا عجب أن تجد في حفلات "مزاهر" تجمع "كوزموبوليتانى" من جنسيات عديدة يستمتعوا بهذا الفن الأصيل. تجربة د/أحمد المغربي مع "مزاهر" أثبتت أنه يوجد بالساحة الفنية من التراث الجميل ما يجب أن يستمر.