في عام 1916 انتحر الروائي الأمريكي "جاك لندن" تاركًا عشر روايات وثماني عشرة مجموعة قصصية وثلاث مسرحيات وأكثر من مائة وخمسين مقالاً وثمانية كتب عن المجتمع، ومن أشهر رواياته "الناب الأبيض"، "القدم الحديدية"، "ابن الذئب" و"قبل آدم" والتي صدر لها مؤخرًا الترجمة العربية عن سلسلة روايات الهلال. و"قبل آدم" يعتبرها النقاد أول رواية خيال علمي للكاتب، فأحداث هذه الرواية بأكملها تدور في عالم الأحلام، حيث يحلم الراوي بأحداث وقعت في زمان ومكان افترض وجودهما مع بدء الزمن، حيث كان الراوي -في أحلامه- ينتمي لعشيرة من المخلوقات أقل تطورًا من البشر في الشكل والعقلية، ولأن التسمية لم تكن معروفة بعد استخدم الراوي التشوهات الخلقية والصفات الجسدية لتفرقة الأشخاص وتعريفهم فهو "ذو السن الكبيرة" مَن أطلق على نفسه وعلى أقرانه في العشيرة تلك الأسماء مثل: "مسترخي الأذن" صديقه، أو "العين الحمراء" عدوه اللدود، أو "السريعة" حبيبته -والتي تزوجها فيما بعد- وذلك حتي يسهُل وصفهم وتفرقتهم حاليًا، أما وقتها فهناك من الحواس ما استطالت واتسع مداها لتعويض نقص اللغة وعدم معرفة طرق للتواصل: "ولم تكن أمهاتهم تناديهم بأسماء لأن التسمية اختراع لم نكن قد عرفناه بعد. وصاحت الأمهات صيحات قلق غاضبة. وكان الصغار يدركونها، ولو أن أمي بينهم تناديني لتعرفت على الفور على صوتها بين أصوات ألف أم، لأنها أيضًا كانت تعرف صوتي بين أصوات ألف طفل".. استخدم الكاتب أسلوبا شديد الرومانسية لوصف الطبيعة والمخلوقات في تلك الفترة وان كان لا يخلو من إثارة وترقب وحذر دائمين من الكوارث الطبيعية والوحوش التي كانت تحيط بتلك المخلوقات في ذلك الوقت، ولعل "الفايرمين" الجنس الأكثر تطورا والأقرب شبها بالجنس البشري لم يكونوا أقل الأخطار، وقد جاء سر تسميتهم بهذا الاسم لأنهم عرفوا -دون غيرهم- كيف يشعلون النار ويستخدمون القوس والسهم في الصيد والقتل.. تميزت تلك المخلوقات التي انتمى لها الراوي في أحلامه بالمكر والجبن وبفضلهم بالإضافة للإفراط في الخوف استطاعوا البقاء أحياء في تلك البيئة المعادية حيث كان العالم في بدايته تجسيدا صارخا لعدم الأمان.. العلاقات بينهم في تلك الفترة يتصورها الكاتب شديدة البداوة والقسوة حيث تطرد الأم ابنها من الكهف بمجرد نضوجه، وقد يقتل أحدهم زوجته عندما يغضب منها أو يقتل صديقه ليحصل على زوجته فقط، إن امتلك القوة اللازمة لكسر القواعد المتفق عليها.. المصادفات عامل رئيسي في تحديد مصائر المخلوقات في ذلك العصر وعن طريقها قد يجدون كهوفا للمبيت أو يكتشفون القوارب عند ملاحظة قطعة خشب طافية على سطح نهر وعن طريقها أيضا قد يلقى أحدهم مصرعه بين أنياب حيوان مفترس أو عندما يتناول نباتا مسمما أو يتعرض لمرض غريب.. يحلل الراوي العواطف والدوافع ويزنها عند "ذي السن الكبيرة" -شخصيته الأخرى التي كان يعيشها في أحلامه- من منظوره الحالي الذي يعيشه في القرن العشرين ولكنه في أحلامه كان يعيشها بكل بساطة دون أن يتأملها، وأحيانا كان يقع في ازدواجية فيصبح ممثلاً ومتفرجا في آن واحد: "هل حلمت قط أنك كنت تحلم؟؟" .. وبالرغم من قسوة الطبيعة الشديدة في "قبل آدم" إلا أن الكاتب يرى أن هناك قيما وأخلاقيات رفيعة كانت تميز المخلوقات وقتها قد اندثرت مع مقدم الإنسان: "ذكور الحيوانات الدنيا لا تسيء معاملة رفيقاتها أو تقتلها وأرى أن "العين الحمراء" بالرغم من ميوله الارتدادية كان دلالة على مجيء الإنسان لأن ذكور الجنس البشري وحدهم هم الذين يقتلون رفيقاتهم".
اسم الكتاب: قبل آدم (رواية أدبية) الكاتب: جاك لندن دار النشر: مؤسسة الهلال.