عشرون عاماً وتسعة دواوين هي مجموع الرحلة الشعرية والإبداعية للشاعر علاء عبد الهادي، هذا بالإضافة لعدد كبير من الأعمال النقدية والفكرية والترجمات للأدب الدنماركي والبلجيكي، ولكن جاء ديوانه العاشر ليحمل حالة استثنائية، فالديوان الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة يمثل كتابة خاصة، بداية من عنوان الديوان "مُهمَل" الذي دعمه بعبارة "تستدلون عليه بظل" بخط أصغر على غلاف الديوان تأكيداً علي معنى الإهمال والتجاهل والذي يمثل إسقاطاً على نفسه وعلى الشعر وعلى الإنسان وقيمه بوجه عام، التجديد هو السمة الغالبة على الديوان، فالديوان لم يتضمن نوعاً واحداً من الشعر كما هو شائع فاحتوى على جميع أنواعه بداية من الشعر العمودي الذي هجره معظم الشعراء إن لم يكن جميعهم: لا تعتب القلب في عشق بُليت به أو تأسفن لحب بعدما ذهبا وارم الشقاء علي قدم الوصال وكن مثل الهواء خفيفاً، ظلاً أو شغبا يا من شهدت من العشق آهتهم أنصت بعينك لا تنصت لمن غربا وامتح من الشعر قد تحنو محاسنها واثبت حسيباً لحب بعدما خلبا والواضح أن الشاعر لايستخدم الإطار العمودي كمجرد شكل ولكنه يتشرب روح الشعر القديمة من وزن محكم وصور محكمة وألفاظ جزلة، الكتابة النثرية شكل آخر يرتاده علاء عبد الهادي ليكمل سيمفونية الإبهار فيقترب بالنثر تارة من للقصيدة النثرية ويبتعد تارة أخرى ليضع مقدمات لفصول ديوانه هي أقرب للسيناريو: "ليل/خارجي،لقطة عامة متوسطة،تفاصيل حي شعبي، لقطة متوسطة، ظهر امرأة من الطبقة الثرية وهى تلتفت قبل أن تضع لفافة بيضاء علي الأرض وترحل مسرعة، طفل يبكي،لقطة عامة متوسطة علي وجه طفل، يأكل كسرة خبز، وقد التف بفناء مسجد مجاور، لقطة عامة من داخل المسجد، حلقة ذكر، فالليلة هي ليلة القدر، لقطة كبيرة تكشف وجه الطفل، كان الوجه نفسه الجالس علي المقعد في محطة القطار". من خلال تجربة "مُهمَل" يتبين أن مرحلة الوصول للديوان العاشر تحمل قدراً كبيراً من الحكمة والخبرة والتجريب والتجربة فقصائد الديوان التفعيلية تتدرّج بين القصير وبالغ القصر والتي تشبه كثيراً قصائد "الهايكو" اليابانية تحقيقاً لمقوله محيي الدين بن عربي "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" ويظهر ذلك جلياً في قصيدتي "تحطيم العقل" و"الإنسان ذو البعد الواحد" حيث يقول في الأولي: "كم..تمنيت أن أكون..سعيداً..دون..أن تقل.. معرفتي".. بينما تنص الثانية على أن: "الحياة .. أن تختار.. طريقك الخاص إلي.. الموت".. قسّم الشاعر ديوانه إلي خمسة فصول أسماها من عرض واحد إلى عرض خمسة ومنحها حروفاً لاتينية، بدأها جميعاً بقطعة سينمائية مؤلفة من عدة مشاهد قصيرة وأنهاها بقطعة مما أسماه "كتاب الظلال": "هي الظل.. شبّت لأطرافها.. أعين العاشقين.. انظروا..كيف ينشر ظل.. أوصاله في الهواء".. من الشائع في بعض الدواوين أن يختار الشاعر لقصيدة أو أكثر عناوين لكتب أو روايات شهيرة لكن ولأن هذا الديوان عنوانه التجديد فلقد اختار الشاعر كل أسماء القصائد بلا استثناء لكتب عالمية أو عربية شهيرة وروايات عظيمة مثل "مئة عام من العزلة، وصف مصر، البحث عن الزمن المفقود، غادة الكاميليا والمواقف والمخاطبات".. خصوصية علاء عبد الهادي في هذا الديوان استمدت تحققها من كل العناصر بداية من الشكل والبناء الفني وصولاً للمنطلق الفكري العام ما يثبت أن ما يسمي حدوداً للشعر هو محض خيال وأن الحداثة لا حدود لها.. على الإطلاق. --------------------------------- ديوان:مُهمل"تستدلون عليه بظل". الشاعر:علاء عبد الهادي. الناشر:الهيئة العامة لقصور الثقافة. عدد الصفحات:210.