تمر اليوم الذكري 18 لرحيل الموسيقار الكبير بليغ حمدي الذي فاضت روحه إلي بارئها في العاشرة مساء يوم الأحد الثاني عشر من سبتمبر عام 1993 بمستشفي سان جوزيف بمدينة باريس بفرنسا . و اشتهر بليغ بسهولة وبساطة ألحانه الأمر الذي يجعل أي متذوق للموسيقي قادرعلي التفرقة بين موسيقاه وأي موسيقي أخري يسمعها واحتل مكانة بارزة في الحياة الموسيقية المصرية والعربية بالألحان التي قدمها لكبار المطربين والمطربات في مصر والعالم العربي وعلي رأسهم أم كلثوم . وبنبوغه الفني استطاع بليغ حمدي وهو في العشرينيات من عمره أن يتجاور مع عمالقة الملحنين المصريين في التلحين لكوكب الشرق حيث قدم أول ألحانه لها " حب إيه " كلمات عبد الوهاب محمد في نفس الحفل الذي غنت فيه لأول مرة لحن " هو صحيح الهوى غلاب "للعملاق زكريا أحمد في الخميس الأول من شهر ديسمبر عام 1960 . ولدبليغ عبد الحميد حمدي مرسي في حي شبرا بمدينة القاهرة في السابع من أكتوبر عام 1931 وكان والده محبا للموسيقي العالمية والعربية وكان يعمل أستاذا للفيزياء بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول " القاهرة حاليا " . ترك بليغ حمدي المئات من ألحانه لكبار المطربين من مصر والعالم العربي وفي مقدمتهم كوكب الشرق أم كلثوم الذي قدم لها 11 لحنا من روائع الطرب العربي الأصيل وهم " حب إيه وأنساك وفات الميعاد وبعيد عنك و سيرة الحب وألف ليلة وليلة وكل ليلة وكل يوم وظلمنا الحب والحب كله وإنا فدائيون وحكم علينا الهوى " . كما لحن لمحمد عبد المطلب وعبد الحليم حافظ ووردة وشادية وعفاف راضي وفايزة أحمد وصباح ونجاة ومحمد رشدي وهاني شاكر وعلي الجار وسميرة سعيد وميادة الحناوي ولطيفة وياسمين الخيام ومحمد الحلو ومحرم فؤاد ومحمد العزبي ... وغيرهم . وتعاون بليغ في ألحانه مع كبار شعراء الأغنية من بينهم عبد الوهاب محمد ومأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز وأحمد شفيق كامل وعبد الفتاح مصطفي و فتحي قورة وعبد الرحيم منصور ومحمد حمزة وحسين السيد ومجدي نجيب وإسماعيل الحبروك وعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب ومصطفي الضمراني .. وغيرهم . وفي هذه المناسبة توجهنا إلي بعض من تعاونوا أو تجاوروا مع هذا العملاق وشاركوه في أعماله وذكرياته وكانت كلماتهم بمثابة شهادة علي عصره " زمن الفن الجميل ". زين نصار : تكريم الشعب لبليغ كان أكبر من تكريم الحكومات قال الدكتور زين نصار أستاذ الموسيقي بأكاديمية الفنون والمؤرخ الموسيقي : بدأ بليغ حمدي حياته الفنية مغنيا – وهذا لا يعرفه الكثير من الجمهور- فقد قدم سبع أغنيات في الإذاعة وهى "لو قلبي خالي" كلمات أحمد حلمي ولحن رؤوف ذهني . وأغنية "يا قمر" كلمات مصطفي عبد الرحمن ولحن يوسف شوقي و"يا ليل العاشقين" كلمات فتحي مهدي ولحن عبد العظيم محمد و" يا باكي مرسي الأيام " كلمات ظريف السويفي ولحن فؤاد حلمي و"زي اليومين دول" كلمات مصطفي عبد الرحمن ولحن محمد عمر و"الطير العاشق" كلمات مصطفي عبد الرحمن ولحن يوسف شوقي و"ما قدرت أصدقك " كلمات محمد فتحي مهدي ولحن محمد قاسم . وأضاف نصار أن بليغ قدم تجارب هامة في المسرح الغنائي حيث قدم في مطلع الستينيات أوبريت "مهر العروسة" التي عرضت علي مسرح دار الأوبرا القديمة ثم قدم للمسرح " تمر حنة " و" يس وبهية " . وقال نصار أن بليغ كتب مشاهد في مسرحيات " مطرب العواطف و مجنون بطة و حلاق بغداد وريا وسكينة " وللأطفال قدم مسرحية " شقاوة كوكو " ووضع الموسيقي التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية . وأكد دكتور نصار علي أن بليغ كان يؤكد دائما بأنه تأثر فنيا بالموسيقار محمد القصبجي ويعتبر محمود الشريف أباه الروحي في الفكر الموسيقي الشعبي كما أنه تأثر بكل من محمد فوزي ويعتبره أستاذه الأول إضافة إلى محمد عبد الوهاب أما في مجال المسرح الغنائي تأثر بفنان الشعب سيد درويش . وأضاف نصار أن من أهم أمنيات بليغ حمدي قبل وفاته أن يكون فرقة لأداء الألحان الشعبية من كل أنحاء الوطن العربي وأن يزور بها بلاد العالم كما كان يأمل أن يقدم عملا كبيرا عن " إخناتون " وقد حظي بليغ بالتكريم في حياته لكن تكريم الشعب له كان أكبر بكثير من تكريم الحكومات المصرية والعربية . عفاف راضي : كان سابق عصره وشهادة ميلادي الفنية كتبها بيده وقالت الفنانة عفاف راضي تعرفت عليه وأنا ما زلت طالبة في معهد الكونسرفتوار وتتلمذت علي يد الموسيقار رياض السنباطي ودرست الغناء الأوبرالي ونظرا لتميزي سمع عني بليغ حمدي فأرسل إلي وذهبت إلي مكتبه وكان أول عمل معه أغنية " ردوا السلام " . وأضافت عفاف راضي بأن هذه الأغنية كانت بمثابة شهادة ميلادي الفني حيث قدمتها في حفلة عبد الحليم حافظ في الإسكندرية وأنا ما زلت طالبة في المعهد فكانت بداية قوية جدا في ذلك الوقت . وأشارت راضي إلى أن بليغ كان صاحب الفضل الأكبرفي مشواري الفني لأنه كان صاحب سلسلة التصاعد الفني لي والتي نجحت من خلالها ومن بين هذه الأغاني " هوي يا هوي و تساهيل و الرزق ع الله وكله في المواني وعطاشي ووحدي قاعده في البيت .. وغيرهم " . وأضافت راضي أن بليغ كان يشارك في احتفالات أكتوبر كل عام بأكثر من أغنية ولكنه في بداية التسعينيات كان ممنوع من دخول مصر وأيضا من إذاعة أغانيه في الإذاعة والتليفزيون بسبب قضية سميرة مليان المغربية . وتابعت راضي : "أرسل لي أغنية من باريس وطلب مني تقديمها في الحفل وكانت من كلماته وألحانه وذهبت لصفوت الشريف – وزير الإعلام في تلك الفترة – وطلبت منه تقديمها وأعلمته بأن بليغ الذي لحنها ولم أخبره بأنه هو الذي كتبها حتى لا يرفضها ووافق عليها بعد تعهدي بعمل البروفات الكافية لأن الوقت كان قصير جدا علي الحفل" . قالت راضي : "وكنت قد انتهيت من بروفات الأغنيات التي كان المقرر تقديمها في هذه الحفلة ولكن عندما وصلتني أغنية بليغ وقرأتها علي الفرقة تحمس لها الموسيقيون وأعضاء الفرقة وهذا نادرا ما يحدث مع أعضاء الفرقة" . وأضافت الفنانة عفاف راضي بأن مقدمة الأغنية كانت تقول " برغم البعد عنك / عمري ما هنسي إنك / أمي وإني بنتك / طول عمري حته منك" وكانت الأغنية تعبر عن لسان حال بليغ وغربته . وأنهت راضي حديثها بأنه بموت بليغ ترك فراغ كبير في عالم الفن والموسيقي وكان سابق عصره وصاحب غزارة في الإنتاج وإحساس عالي للغاية . حلمي بكر : بليغ لم يمت ويبعث دائما مع تردد أغانيه وقال الموسيقار حلمي بكر أن بليغ حمدي لا يمكن أن يكون عمل اسمه إلا إذا كان صاحب بصمة وإبداعات تختلف عما سبقوه ودائما الفنان الذي يترك بصمة يظل ويخلد في حياتنا ولا يموت. وتابع بكر : والدليل علي هذا هناك الكثير من الأعمال التي تموت يوم ولادتها ولكن تبقي أعمال العمالقة الذين يبعثون دائما بسبب إبداعاتهم الرائعة وفنهم . وأضاف بكر أن بليغ مازال حيا لأنه ترك أولاده وهي أعماله الموسيقية الرائعة التي نرددها حتى اليوم تتحدث عنه لدرجة أنها رسمت صورة بين الناس علي أنه عايش بيننا مشيرا إلى أن بليغ حمدي تفرد بمدرسة جديدة وهي " المدرسة السهلة الممتنعة " وهي الجملة التي تصل مباشرة إلي المستمع وتظل معه لا تفارقه . وأكد بكر أن هناك عمالقة في الفنون بمختلف أنحاء العالم خاصة الرسامين يصنعون إبداعا ولا تظهر قيمته إلا بعد وفاتهم وهذه مدرسة مطلوبة ولكن بليغ أتي بهذه المدرسة لنبوغه وعبقريته ليكون سهلا ممتنعا . وأضاف بكر أنه عندما نتحدث عن بليغ حمدي لابد أن نتعرض للمراحل الثلاثة التي مر بها وهى: مرحلة اعتماده مطربا ومرحلة الملحن والمرحلة الأخيرة عندما أصبح عملاقا والتي جلبت عليه كل المصائب . وأكد بكر أن بليغ ظلم ظلما بينا لأنه كان يذوب عشقا وحبا في بلده ومن كثرة حبه لبلده لم ينتظر مؤلفا ليكتب له فقام هو بكتابة أعماله الخالدة في الوطنية وهذا دليل الصدق في الإبداع فزوج كلماته لألحانه لتنجب إبداع مازال باقيا . محمد سلطان : بليغ ترك لنا درسا في الإنسانية والإبداع وقال الموسيقار محمد سلطان أن بليغ حمدي لا يحتاج للإثبات بأنه علامة هامة جدا في تاريخنا الغنائي والموسيقي العربية والذي يشكك في ذلك عليه أن يري تاريخنا الغنائي بدون إبداع بليغ ليدرك مدي أهمية بليغ في تاريخنا الموسيقي والغنائي . وأكد سلطان أن بليغ هو الفنان الذي أحب مصر وتفاني في حبه لها وعبر عن ذلك بأعماله الوطنية التي خلدته مع سيرة مصر الوطنية . وأضاف سلطان أنه عندما كان مريضا في المستشفي في مصر تصادف أن تكون هذه الفترة التي كان بليغ ممنوعا من دخول مصر فكان يتنقل بين لندن وباريس ورغم معاناته في تلك الفترة وإحساسه بالظلم من قبل النظام إلا أن بليغ كان حريصا علي الاتصال بي يوميا الصبح والظهر ومتابعة أخباري وهو في عز محنته فهذه هي إنسانية بليغ التي لا تعوض فكان بيته مفتوحا أمام كل الفنانين المصريين والعرب علي حد سواء وكان بمثابة ملتقي ثقافي وفني بين المبدعين . علي حميدة : حزين لعدم مقابلة بليغ حمدي وقال المطرب وأستاذ الموسيقي في أكاديمية الفنون علي حميدة أن بليغ حمدي صاحب مدرسة خاصة في الموسيقي لن تتكرر مشيرا إلى أنه عندما حصد ألبومه الأول " لولاكي " أعلي المبيعات في العالم العربي عام 1988 طلبت منه الفنانة وردة أن يلحن بعض الأغاني ويتعاون معها خلال فترة وجود الموسيقار بليغ حمدي في باريس فوافق علي ذلك . وأكد حميدة أن وردة أبلغته إعجاب بليغ حمدي بأغنياته وكان ذلك بالنسبة له أكبر شهادة فنية حصل عليها حتى الآن لمكانة بليغ الفنية الكبيرة . وقال حميدة في حسرة كبيرة ندمت أشد الندم أنني لم ألبي دعوة الموسيقار الكبير بليغ حمدي عندما دعاني لمقابلته بعدما رجع إلي مصر قبل مرضه الأخير ولكن كثرة الحفلات والمواعيد حالت دون لقائنا حتى علمت بخبر وفاته الذي كان كالصاعقة بالنسبة لي . سيد حجاب : بليغ حمدي .. كان حلم وراح أما الشاعر الكبير سيد حجاب فقال أن بليغ حمدي در'باهرة من جواهر تاج العبقرية المصرية وهو أحد الكبار في تاريخ الموسيقي القومية والغناء القومي بأعماله في السينما والمسرح والأغنية . وأضاف حجاب أن بليغ كان يحلم دائما بالارتقاء بالأغنية المصرية إلي المسرح الغنائي وكان مسكونا بعشق الموسيقي وعشق مصر. وتابع حجاب : " وبليغ في تقديري مات شهيدا لأنه مات مظلوما في الفترة التي كان يحاول فيها النظام السابق تلويث ثوب المبدعين والمثقفين والفنانين وتقديمهم علي أنهم أساس الفساد في هذا الوطن ليصرفوا أنظار العامة عن فسادهم الذي أدي إلي التبعية والعمالة والإفقار والتجويع لجماهير الشعب المصري . وأضاف حجاب قائلا : "عملت مع بليغ حمدي منذ بداية السبعينيات وكانت البداية أوبريت له ولعفاف راضي في مسلسل الإذاعي بعنوان " حبي أنا " ثم تواصل التعامل بيننا في برنامجه " جديد في جديد " . وقال حجاب قدمت معه من خلال هذا البرنامج مجموعة من الأغاني منها : " ما بلاش وسهر المراكب " لعفاف راضي وأغاني أخري لسوزان عطية وعلي الحجار ومحمد الحلو ووردة وسميرة سعيد وتوجنا عملنا معا في رائعته "بوابة الحلواني " وأختتم حجاب حديثه عن بليغ حمدي قائلا : أهديت إليه ديوان صغير بعنوان " من ديوان الأغاني " عام 2006 وكان الإهداء يقول " إلي بليغ حمدي ..كان حلم وراح " .