يكتب : 1945 - 2016 الواقع الحالي في مصر سوف تجد تشابهاً كبيراً يصل إلى حد التطابق مع ما حدث في موسكو قبل وخلال عهد “جوزيف ستالين” وهو ما كتب عنه “جورج أوريل” روايته الشهيرة مزرعة الحيوانات. (1) دور قصة “مزرعة الحيوانات” حول مزرعة تثور فيها الحيوانات على صاحبها السكير “السيد جونز” الذي يمثل القيصر المخلوع “نيكولا الثاني” الذي كان يستغلها لمصالحه من دون أن يقدم لها حتى كفايتها من الطعام، هذه الثورة تأتي لتحقق نبوءة حكيم الحيوانات، وهو خنزير اسمه “ميجر”، تنبأ بالثورة ومات قبل أن يشهدها ، شخصيته هي مزيج من “ماركس ولينين”، وهي الشخصية التي قدمها أرويل بصورة الثوري المبدئي الذي ناضل من أجل مصلحة جميع الحيوانات. يقود الثورة بعد هذا خنزيران؛ أحدهما يدعى “سنوبول” شخصيته مزيج من “لينين وتروتسكي”، والآخر “نابليون” شخصيته تمثل “ستالين”، وقد تخلصا من الخنزير الأول بنفيه وتشويه صورته عن طريق خنزير إعلامي استخدم مؤهّلاته الدعائية وتمكن من تمويه الصورة الحقيقية ل”ميجر” واتهامه بالخائن.. يتمّ بعد ذلك وضع سبعة قوانين لمذهب الحيوانية الذي ستسير الحياة في (مزرعة الحيوانات) على أساسه ، تحت مبدإ أنّ كل الحيوانات متساوية، ثم تبدأ الحيوانات في العمل الشاق، وخاصة بناء طاحونة من أجل توفير الطاقة الكهربائية للمزرعة.. تبدأ الخنازير التي تولت القيادة في تمييز نفسها عن الحيوانات الأخرى، وكسر بعض القوانين السبعة، بل إعادة كتابتها لتتناسب مع الوضع الجديد، يطرد الخنزير “نابليون” صديقه “سنوبول” (الوفي لأهداف ثورة الحيوانات)، ويسيطر على المزرعة بالقوة محيطاً نفسه بخنازير محدودة، وبكلاب شرسة لا تدين بالولاء إلا له. مع الوقت، تصبح حياة الحيوانات أسوأ مما كانت عليه في ظل صاحبها الإنسان السابق، ولكن لا أحد يتذكّر، والدعاية الدائمة التي يقدمها الحكام الجدد تمجّد الإنجازات التي قاموا بها، وويل لمن يشكك في هذا.. في النهاية تكسر الخنازير آخر القوانين السبعة، وهو قانون غريب كانت الحيوانات أقرته، يفرّق بين الحيوانات والإنسان، باعتبار أن من يمشي على قدمين عدوّ ومن يمشي على أربعة صديق، ويؤسس بذلك لمذهب جديد ويرفع شعاراً جديداً: كل الحيوانات متساوية لكن بعضها فقط أكثر مساواة من الأخرى. تعلمت الخنازير المشي على قدمين، لتميز نفسها عن بقيّة الحيوانات، وهكذا تُمحى القوانين السبعة التي ولدت مع الثورة، وتختم الرواية على مشهد الخنازير، وهي تتبادل المصالح مع أصحاب المزارع المجاورة من البشر، حيث لم تعد الحيوانات تفرّق ما بين البشر والخنازير، وحيث لم تعد المزرعة للحيوانات، وإنّما تحوّل اسمها إلى “ضيعة الخنازير”. (2) من بين التيمات الرئيسة لهذه الرواية القصيرة هي موضوع السلطة المطلقة؛ فالسلطة قد تَفسد، ولكن السلطة المطلقة تفسد على الإطلاق؛ لأن الأيديولوجيا مع كثير من الشوفينية تحول السلطة إلى أداة لفرض الأمر الواقع، وبالتالي التحول إلى سلطة استبدادية تقهر الإنسان وتحد من آماله وطموحاته. مزرعة الحيوانات هي حكاية بسيطة، تتحدث عن قيم رمزية كبيرة كالحرية والمساواة، لقد ناضلت جموع الحيوانات في المزرعة ضد البؤس وقهر الإنسان لها الذي استمر في الاستيلاء على خيرات المزرعة ومنتجاتها على حساب كدح واستماتة الحيوانات في العمل الشاق. كانت الثورة إذن، حلمهم وملاذهم الأخير ضد هذا الواقع البائس، وكانت الخنازير تُجيّش الحيوانات وتخطب فيها من أجل خلق دعم شعبي للشعارات الواقعية التي حملتها، والتي نالت رضى الجميع؛ بسبب قوة الطرح وضعف قوة الخصم الذي جسده السكير جونز. لكنّ انتقال السلطة إلى يد الخنازير بدد آمال الحيوانات، بل تحول إلى أداة استبدادية أكثر فتكاً وطغياناً من الأولى فكيف حدث ذلك؟ (3) تعتبر الثورة إحدى أهم التيمات الرئيسة الأخرى التي تناولها “جورج أرويل” في هذه القصة، موضحاً كيف تنهزم الشعارات البراقة أمام مكر الثوّار أنفسهم وقَولبتهم لعقول العامّة وأحاسيسهم عن طريق ما يسمى بالثورة المضادة، وكما أوضح أرويل نفسه: “هذا هو تاريخ الثورة التي استغلّت بشكل خاطئ”.. ودلالات ذلك تكمن في الأدبيّات التمويهية التي مارستها الخنازير من أجل إحكام قبضة السلطة على جميع نواحي الحياة، من كلاب شرسة تفرض كلام الخنازير بالقوة، إلى إعلام يموّه الحقيقة ويصوغ أخرى جديدة على مقاس الثوار الجدد، ثمّ استغلال للدين ممثلاً في الغراب الذي رضخ للأمر الواقع واستسلم لقوّة الخنازير. وبالتالي، خرقت هذه الأخيرة دستور الثورة الأولى لصالح دستور الخنازير الجديد الذي جعلهم يترفعون عن طبيعتهم الحيوانية لصالح طبائع البشر لكي يثبتوا أحقيتهم بالسلطة الدائمة. يمكن أن يُنظر إلى الرواية بوصفها التحليل التاريخي لأسباب فشل الشيوعية على يد الشيوعيين أنفسهم، ويمكن أن ينظر إليها بصفتها وسيلة لإبراء الذمة من الصورة التي قدّمها الشيوعيون الروس والألمان.. وفي كلتا الحالتين، فإن “جورج أرويل” قدم عملاً أدبياً رفيعاً وتجسيداً لعالم الأفكار ولواقع الثورات السياسية، هي أيضاً دراسة لواقع الأنظمة الشمولية، وكيفية انتشارها وآلياتها الرهيبة في قمع الشعوب واختراق حدودها الذاتية لصالح النظام الذي يمارس النهب المنظم والتهديد المنظم والسرقة المنظمة.. وعندما تقرأ الرواية كاملة تستطيع بكل بساطة ويسر أن تضع مكان كل حيوان في شخصيته المماثلة في الواقع المصري الآن، وربما إذا قرأ الرواية عشرة أشخاص ستجد أن ثمانية منهم تطابقوا في اختيار شخصيات بسيماهم من الواقع المصري كممثلين حقيقيين عن كل حيوان في مزرعة الحيوانات. المشهد .. لا سقف للحرية المشهد .. لا سقف للحرية