بضحكة طويلة أجابها ساخراً، فى حين تفوهت هى بمنتهى الإدراك لما تقول، وكأنها تتلفظ كينونتها الذى حفظتها عن ظهر قلب.. لم تكن تُزايِد على ما تشعر، ولكنها كانت طبيعتها المتأصلة التى دائماً ما جاهرت بها وكانت مصدر خيلائها .. كانت وستظل ( مُحبة للحب ) .. ! حاورته فى زهو ناعم قائلة : " أحلى حاجة فى الدنيا إنك تعرف إزاى تحب الحب نفسه ، تدوب فى تفاصيله وتعبد أركانه .. زى ما تكون فى محراب مقدس " ، لكنه أجابها فى برود باغتها حين قال : " يا بنتى بلاش كدة تفضلى ديماً فى عالم تانى ،، فى ملكوت لوحدك والدنيا كلها حوليكى فى ملكوت تانى .. حاولى تكونى واقعية وبلاش الخيال ده " أعادت النظر إليه وانتابها شعور بغثيان مفاجىء وتساءلت مستاءة : " ليه الناس بتربط ديما بين الحب والخيال، زى ما نكون بنتكلم عن كائن فضائى ملوش وجود غير فى مُخيلة مؤلفين السينما ".. تعمد أن يتدارك إندفاعه الأحمق فى خدش نعومتها مسترسلاً : "مش قصدى، بس أنا خايف عليكى من إفراطك .. الحب مش أهم حاجة فى الحياة، وعلى أد ما رومانسيتِك جميلة ونادرة، على أد ما هى مُخيفة ومقلقة " وقعت كلماته على مسامعها كطلقات رصاص اِقتلعت نبضها المتلاحق من قلبها .. حاولت أن تستجمع ما تبقى من ثبات لديها ونهرته بأسواط عتابها المختنق حين تفوهت بنبرة مرتعشة قائلة :" غريبة يكون ده رأيك، المفروض إنك أكتر واحد يقدر خصوصية قناعاتى حتى وإن كانت تعانى الاغتراب فى عالم كله جمود وبلادة، فى النهاية لن تتوج أحداً سواك.. خايفة تكون من أباطرة البطش بالمشاعر وسجّان قاسى للأحاسيس" حاول أن يلملم أخطائه الفادحة ويوارى فظاظته التى اجتاحت غصونها الخضراء فأغرقتها وأسرع مبرراً :" مش ممكن تكونى فسرتى كلامى بأنه إنتقاص من مكانتك عندى .. أنا بس عايزِك تتوازنى مع العالم الخارجى، مش تلفى فى مدارك الخاص ولا تتبعى المجرة، وتلاقى نفسك وحيدة مش لاقية غير ذاتِك اليتيمة.. حتى ذاتِك ممكن تعتزلك من كتر ما اتعذبت من العزلة والحصار" لم يكن يُدرك أنه بكلماته الأخيرة كان قد قضى على النبض المتبقى فى قلبها المذبوح حين اضطربت نبرة صوتها وغالبتها الدموع التى آبت أن تطفو فى مقلتيها وكأنها تُحرِر روحها من قيد كان سيُبقيها أبداً فى أسر التعاسة، فقالت:" كل المترادفات اللى استخدمتها بتلغى حقيقة حمايتك لإحساسى، وكأنك مجرد متفرج.. كنت فاكرة إن مدارى اللى بتتكلم عنه هو مدار مشترك نُحلق به كأسراب الفراشات، ولا شأن لنا بمجرة حمقاء لنتبعها ،، فأين أنت منى إذن ؟ " لاح لها فى أفق عينيه رايات سوداء تنذر ب " نوات " النهاية، ونذير يهتف بأذنيها مردداً : " أبداً لم يكن هو من انتظرتِ ، ستنطفىء معه جذوتكِ ، ولن تتذوقى يوماً طعم السعادة فى زورق مشاعره الضحلة وعشبه الذابل.. أحلامه مفككة الأوصال، وقيمه متنافرة ، وسخريته مزعجة تشى بها نصائحه الباردة ". وإذا بها تحسم أمراً طاف بعقلها كثيراً، لكنه كثيراُ ما خبى بفعل رياح قلبها الساذج، وبمنتهى الهدوء والطمأنينة والقناعة، وفى لحظة عجيبة تسبق موعد زواجهما بأيام، تركت له دبلتها على نفس الطاولة التى توسطت حديثهما الهادر، حين جمعت رذاذ أمنياتها التى أخطأت الدرب، وهلمت تلملم شتات أحاسيسها المبعثرة عبر أنفاسه الواثقة التى كانت تشبه صافرة قطار أهوج، لا يعلم كم هو مزعج لمن حوله ومقبض للمارة العابرين، لكنها اِحتفت وحيدة بإحساسها الناضج دون أن يحتلها الحزن، وحمدت ربها على حمايته لها فى اللحظة الأخيرة، فليس كل نصلٍ (حاد) مميت ...هناك أنصالاً لا تَسفِك دماً بل تقبض أرواحاً لا تزال على فراش الحياة وهى أدركت أنه كان إحداها ، لذا فَرّت فى سلام !! المشهد .. لا سقف للحرية المشهد .. لا سقف للحرية