كعادتى كل موسم إمتحانات أجدنى مدفوعة لكتابة شئ ما من واقع ما أراجعه مع أولادى سواء فى التاريخ او الجغرافيا، فمنهج المواد الاجتماعية كما يعرف الجميع يعتمد على الحشو وتجميع عدد كبير من المعلومات التى يتصور واضعوه أن من واجب الطالب فى هذه المرحلة العمرية أن يعرفها ويثبت معرفته بها، وتوضع المعلومات فى كثير من الأحيان بصورة غير جذابة على الاطلاق، مليئة بالثغرات الواضحة التى تلتقطها أعين الأطلاب من هذا الجيل الساخر من كل شيء، ثغرات واسعة بحجم الكذبات السوداء ومكتوبة بصيغ أصبحت شبه محفوظة يشمون رائحتها ويضحكون عليها. ولنأخذ على هذا مثالاً. فى درس خصائص سكان وطننا العربى فى مادة الجغرافيا للصف الثانى الاعدادى تجد هذه الجملة الموجعة: سكان الحضر فى تزايد دائم بسبب (عدة اسباب) منها إنشاء المدن الصناعية كما فى سوريا ومصر. وقفت كثيرا أمام هذه الجملة. أين هى سوريا التى تنشئ المدن الصناعية ومدنها تختفى وأهلها بالملايين فى كل بلاد الدنيا؟ أفهم أن المعلومة قد تكون قديمة بعض الشيء لكن المشكلة السورية بدأت منذ خمس سنوات وتتفاقم من عامين وتتغير وتٌغير معها شكل المنطقة والاحصاءات تماما فيصبح من الأولى ونحن نناقش حال السكان فى الوطن العربى أن نناقش مشكلة اللاجئين على حدود كل البلدان، ومشكلة اللاجئين المقيمين فى كل البلدان. ألا يعرف واضعوا المناهج أن هناك حرباً كبيرة تدور هناك؟ وأن أخرى تدور فى اليمن؟ وأخرى فى السودان؟ وأن مصر وحدها استقبلت ملايين من كل هؤلاء؟ أين هى دراسة أوضاع السكان فى الوطن العربى إذن؟ ثم تحت عنوان الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لسكان وطننا العربى تجد هذه الخصائص : ارتفاع مكانة المرأة! حيث يٌقر الكتاب أن المراة تتمتع فى وطننا العربى بمكانة متميزة حيث حصلت على كثير من حقوقها فى الفترة الأخيرة مثل التعليم والعمل. لكن هل ناقش الكتاب المشكلة الأساسية التى تعانى منها نساء الوطن العربى، ألا وهى التحرش؟ أليست إحدى المشكلات الرئيسية العويصة؟ بالطبع حين يبدأ عقلى "الضال" فى التفكير بهذه الطريقة يلحقنى كتاب مواد اجتماعية سنة ثانية إعدادى بالخاصية الأخيرة لسكان الوطن العربى والتى—بحسب الكتاب—تميزهم عن بقية المجتمعات الأخرى!! ألا وهى التمسك بالقيم والأخلاق الحميدة! حيث التمسك بالقيم الدينية، التمسك بالعادات والتقاليد الحسنة، الترابط الأسرى والكرم وحسن الضيافة! وليس أننى أنكر وجود أى من هذا، بالطبع كثير من أسرنا العربية تتمتع "ببعض" هذه الصفات الحسنة، لكن ما أنكره بالفعل هو تعميم الفكرة، وتمييزنا عن " بقية" المجتمعات الأخرى فلا قبلنا ولا بعدنا! ونحن جميعاً نعلم وأولنا صغارنا اننا لسنا كذلك. للأمانة، فى السنوات الماضية حاول واضعوا مناهج المواد الاجتماعية جهدهم لجعل المادة أكثر جاذبية ، فملأوا الصفحات بالصور الملونة المصاحبة للمعلومات لكن ظلت المادة كما هى تعكس خللا فى المنظور العام للحياة تجدها فى المنهج الذى يجب أن يكون اكثر المناهج تفاعلاً وحساسية وصدقاً ومواكبة للعصر.ً المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية