يحكى أن فى إحدى جمهوريات الموز أن الرئيس خدعه خياط محتال يريد أن يفضحه أمام ضباطه وجنوده وشعبه, فأقنعه بأنه سيصنع له ثوبا سحريا عظيما لايرى جماله إلا الضباط والجنود والمواطنون الشرفاء من الشعب بدلاً من هذا الثوب التقليدى الذى يرتديه كل المسئولون فى الدولة، لأنه يجب أن يكون جمالا براقا.. فهو الرئيس القائد. اقتنع القائد بمهارة الخياط المحتال وخرج على ضباطه وجنوده وبعض المواطنين الشرفاء الذين يحضرون دائماً كل ندوات التثقيف التى تجرى للضباط والجنود مرة كل شهر، وقرر هذه المرة ارتداء الثوب الجديد.. وخرج عليهم عاريا تماما وقال لهم: انظروا ..ما رأيكم فى هذا الثوب السحرى الذى لايراه إلا الضباط والجنود والمواطنون الشرفاء ..؟! بعض الوزراء والضباط والجنود خافوا من غضب الرئيس فقالوا: هذا ثوب عظيم يا صاحب الفخامة. وبعض الضباط كانوا طامعين فى ترقيات فقالوا: يا صاحب الفخامة لم نر فى حياتنا أجمل ولا أروع من هذا الثوب. والمواطنون الشرفاء الجالسون فى نهاية القاعة دخلوا فى نوبة من التصفيق الشديد.. بعد أن قال لهم أحد الضباط حيوا القائد العظيم ولا تتكلموا أبدا فوسط هتاف المواطنين الذى كان يهذى بشكل هستيرى، يمنعه من أن يرى القائد وهو يتبختر أمامهم عاريا كما خلقته أمه.. وتوزع الناس بين خائف ابتلع لسانه، ومنافق رفع عقيرته بالتهليل والتمجيد للثوب العظيم. كان هناك طفل صغير يجلس مع أبيه الذى يهذى فى نهاية القاعة قال ببراءة: أين هو الثوب الذى تتحدثون عنه .. انى أرى الرئيس عاريا! حاول الضباط إسكات الطفل بأى طريقة.. لكزوه ووبخوه وهددوه لكنه ظل يصيح: إنى أرى الرئيس عاريا. عندئذ ضربوه وأخرجوه هو وأبيه من القاعة حتى يخلو لهم الجو مع الجو. هذه الحكاية التى تناقلتها كتب التراث تحمل معان كثيرة، فالضباط والجنود والمواطنون الشرفاء الذين يخافون من بطش الرئيس القائد أو يطمعون فى ترقيات يتظاهرون بأنهم يرون ثوبا وهميا ويتجاهلون الحقيقة الساطعة : أن القائد عار. أما الطفل البرىء فهو لايريد شيئا ولا يخاف من شىء لذلك يقول الحقيقة التى لم يقولوها ضباطه ولا جنوده ولا مواطنيه ولا الذين عينهم وأجلسهم بجوار كرسىى قيادته يتملقونه ويبررون له السحل والقتل والسجن لمعارضين النظام الذى يترأسه، ويقول له مالم يسمعه من بطانته التى تنافقه وتمتدحه وتصعد به إلى مصاف الأبرار المقدسين ولا تنطق إلا بآيات شكره وحمده على مناصبهم ونفوذهم وأموالهم، ويقول له مالم يقرأه من كتبته ومداحيه ويظل مخلصا لها حتى النهاية مهما يكن الثمن. الرئيس الذى يبذل كل ما بوسعه لإيهام الناس بأن هناك نجاحات تصل إلى حد الإعجازتتحققت خلال فترة العام والنصف التى مرت على ولايته الأولى، والتى فى الحقيقة لم تشهد ثمة نجاحات سوى فى شىء واحد وهو أن الكهرباء لم تعد تنقطع عن المنازل والمصانع والمحال التجارية.. وفى المقابل فشل تام فى كل شىء، غياب الرؤية والتخطيط لمستقبل الوطن مما أدى إلى عشوائية الإدراة التى باتت واضحة فى شتى المجالات.. وفى تلك الفترة صاحبت العشوائية على المستوى الاجتماعى زيادة فى جميع أسعار الاحتياجات الأساسية للمواطن مما أدى إلى زيادة معدلات الفقر فى الفترة الماضية، وعلى المستوى الاقتصادى زاد معدل التضخم بنسبة 5٪ منها 2.5٪ فى شهر أكتوبر الماضى فقط، وعلى المستوى السياسى بعد عام ونصف من الفراغ السياسى جاء قانون مباشرة الحقوق السياسية عشوائى بل غوغائى أفرز برلمان نوابه مجموعة من المنتفعين واللصوص والجهلاء عديمى الفكر, لكن لديهم أموال استطاعوا أن ينفقوا منها على العملية الانتخابية بعد أن صيغ القانون بطريقة تجعل صاحب المال وحده هو من يفوز بتلك الانتخابات.. وعلى المستوى الأمنى فحدث ولا حرج, فلهث الأمن وراء كل من يخالف الرئيس الرأى والانشغال بمتاعبة كل من ينتقد الرئيس وبخاصة الشباب, جاءت كارثة سقوط الطائرة لتنذر بأنه لا أمن ولا أمان فى هذه البلدة. خلال عام ونصف فقط باتت شعبية الرئيس القائد على الحضيض بعد أن كانت شعبيته جارفة بين جميع طوائف الشعب, وهذا كله بسبب أن الرئيس فشل على جميع المستوايات بعد أن اختار بطانة عفنة لتكون حكومته من مجموعة من الموظفين البيروقراطيين الذين تربوا فى كنف أجهزة الدولة الفاسدة الفاشلة المتخلفة وينتظر منهم خيرا لهذه البلدة التى أصبحت بحق فى مصاف البلاد الفاشلة. الحقيقة التى قالها الطفل البرىء بأنه يرى الملك عاريا, يقولها كثيرون فى البلدة لكن هؤلاء جميعهم متهمون بالتأمر والخيانة والعمالة, لأنهم لم يصطفوا خلف الفشل الذى يسيطر على جميع مستويات الإدارة فى البلدة, ولم ينجرفوا مع المنجرفين نحو عبارة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" التى هلكت بسببها أمم من قبل كانت قد استسلمت لها وسارت خلف من صاح بها حتى سقطوا جميعا فى الهاوية. أيها الرئيس إنك فاشل وكل من حولك مجموعة من الفشلة الفسدة والنهاية مهما تأخرت قادمة.. هكذا علمنا الماضى الذى لم تعتبر أنت منه.. ووقتها لا تلم إلا نفسك. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية